أنقرة احتلت منذ أشهر مدينتي تل أبيض/كري سبي ورأس العين/سري كانييه السوريتين وهجّرت منهما أصحابها الأكراد.
لا يتوقف هذا العالم عن حماية نفسه من فيروس كورونا المستجد من خلال الإجراءات الوقائية التي تتخذها معظم الحكومات للحد من انتشاره وحماية مواطنيها من الموت، لكن في المقابل يبقى الهمّ الأول والأخير للحكومة التركية الحالية كحال سابقاتها هو التخلّص من الأكراد في كلّ مكان والمضي في ذلك مهما كانت الظروف.
ففي الوقت الذي يتابع العالم كله أخبار انتشار الفيروس القاتل وتمدده في الأرض عابرا الحدود والقارات، تمرّ صورة جديدة للإرهاب التركي بشكلٍ عابر هذه المرة عبر وسائل الإعلام نتيجة تغطيتها المستمرة لمعركة كورونا.
والصورة التي أحدّثت ضجةً كبيرة لأيام هي عبارة عن طردٍ بريدي أرسلته السلطات التركية لعائلة كردية في مدينة ديار بكر الواقعة جنوب شرقي تركيا في المنطقة الكردية من البلاد. طرد يبدو عاديا للوهلة الأولى وتكلفة إيصاله لهم تبلغ 45.20 ليرة تركية (ما يعادل نحو 7 دولارات أمريكية).
احتلت أنقرة منذ أشهر مدينتي تل أبيض/كري سبي ورأس العين/سري كانييه السوريتين وهجّرت منهما أصحابهما الأكراد وغيرت ديمغرافية مناطقهما مثلما فعلت أنقرة هذا الأمر سابقا في مدينة عفرين قبل عامين
الطرد أبيض اللون ولُصقت عليه بيانات المرسل والمرسل إليه وعنوانهما، ولكن ما أحدث الريبة أنه يحمل في داخله رفات شابٍ كردي كان مقاتلا في صفوف حزب "العمال الكُردستاني" والّذي يقوده الزعيم الكردي عبدالله أوجلان من سجنه منذ اختطافه واعتقاله في عام 1999.
وانتشرت صورة الأم المفجوعة وهي تحمل طرداً لرفات ابنها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي داخل تركيا وخارجها. وهذه الصورة هي سابقة في الوحشية والإرهاب، حيث لم يحصل أبدا أن استخدم أحد الطرود لإرسال الجثث أو الرفات لذوي الضحايا، حتى في الدول الأكثر ديكتاتوريةً وتسلطا وإجراما من تركيا.
لقد استطاعت صورة هذا الطرد وبجانبه الأم المفجوعة، نقل الواقع الحيّ والملموس للإرهاب المستمر ضد الأكراد في تركيا منذ لحظة تأسيس هذا الكيان. فالطرد أيضا دليلٌ آخر ينفي بشكلٍ قاطع رواية كلّ من يقول إن الحرب التركية المستمرة على الأكراد سببها حزب العمال الكردستاني، فالأم المفجوعة بولدها المرسل لها عبر البريد لها الحق في استلام جثمانه بشكلٍ لائق مهما بلغت درجة العداوة مع الخصم، لكن رغم ذلك أغلقت منظمات حقوق الإنسان كعادتها أعينها أمام تلك الأم الكردية.
ويُضاف لذلك أن هذا الحزب الّذي كان ينتمي إليه ابنها، كان قد أعلن مرارا استعداده للسلام والتفاوض وحصل هذا الأمر قبل سنوات، لكن أنقرة تهرّبت مجددا واستمرت في الحرب ودمّرت آلاف القرى ومئات البلدات والمدن الكردية وقتلت أصحابها. ولم تكتفِ بذلك، بل واصلت معركتها السياسية ضدهم بعد صعود حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، فاعتقلت قادته ونوابه في البرلمان والّذين يتمتعون بحصانة نيابية وأيضاً اعتقلت رؤساء بلدياته المنتخبين من الشعب، كما أنها واصلت حربها على الأكراد خارج الحدود في سوريا والعراق.
وعلى سبيل المثال، احتلت أنقرة منذ أشهر مدينتي تل أبيض/كري سبي ورأس العين/سري كانييه السوريتين وهجّرت منهما أصحابهما الأكراد وغيرت ديمغرافية مناطقهم مثلما فعلت أنقرة هذا الأمر سابقاً في مدينة عفرين قبل عامين. هذا كلّه يحصل مع الأكراد خارج حدود تركيا دون أن يكون أوجلان موجوداً هناك.
كذلك دمّرت أنقرة صورة لأوجلان كانت منحوتة فوق جبلٍ بريف مدينة عفرين قبل احتلالها في مارس/آذار 2018، واستبدلت بها قبل أيام صورة لعلمٍ تركي كبير. وقال مسؤول تركي بعد ذلك على "تويتر" إن "العلم الذي يرفع مرة واحدة لن ينزل مرة أخرى أبدا"، كما لو أنه يقول إن احتلال عفرين سيستمر إلى الأبد.
وما بين الطرد البريدي وصورة أوجلان الّتي استبدل بها علم تركي، على العالم أن يستيقظ من غفوته كي يضع حدا للإرهاب التركي الّذي يتمدد في المنطقة من سوريا والعراق وصولا إلى شمال أفريقيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة