تركيا في النيجر.. سد فراغ أم صراع نفوذ؟
مع تحول الطلاق الغربي مع بعض بلدان القارة السمراء إلى «بائن لا رجعة فيه»، سعى شركاء جدد إلى ملء ذلك الفراغ، في المنطقة التي تموج بالتغيرات العسكرية، غرب أفريقيا.
تركيا كانت من بين تلك البلدان التي سعت إلى سد الفراغ الغربي، فألقت بثقلها خلف النظام العسكري في النيجر، آملة أن تثمر جهودها، في إيجاد موطئ قدم لها، وأن تدفع بشركاتها في تلك البقعة الخصبة والمتخمة بالاستثمارات.
فماذا فعلت تركيا؟
قبل ساعات، زار وفد تركي رفيع المستوى، نيامي، مؤلف من وزراء الخارجية والدفاع والطاقة إضافة إلى رئيس الاستخبارات، ورئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التابعة للرئاسة، ومساعد وزير التجارة.
زيارة نوقش خلالها مسألة التعاون الاقتصادي، وتلقت فيها أنقرة وعود من النيجر بمنح مستثمريها «كل التسهيلات»، ليوقع البلدان على إعلان نوايا بشأن التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي، بما يفتح الباب أمام دعم وتشجيع الشركات التركية في تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في نيامي.
مجال الدفاع لم يكن بعيدًا عن أهداف الزيارة وخاصة وأن مسؤولين عسكريين تركيين كانا ضمن الوفود، وهو ما أشار إليه وزير خارجية أنقرة هاكان فيدان، قائلا، إنه جرى مناقشة ما يمكن فعله لتحسين صناعة الدفاع والاستخبارات في إطار مكافحة الإرهاب، الذي يعد المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في منطقة الساحل.
بدوره، رحب رئيس الوزراء النيجري علي الأمين زين بدينامية التعاون مع تركيا، ولا سيما في مجال الدفاع، وأفاد الأمين زين عبر التلفزيون الرسمي بأن «التحدي (الأمني) المفروض علينا يتطلب أن تكون لدينا كل الوسائل اللازمة لضمان دفاعنا، ونعلم أنكم قادرون على ضمان ذلك لنا».
لكن ما دلالات الزيارة؟
يقول الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين مدير جامعة الميغلي الأهلية الدولية بالنيجر، إن زيارة الوفد التركي لها دلالات، يمكن قراءتها من خلال أعضاء الوفد، فأنقرة تحاول أن ترسم خطا واضحًا في علاقتها بنيامي، وفقًا للتغيرات التي تشهدها الأخيرة، واستنادًا إلى العلاقات «الجيدة» التي تربط البلدين.
وبحسب الخبير النيجري، فإن نيامي تحاول أن تجد بديلا عن فرنسا وأمريكا، مشددا على أن تركيا مؤهلة، وتمتلك الكثير من المقومات التي تجعلها سندا أساسيا للبلد الأفريقي.
وأشار إلى أن النيجر «توجه درسا لفرنسا بأنها قادرة على جلب بدائل نافعة ومفيدة، وأن هذه البدائل تتعامل معنا بمبدأ المثل بالمثل، دون محاولة فرض أشياء».
وأوضح الأمين، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن هناك «أثرًا طيبًا في النيجر صنعه تركيا»، أبرز ملامحه: مطار النيجر، وأفضل فندق في نيامي، وأفضل مستشفى وغيرها من المشروعات التي كانت بأنامل أنقرة، اضافة إلى منح دراسية للكثير من الشباب النيجري في الجامعات التركية.
وحول توقيت الزيارة، قال إن قربها من الاحتفال بمرور عام على الانقلاب العسكري لها دلالات، بأن تركيا تريد أن تفعل علاقاتها مع المجلس العسكري الحاكم وتدعمه في توجهه.
ملف الدفاع؟
يقول الخبير النيجري، إن وجود وزير الدفاع ومدير الاستخبارات في الوفد التركي، يعكس أن الدولتين عازمتان على تطوير علاقتيهما الأمنية والعسكرية، مشيرا إلى شراء النيجر لطائرات مسيرة من تركيا، لمحاربة الحركات الإرهابية والهجرة غير الشرعية.
وتوقع تطور العلاقات الأمنية، لتشمل صفقات أسلحة وطيران، إضافة إلى مساعدة النيجر في الحصول على المعلومات الاستخباراتية وتطوير المهارات، وتزويدها بالمعدات التي تساعد في هذا المجال.
وأشار إلى أن النيجريين يعلقون الآمال على مساعدة تركيا لهم، بما لديها من خبرة وامكانات لوجستية في التعامل مع الإرهاب، في مواجهة تغلغل الحركات الإرهابية بالمنطقة، مقابل استفادة أنقرة بموارد نيامي.
ملفات أخرى
وأشار إلى أنه رغم أن نيامي تمتلك مخزونا كبيرا من اليورانيوم، إلا أنها تعاني من مشكلة الكهرباء، متوقعًا أن يكون مجال الطاقة أحد المجالات الواعدة في التعاون بين أنقرة ونيامي، في اطار تبادل المصالح.
بدوره، اعتبر الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي أن تلك الزيارة «ستفتح الباب أمام الشركات التركية التي تعمل في مجال الإنشاء والإعمار».
الأمر نفسه أشار إليه عمر الأنصاري عضو حزب التجديد الديمقراطي والجمهوري بالنيجر، قائلا إن الوفد التركي وقع عدة اتفاقيات مع «حكومة الأمر الواقع» حول تعدين النفط والغاز والصناعات الدفاعية، مشيرة إلى أن أنقرة لديها علاقات وطيدة مع حكوماتنا المنتخبة.
ورغم ذلك، إلا أنه أعرب «عن أسفه لزيارة وفد تركيا الرفيع بهذا الشكل، والذي لم يسبق له زيارة نيامي إلا في ظل حكومة الأمر الواقع المنبثقة عن انقلاب 26 يوليو/تموز من العام الماضي»، وخاصة وأن أنقرة سبق و«تجرعت مرارة أحداث 15 يوليو/تموز من عام 2016، لذلك كان من المستغرب لدينا دعمها لحكومات انقلابية».
صراع نفوذ؟
في السياق نفسه، قال عمر الأنصاري عضو حزب التجديد الديمقراطي والجمهوري بالنيجر إن الزيارة تأتي في ظل صراع النفوذ بين الشرق والغرب على منطقة الساحل بعد سيطرة الأنظمة العسكرية على الحكم.
وأوضح السياسي النيجري، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن النظام العسكري في النيجر توجه نحو روسيا، مما دفع أنقرة إلى منافسة النفوذ الروسي بالساحل كما نافسته بسوريا.
وأشار إلى أنه بعد سحب ترخيص التعدين من «أورانو الفرنسية»، بات هناك تنافس بين روسيا وإيران وتركيا على من سيكون له نصيب الأسد من التركة الفرنسية.
الأمر نفسه أشار إليه الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، قائلا إن زيارة الوفد التركي للنيجر جاءت بعد تقارير من بعض الدول التي بشكل مباشر «عن تورط شركة السادات الأمنية في تصدير عدد من المقاتلين السوريين والأتراك إلى نيامي، دعما لقرارات المجلس العسكري الحاكم بالنيجر».
وأوضح تورشين في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن دلالة هذه الزيارة تعني أن «النفوذ التركي تحول من مناطق القرن الأفريقي وشمال أفريقيا إلى منطقة الساحل الأفريقي، مما يشير إلى أن أنقرة ما زالت تعتمد بشكل مباشر في توجهاتها وسياستها الخارجية على الدول الأفريقية، وخصوصا النيجر، باعتبارها غنية بموارد الطاقة والذهب وغيرها، إضافة إلى اعتبارها أسواقا واعدة لكل السلع التي تنتجها وتصدرها».
ماذا بعد؟
وأعرب عن اعتقاده بأن هذه الزيارة ستدفع علاقات البلدين قدما، خاصة بعد تكوين «الكونفيدرالية» مع مالي وبوركينافاسو، مؤكدا أن البلدين ستستفيدان من هذا التطوير في العلاقة،
«ستكون العلاقات بين البلدين مميزة، وبشكل أوسع مع دول الساحل الأخرى التي شكلت كونفيدرالية مع النيجر»، يقول الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، مشيرًا إلى أن مالي وبوركينافاسو ستدخلان في علاقات مباشرة مع الجانب التركي.
وأشار إلى أن هنالك رغبة من بعض الدول على رأسها روسيا والصين من الاستفادة من المساحات والفراغات التي تركتها فرنسا وأمريكا بدول الساحل.
aXA6IDMuMjIuNDIuMTg5IA== جزيرة ام اند امز