نساء تركيا يرفضن مقترح أردوغان بالعفو عن المتحرش والمغتصب
المقترح يتضمّن بنودا لتخفيف عقوبة السجن أو قضاء ما تبقى منها في المنزل لكل أنواع الجرائم، غير أنه استثنى المعتقلين بتهمة "الإرهاب".
أعربت العديد من المنصات والجمعيات التركية المدافعة عن حقوق المرأة، استنكارها لمقترح "العفو العام" الذي تدرس حكومة العدالة والتنمية تطبيقه؛ لتضمنه موادّ خاصة بتخفيف عقوبة السجن عن المتهمين في قضايا جنسية وعنف.
المقترح الذي تدرس الحكومة تطبيقه من خلال إجراء تعديلات في قانون العقوبات، يتضمن بنودا لتخفيف عقوبة السجن أو قضاء ما تبقى منها في المنزل لكل أنواع الجرائم، بمن فيهم المتهمون جنسيا وتجار المخدرات، غير أنه استثنى من ذلك المعتقلين بتهمة “الإرهاب”.
مادة فترة العقوبات يضع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا تعديلاته الأخيرة عليها بعدما تم التعجيل بمناقشتها بسبب المخاوف من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في السجون.
وبحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة "جمهورييت" المعارضة، الثلاثاء؛ فقد أصدرت العديد من المنصات النسائية، بيانا مشتركا، أكدت فيه رفضها لاتجاه المقترح لتخفيف العقوبة عن المتهمين في الجرائم الجنسية.
وأوضح البيان أن "خفض العقوبة عن مرتكبي الجرائم الجنسية، وفق المقترح الذي سربته الصحافة، سيشجع على ارتكاب المزيد من هذه الجرائم العنف بحق النساء؛ ما يؤدي إلى كثرة مرتكبي هذه النوعية من الجرائم".
وأشار إلى أن "هذه ليست تعديلات يقتضيها فيروس كورونا، بل الهدف منها إطلاق سراح فئة معينة من الناس دون أخرى، والإبقاء على عشرات الآلاف الآخرين داخل السجون".
وأضاف: "ومن ثم فإن هذه التعديلات لا تحمل أي أهداف لحماية الصحة العامة بسبب كورونا، فالهدف الرئيسي منها هو تقليل الأعداد داخل السجون، وهو الهدف الذي يسعى له النظام منذ فترة، وهذا أمر واضح للغاية".
وأردف قائلا: "وبالتالي فإن اتخاذ فيروس كورونا ذريعة ومبررا لإطلاق سراح مرتكبي جرائم العنف ضد النساء، والتحرش الجنسي والاغتصاب للأطفال، أمر يعني خروج هؤلاء المجرمين للمجتمع ثانية؛ ما يهدد حياة آلاف النساء والأطفال الذين سيدفعون ثمن توجهات النظام".
وطالب البيان الرأي العام التركي، والصحافة، ووسائل الإعلام المختلفة، بتسليط الضوء على هذه التعديلات للحيلولة دون تنفيذها.
ونصت التعديلات المذكورة على خفض شرط العفو المبكر على سجناء جرائم العنف الجنسي وتجارة المخدرات ليتم تفعيله على من قضوا 65% من عقوبتهم عوضا عن نسبة 75% التي يتم العمل بها حاليا.
وأرسل حزب العدالة والتنمية مسودة القانون إلى حزبي الشعب الجمهوري والخير المعارضين، حيث تم إدراج سجناء جرائم المخدرات والاستغلال الجنسي ضمن السجناء الذين تم تخفيف شروط العفو المبكر عنهم بعدما لم يتضمنهم المقترح الأول.
ولم يتضمن المقترح الحكومي حول تخفيف عقوبة السجن جرائم القتل العمد وقضايا “الإرهاب” التي تسرف حكومة حزب العدالة والتنمية في إلصاقها بالمعارضين، بمن فيهم المعتقلون السياسيون والمعتقلون حاليا بتهمة الانتماء إلى لجماعة رجل الدين "فتح الله غولن" والذين يعتبرون ضحايا اتهام الرئيس أردوغان لهم بتدبير مسرحية الانقلاب صيف عام 2016.
وفي حال إقرار التعديلات فإنه سيكون من الممكن إخلاء سبيل 100 ألف شخص من بينهم 60 ألف مُدان في جرائم المخدرات.
وقالت وسائل إعلام تركية إن التعديلات المقترحة ترفع حد عقوبة السجن في المنزل المطبقة على السجناء من النساء والأطفال وكبار السجن من 6 أشهر إلى عام للنساء والأطفال وكبار السن ممن أتموا 65 عاما، ومن عام إلى عامين لكبار السن ممن أتموا 70 عاما، ومن 3 سنوات إلى 4 لكبار السن ممن أتموا 75 عاما.
وستطبق عقوبة السجن في المنزل على السجناء الذين ستثبت التقارير الطبية أن الأوضاع في السجن تهدد حياتهم بسبب مرض عنيف أو إعاقة يعانون منها من بين السجناء الذين حكم عليهم بعقوبة السجن لمدة 5 سنوات أو أقل بعض الشيء أو السجناء الذين تحولت عقوبتهم إلى السجن أثناء قضائهم فترة عقوبة الغرامة المالية.
هذا وبالإمكان تطبيق عقوبة السجن في المنزل على النساء اللاتي وضعن حملهن حديثا وتلقين عقوبة بالسجن لمدة 3 سنوات أو أقل بعض الشيء.
وكان أوغور بويراز، المحامي التركي البارز، قد قال في فبراير/شباط الماضي إن حزمة العفو العام هذه، "ليس الهدف منها إنصاف المظلومين وإنما إنقاذ المتهمين المقربين من السلطة".
وأضاف المحامي، في تصريحات صحفية: "الأيام الأخيرة بتنا نسمع عن أحداث فساد قامت بها العديد من الهيئات والمؤسسات، كالهلال الأحمر، وهناك مقربون من أردوغان يعاقبون بتهم التهرب الضريبي؛ وسوف يستفيد كل هؤلاء ممن يحاكمون في هذه القضايا من تلك الحزمة عند صدور قانون العفو".
- "الزواج من المغتصب"..مشروع قانون لأردوغان
وليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها نظام أردوغان الجدل بسبب عدم منطقيته، فمن قبل تسربت أنباء عن اعتزام الحزب الحاكم مجددا تقديم مشروع قانون يسمى بـ"الزواج من المغتصب" للبرلمان بعد عدة سنوات من محاولة سابقة باءت بالفشل.
وذكرت العديد من وسائل الإعلام التركية، في يناير/كانون الثاني الماضي، أنه من المقرر أن يُطرح على البرلمان التركي مشروع القانون المذكور الذي يسمح للرجال المتهمين باغتصاب فتيات تحت سن 18 عاما بتجنب العقوبة إذا تزوجوا من ضحاياهم.
وأثار مشروع القانون كثيرا من الجدل والغضب في صفوف الجمعيات الحقوقية ومنظمات المرأة بعد أن قرر مشرعون تقديمه للبرلمان التركي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.
وتصر الحكومة على أن هذا القانون يهدف إلى معالجة ظاهرة زواج الأطفال التي تنتشر على نطاق واسع، ولكن المنتقدين يقولون إنه يشرع الاغتصاب.
ومن بين الجهات التي أعلنت رفضها آنذاك بشدة لهذا الطرح، اتحاد الأطباء الأتراك الذي قال في بيانه الذي أصدره نيابة عنه، ونيابة عن غرف الأطباء بجميع الولايات التركية، إن "هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق، فمشروع القانون يشرعن لزواج القاصرات، ويضفي حصانة لكل من يقترف هذا الجرم، ويشجع على ارتكاب مزيد من هذه الجرائم غير الأخلاقية".
وتابع البيان: "وتُعَد هذه المحاولة هي الثانية من نوعها التي يسعى النظام الحاكم إليها لتفعيل هذا القانون الذي يلقى رفضا مجتمعيا شديدا لما فيه من ظلم كبير للقاصرات اللاتي وقعن ضحية لهذه الجرائم غير الإنسانية".
وكان قد جرى إبطال مشروع قانون مماثل في تركيا عام 2016 بعد أن أثار الكثير من الاستهجان والغضب داخل وخارج تركيا.
وشدد البيان على أن "هذا المشروع طرح لا يمكن تمريره من حيث المسؤوليات الأخلاقية الواقعة على عاتق المجتمع تجاه الأطفال"، مضيفا: "فمثل هذه المبادرات ما هي إلا مساعٍ لإضفاء غطاء قانوني على مثل هذه الجرائم، وتعتبر جريمة تتنافى مع المعاهدات الدولية المعنية بحقوق الأطفال والنساء".
ولفت إلى أن "وظيفة الدولة الحيلولة دون ارتكاب الجرائم بحق القاصرات، وليس إجبارهن على الزواج في سن مبكرة، وترك مرتكبي هذه الجرائم دون عقاب".
ومطلع يناير/كانون الثاني الماضي، تداولت العديد من وسائل الإعلام التركية، أنباء عن استعدادات يجريها النظام الحاكم لعرض مشروع القانون المثير للجدل ثانية على البرلمان، الأمر الذي قوبل برفض شديد لا سيما من قبل المنصات والمنظمات الحقوقية المعنية بحقوق النساء والأطفال.
وبينما تبلغ سن الزواج القانونية 18 عاما في تركيا، فإن تقرير حكومي أوضح أن نحو نصف مليون فتاة قاصر قد جرى تزويجهن في العقد المنصرم.
- قتلى النساء بعهد أردوغان
وفي وقت سابق من مارس/آذار الجاري كشف تقرير للمعارضة التركية عن أن 15 ألفا و557 سيدة قتلت خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية التي امتدت لـ18 عاما من 2002 حتى عام 2020.
وفق ما ذكره الموقع الإخباري التركي "غزته دوفار" آنذاك، جاء ذلك بحسب تقرير أعده سزغين طانري قولو، النائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق 8 مارس كل عام.
وأوضح التقرير الذي حمل عنوان "انتهاكات حقوق المرأة بتركيا بين عامي 2002 و2020"، أن 474 سيدة قتلن في عام 2019، و27 في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، و22 في فبراير/شباط الماضي.
وبيّن التقرير أن 185 من السيدات اللاتي قتلن في 2019، تم التخلص منهن بالأسلحة النارية، و101 منهن بآلات حادة، و29 بالخنق، و6 بمواد كيميائية، و27 عن طريق ضرب أفضى للموت، و6 حرقا، و19 عن طريق الإلقاء من أماكن مرتفعة، و101 حالة لم تعرف طريقة قتلهن.
ولفت إلى أن 218 حالة من حالات القتل في 2019 لم تعرف دوافعها، و115 حالة تم الاشتباه بها، فيما قتلت 114 امرأة لطلبهن الطلاق، و27 أخريات قتلن لأسباب اقتصادية.
تجدر الإشارة إلى أنه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حذّر المجلس الأوروبي السلطات التركية من ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة، مطالبا باتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات الأكثر فاعلية، بهدف مكافحة الظاهرة.
وقال تقرير صادر عن المجلس آنذاك "نشعر بقلق بالغ حيال استمرار الآراء النمطية التقييدية داخل المجتمع التركي، لا سيما على المستوى السياسي الرفيع والشعبي، إذ تستهدف المرأة وتشجع على تعنيفها".
ولفت التقرير إلى "وجود قلق بالغ من عدم اتخاذ العقوبات اللازمة ضد أحداث العنف تجاه المرأة، وغياب بيانات أو أدلة على التحقيق بشكل فعال في وقائع العنف".
وذكر أن 25% من الإناث بتركيا يجبرن على الزواج في سن أقل من 18 عاما، مضيفا أن هذه النسبة تصل إلى 32% في القرى.
وكشف عن أن 27% من التركيات يتعرّضن للمراقبة والتتبع والتحرش الجنسي، مرة واحدة على الأقل طوال حياتهن.
وألقى مسؤولية تلك الجرائم "على المسؤولين الحكوميين الذين يقفون مكتوفي الأيدي دون فاعلية في حماية المرأة التي تتعرض للعنف، ويتسامحون في تلك الموضوعات".
يشار إلى أن مسألة حقوق الإنسان في تركيا تتدهور منذ محاولة الانقلاب الفاشل يوليو/تموز 2016 الماضي، الأمر الذي تسبب في اعتقال الآلاف والفصل التعسفي وفرض حالة الطوارئ وأعمال عنف من قبل النظام التركي، بحجة الموالاة للداعية فتح الله غولن.
ومن بين ضحايا النظام الطلاب والصحفيون وأساتذة الجامعات والسياسيون والحركات النسوية التي تنادي بحقوق المرأة وحمايتها من القمع.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjg2IA== جزيرة ام اند امز