العلاقات التركية الإيرانية.. دبلوماسية "خشنة" لا تؤذي مصالح عميقة
لغة دبلوماسية خشنة اعتمدتها إيران وتركيا خلال اليومين الماضيين
تبادل الساسة في كل من أنقرة وطهران الاتهامات، فيما يعمل جنرالات البلدين في جبهات مختلفة على الساحة السورية لتأمين الغنائم قبل تسوية محتملة، لكن لغة الدبلوماسية الخشنة التي اعتمدتها إيران وتركيا خلال اليومين الماضيين لن تفضي، بحسب مراقبين، لتدهور يؤثر على مصالح عميقة تجمع البلدين.
واتهمت إيران، اليوم الخميس، تركيا بـ"احتلال" سوريا، في إشارة إلى المعارك التي يخوضها الجيش التركي في شمالي سوريا بمنطقة الباب.
التصريحات الإيرانية جاءت على ما يبدو، رداً على مطالبة تركيا إيران بالضغط على ميليشيا "حزب الله" اللبناني، للخروج من سوريا متهمة إياها بـ"خرق" الهدنة.
وأعلنت الهدنة في سوريا نهاية العام المنصرم، ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد التوصل لاتفاق بين روسيا وتركيا جاء بعد 9 أيام من "إعلان موسكو" الذي يهدف للتوصل إلى تسوية الأزمة السورية.
ودعا وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، الأربعاء، إيران إلى الضغط على المقاتلين الشيعة والحكومة السورية، لوقف انتهاك وقف إطلاق النار في سوريا، محذراً من أن هذه الانتهاكات تعرض محادثات السلام المزمعة للخطر.
ولم يتأخر الرد الإيراني، إذ برر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية الإيراني علاء الدين بروجردي، في تصريحات أوردتها وكالة "تسنيم" الإيرانية، وجوده وميليشيا "حزب الله" في سوريا، متحدثاً بعد لقائه الرئيس السوري بشار الأسد: "نحن و(حزب الله) موجودون على مستوى المستشارين، وهذا الأمر يتم بتنسيق مع الحكومة السورية وبطلب منها، لذلك فإن الأطراف الذين يجب عليهم ترك سوريا هم الذين دخلوها من دون إذن ومن دون تنسيق مع الحكومة".
ويرى الدكتور بشير عبد الفتاح، الأكاديمي والباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، أن إيران التي تشعر بالغبن من استبعادها من الترتيبات التي سبقت التوصل لوقف إطلاق النار، وتعتقد أن الأتراك سوف يحصلون على مكاسب في سوريا لم يدفعوا ثمناً لها.
ويقول عبد الفتاح لـ"العين": "بالإضافة إلى علاقات التنافس الاستراتيجي المزمن بين تركيا وإيران، ترى طهران أنها أنفقت 200 مليار دولار في سوريا، وألفي مقاتل سقطوا على ساحتها لتأمين مصالحها التي باتت مهددة في ظل التقارب الروسي التركي، وهو تقارب أجج الروح التنافسية بين طهران وأنقرة".
وتأمل طهران، التي تطلق العنان لمليشياتها في سوريا لقضم مزيد من الأراضي، في تأمين موقف تفاوضي أقوى في الأستانة، وهو ما يثير حفيظة تركيا وروسيا، بحسب عبد الفتاح.
ولوح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في مقابلة مع وكالة الأناضول للأنباء، بالعمل مع روسيا من أجل فرض عقوبات على من ينتهك اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه أنقرة وموسكو.
وحذر من أن مفاوضات السلام التي تعد موسكو لعقدها في الأستانة عاصمة قازاخستان، قد تفشل ما لم يتم إيقاف الانتهاكات المتزايدة للهدنة.
وتعقد محادثات الأستانة بمشاركة ممثلين عن تركيا وروسيا وإيران، بجانب ممثلين عن حكومة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وبعض فصائل المعارضة.
ورغم توتر العلاقات التركية الإيرانية، يرى كرم سعيد، الباحث المتخصص في الشؤون التركية، أن قاعدة المصالح الاقتصادية بين طهران وأنقرة تتكفل بإخماد أي حريق على الصعيد السياسي، قائلاً لـ"العين": "إننا نتحدث عن علاقات اقتصادية تقدر بـ30 مليار دولار".
ويضيف "سعيد" أن الخلافات التي تتبدى حالياً على الساحة السياسية بين القوتين الإقليميتين لا تدفع بأي منهما إلى الظن بقدرتها على حسم الوضع لصالحها، ربما تسعى تركيا إلى لجم النفوذ الإيراني بعد أن وصل لحد مزعج، لكن دون الدفع بالعلاقات لحدود الصراع المفتوح كما كان الحال مع بداية الأزمة السورية قبل 6 سنوات.
ويتوقع عبد الفتاح أن تشهد العلاقات التركية الإيرانية توتراً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة، على خلفية مخاوف طهران بخسارتها حال أقرت تسوية سياسية في سوريا لا تؤمن مصالحها.
"لكن هذه التوترات المحتملة لا تبدو مرشحة للتفاقم"، بحسب سعيد، الذي يشير إلى الدور الروسي الراغب في تثبيت مواضع قوة جديدة في الشرق الأوسط، وهو يدير من أجل ذلك ملف العلاقات التركية الإيرانية، للحفاظ على حد أدنى من التوافق، وضمان تناغم يؤدي إلى تسوية في سوريا تأخذ في الحسبان مصالح البلدين.
ولا تبدو إيران، المتوجسة أصلاً من نوايا الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، راغبة في خسارة حليف اقتصادي في وقت أقر فيه الكونجرس استمرار عقوبات اقتصادية لعقد مقبل.
كما لا ترغب أنقرة التي تتعقد علاقاتها يوما بعد يوم مع الاتحاد الأوروبي في أن تعطي ظهرها لقوة إقليمية لا يستهان بها.
ويبدو أنه خلال الأيام القليلة المقبلة سيسمع العالم مزيداً من الصخب في أنقرة وطهران، وسيتوقف الأمر على قدرة موسكو في أن تضبط إيقاع هذا الصخب، بحثاً عن مارش عسكري تعبر على وقعه جيوش الدول الثلاث تحت أقواس نصر في سوريا.
aXA6IDE4LjIyMS4xMDIuMCA= جزيرة ام اند امز