أدركت العديد من الدول، التي بدت عاجزة عن مواجهة وباء كورونا، أن ما أنفقته من مليارات الدولارات على سباق التسلح، كان خطأ كارثيا.
ربما أدركت العديد من الدول المتقدمة، التي بدت عاجزة عن مواجهة وباء كورونا المستجد، أن ما أنفقته من مليارات الدولارات على سباق التسلح، خلال الأعوام القليلة الماضية، كان خطأ كارثياً أمام انكشاف منظومتها الصحية، وفشلها في تقديم الرعاية المطلوبة لمواطنيها، واضطرار بعضها، للأسف، إلى المفاضلة بين من يبقى على قيد الحياة، ومن يجب أن تتركه ليموت، وذلك في اختبار حقيقي لما كانت تدعيه من احترام لحقوق الإنسان.
لقد فشلت هذه الدول في إدارة أزمة وباء كورونا التي كشفت عن سيادة قيم الأنانية والنفعية والانتهازية، وغياب الضمير الإنساني لديها؛ لأن من ينكر الحق في الحياة، الذي يعد أقدس وأثمن حقوق الإنسان التي ينبغي الحفاظ عليها، يفتقر إلى الحد الأدنى من الأخلاقيات.
صدق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حينما قال في إحدى تغريداته قبل أيام: "في زمن فيروس كورونا اكتشفنا أن الصحة هي التي تقود السياسة والاقتصاد مرغمين، وأنهما يتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه".
حينما يدقق الباحث في الإحصائيات التي تضمنها تقرير التوازن العسكري الأخير، الذي صدر في فبراير الماضي عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS، يصاب بالدهشة، عندما يكتشف أن الإنفاق الدفاعي في العالم ارتفع في عام 2019 بنسبة 4% عما كان عليه في عام 2018، حيث بلغ 1.73 تريليون دولار أمريكي، وذلك في أعلى زيادة سنوية خلال عقد كامل، وأن معدل هذه الزيادة وصل في أوروبا إلى 4.2% وفي كل من الولايات المتحدة والصين إلى 6.6%، وذلك في مؤشر واضح على عودة السباق على التسلح، وتراجع الاهتمام بالأمن الإنساني والاجتماعي من جانب هذه الدول.
ما يقرب من تريليوني دولار تم إنفاقها على ترسانة ضخمة متنوعة من الأسلحة، تم تخزينها أو بيعها لدول أخرى، لو تم توجيه جزء منها للإنفاق على تطوير منظومة الرعاية الصحية في العديد من دول العالم، لكان العالم الآن أكثر قدرة وفاعلية في الاستجابة لمواجهة وباء كورونا.
الآن ومع فداحة الخسائر البشرية والمادية التي خلفها الوباء، خاصة في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، فإن شعارات مثل: التفوق العسكري، وقوة الردع، والهيمنة، والتفاخر بإنتاج أحدث الأسلحة، لن يكون لها أي صدى أو قبول لدى شعوب هذه الدول التي أيقنت أنها تعرضت لعملية خداع متواصل، حينما تم إيهامها بأنها الأفضل في كل مؤشرات التنمية والرفاه والرعاية الصحية والاجتماعية، لتستفيق على كابوس كورونا القاتل.
أتصور أن وباء كورونا يعيد الآن صياغة كثير من نظريات التنمية والأمن والدفاع في العالم، فلم يعد مقبولاً مع الارتفاع المتزايد في عدد وفيات ومصابي الوباء حول العالم، وخاصة في الدول الغربية، الادعاء أن القوة العسكرية هي أساس القوة الشاملة للدولة، باعتبارها تمثل الرادع للأعداء، والضامن للمكانة والنفوذ في النظام الدولي، بعدما انكشفت هشاشة منظومة الرعاية الصحية والاجتماعية في هذه الدول، وباتت عاجزة عن توفير الأدوات الصحية الضرورية لمواطنيها، بدايةً من الكمامة ونهايةً بأجهزة التنفس الصناعي، بل وجعلها تتنافس فيما بينها للحصول على هذه المستلزمات الطبية بأي صورة، حتى لو من خلال القرصنة على الشحنات الطبية أو مصادرتها، بصورة أظهرت العالم الآن وكأنه يعيش "حرب كمامات".
لقد صدق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حينما قال في إحدى تغريداته قبل أيام: "في زمن فيروس كورونا اكتشفنا أن الصحة هي التي تقود السياسة والاقتصاد مرغمين، وأنهما يتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه"، فالصحة ستقود كل المجالات في المستقبل القريب، لقد أثبتت هذه الأزمة أن الصحة العامة للشعوب هي أهم مرتكزات القوة الشاملة للدول.
إذا كان سباق التسلح وعسكرة الفضاء والتفوق في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والحروب التجارية والاقتصادية تمثل أهم مفردات المشهد العالمي قبل ظهور كورونا، فإن المستقبل يشي بتحولات هائلة، سيتم خلالها تغيير أولويات الدول الكبرى التي بات عليها الآن إعادة بناء منظومتها الصحية، والاهتمام أكثر بالأمنين الإنساني والاجتماعي لشعوبها؛ لأنها أدركت الآن أن قيمة الكمامة أهم من الصاروخ، وأن الدور الذي تؤديه أجهزة التنفس الصناعي أجدى للبشرية من ترسانات الأسلحة التي يتم تخزينها وتكديسها من أجل صناعة الموت في العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة