بالطبع لا يعتبر قرار البرلمان الأوروبي الأخير إعلاناً بانتهاء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي،
بالطبع لا يعتبر قرار البرلمان الأوروبي الأخير إعلاناً بانتهاء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فهو لا يملك مثل هذه الصلاحية. فقط المفوضية الأوروبية، سواء بمبادرة ذاتية منها أو بدعوة من ثلث أعضاء الاتحاد الأوروبي على الأقل، يمكن لها اتخاذ قرار التعليق أو التجميد أو الوقف في حال وجود «انتهاك خطر ومستمر للمبادئ الديمقراطية والحقوق الأساسية».
لكن أهمية «التوصية غير الملزمة» التي اتخذها هذا البرلمان في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أنها جاءت بأغلبية كاسحة(479 نائباً في مقابل 37 وامتناع 107 عن التصويت) وأنها تعكس رأي الكتل البرلمانية الحزبية الأربع الأساسية فيه، أي موقف البرلمانات الوطنية في الدول الأوروبية وبالتالي الرأي العام الأوروبي.
لقد دعا البرلمان إلى «تجميد مؤقت» لمفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد مديناً بشدة «الإجراءات القمعية المفرطة» التي تقوم بها أنقرة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز الماضي، كونها «تنتهك الحقوق والحريات الأساسية التي يحميها الدستور التركي». والإشارة إلى الدستور التركي نفسه ترسل رسالة مضمونها أنه لا يكفي تعديل الدساتير والقوانين من أجل الانضمام لأوروبا، كما اضطرت أنقرة لأن تفعل خلال مسيرتها الأوروبية، بل ينبغي أن تحترم هذه الدساتير.
لكن البرلمان تعهد بمراجعة موقفه هذا، حالما يتم وقف الإجراءات القمعية المتخذة في ظل حالة الطوارئ في تركيا. وهذا يعني إبقاء الباب مفتوحاً وعدم وصده بالكامل، كما يرغب الزعماء الأوروبيون أنفسهم والذين عبرت عنهم وزيرة الخارجية الأوروبية فريديريكا موغيريني، التي دعت إلى «إبقاء القنوات مفتوحة»، لأنه إذا توقفت المفاوضات رسمياً «سنكون في وضعٍ، الطرفان فيه خاسران».
بالطبع ردت أنقرة على البرلمان الأوروبي، على لسان الرئيس أردوغان ووزير خارجيته للشؤون الأوروبية، بالقول إن توصيته «لا قيمة لها». لكن ليس هذا الرد هو المهم بل الأهم تهديدات أردوغان بالعودة إلى تطبيق قانون الإعدام في تركيا والانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون كبديل عن الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى فتح الحدود التركية أمام تدفق اللاجئين نحو أوروبا.
حرب كلامية نشبت بين أردوغان ومسؤولين أوروبيين، مثل أنجيلا ميركل التي اعتبرت تهديداته غير مجدية. والحقيقة بأن أنقر ة لا تستطيع أن تستغني عن الاتحاد الأوروبي الذي يشتري أكثر من 48٪ من صادراتها لتنضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تشتري نحو 3% فقط من هذه الصادرات. ثم إن هذه المنظمة، التي تضم ست دول هي: روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، لا تقبل في عضويتها عضواً كامل العضوية في حلف الأطلسي، وهذا الأخير لن يسمح لتركيا بالتزود بأنظمة تسليحية من الدول الشرقية لا تقع شيفرتها في أنظمته، وهذا ما حصل، إذ إن الرئيس أردوغان اضطر، تحت ضغط الحلف لإلغاء صفقة صواريخ كان يستعد لتوقيعها مع الصين، والتي تشجعه على الانضمام لمنظمة شنغهاي.
أما بالنسبة للعودة إلى عقوبة الإعدام (التي ألغتها تركيا في العام 2004 بموجب اتفاق ترشحها للاتحاد الأوروبي) كما يهدد أردوغان، فهذا يشكل سبباً كافياً لكي تقدم المفوضية الأوروبية على وقف المفاوضات مع تركيا، وهو أمر لا يستطيع الرئيس التركي المغامرة به أقله نظراً للمعارضة التي تواجهه من داخل حزبه الحاكم، حيث ارتفعت أصوات كثيرة تطالبه بتغيير طريقة تعامله في الملف الأوروبي.
في موضوع اللاجئين، يمكن لأنقرة الضغط على الاتحاد الأوروبي الذي وقع معها اتفاقاً في مارس/الماضي يقضي بتقديم مساعدات لها ترقى إلى ستة مليارات يورو تصرف على إيواء النازحين السوريين في الأراضي التركية، وإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول إلى منطقة شينغن، في مقابل أن تعمل أنقرة على إغلاق حدودها أمام المهاجرين إلى أوروبا، وأن تسترد أولئك الذين تسللوا منها إلى الجزر اليونانية. لم تفِ أوروبا بالتزاماتها بذريعة الحملة القمعية في تركيا وغير ذلك. لكن حتى في هذا الملف فإن أردوغان يجازف باستفزاز الأوروبيين الذين هددوا باتخاذ عقوبات تجارية واقتصادية ضد بلاده. هناك مصلحة مشتركة في هذا الملف لا سيما أن دولاً أوروبية أساسية مثل فرنسا وألمانيا وهولندا، تستعد لانتخابات في العام المقبل تحتل فيها مسألة المهاجرين حيزاً مهماً في الحملات الانتخابية على خلفية تقدم ملحوظ لليمين الشعبوي والمتطرف، الذي يحمل شعارات ضد النازحين والمهاجرين لا سيما المسلمون منهم.
إلى اليوم هناك 14 فصلاً فقط من أصل 35 قد فتحت للتفاوض، بينما تعلق دول مثل فرنسا واليونان وألمانيا وقبرص الجنوبية ثمانية فصول أخرى وتمنع فتحها.
لاتزال العقبات أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي هي نفسها، وذات طبيعة دينية وتاريخية وجغرافية واستراتيجية وديموغرافية واقتصادية وسياسية وغيرها.
جل ما يمكن لتركيا أن تحققه، في المديين المنظور والمتوسط، هو ما تؤيده فرنسا وألمانيا، أي «شراكة مميزة» مع الاتحاد الأوروبي، وليس كامل العضوية فيه.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة