عامان من التشديد النقدي بأمريكا.. ماذا يحدث في اجتماع الفيدرالي اليوم؟
تشهد الولايات المتحدة عامين من التشديد النقدي، الذي بدأ في مارس/آذار 2022، لمواجهة أزمة التضخم الأعنف في تاريخ البلاد.
في الثمانينيات، رفع مجلس الفيدرالي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة بتسارع غير مسبوق، للسيطرة على التضخم الذي تجاوز 10%، وهو رقم نادر الحدوث في أمريكا.
وفي 2022، شهدت الولايات المتحدة بوادر أزمتها السابقة، ليبدأ الفيدرالي رفع الفائدة، انطلاقًا من (صفر - 0.25%) في فبراير/شباط 2022، لتبلغ 5.25 و5.5%، وهي الأعلى منذ عام 2001.
جموح التضخم
بنهاية الربع الأول من 2021، شهدت الولايات المتحدة تسارعًا كبيرًا في معدلات التضخم، مع بدء عودة العالم للحياة الطبيعية عقب أزمة كوفيد-19، وعودة النشاط الاقتصادي والطلب الاستهلاكي.
وفي مارس/آذار 2021، بلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة 2.6%، ارتفاعًا من 1.4% فقط في يناير/كانون الثانى، واستمر في موجته الصعودية، ليتخطى 6.5% بنهاية ديسمبر/كانون الأول من نفس العام.
جاءت مستويات التضخم المرتفعة بسبب ظهور أزمة سلاسل الإمداد، في ظل الطلب العالمي المتسارع على السلع، ما دفع المصانع للعمل بطاقتها القصوى، وسط نقص العمالة، إلا أن الفيدرالي الأمريكي كان يؤكد في 2021 أن الأمر مؤقت، وسيعود التضخم إلى النسب الطبيعية قبل النصف الأول من 2022.
وفي فبراير/شباط 2022، تفاقمت أزمة التضخم لتطال معظم دول العالم، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الشحن والطاقة والغاز الطبيعي، ليسجل التضخم الأمريكي 6.2% في مارس/آذار 2022 مقارنةً مع 2.6% بنفس الشهر من العام السابق له، ما دفع الفيدرالي لسلوك مسار نقدي متشدد.
حينها قرع الفيدرالي جرس التشديد النقدي، وأعلن عن أول رفع في أسعار الفائدة منذ ديسمبر/كانون الأول 2018.
رحلة الفائدة الأمريكية
في 16 مارس/آذار 2022، أعلن الفيدرالي عن أول رفع للفائدة الأمريكية منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، بقيمة 25 نقطة أساس إلى 0.25 و0.50%، في محاولة للسيطرة على التضخم، وشدد سياسته النقدية بمقدار 50 نقطة في مايو/أيار 2022 إلى 0.75 و1.0%، ثم بقيمة 75 نقطة أساس في يونيو/حزيران إلى 1.5 و1.75%.
رغم ذلك، لم تُفلح السياسة النقدية المتشددة للفيدرالي في السيطرة على التضخم الأمريكي، الذي تجاوز 8.3% في مايو/أيار 2022، وواصل الصعود ليبلغ أعلى مستوى منذ الربع الأخير لعام 1981، في يونيو/حزيران عند 9.1%، ما دفع البنك لرفع الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس إلى 2.25 و2.5%.
وبداية من يوليو/تموز 2022، سلك التضخم الأمريكي منحنى هبوطياً، إلا أن الفيدرالي لم يتخلى عن تشديده النقدي لمحاربة التضخم، حيث رفع الفائدة ثلاث مرات أخرى في سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2022، لتستقر عند 4.25 و4.5%.
مواصلة التشديد النقدي
في أول اجتماعات 2023، تحديدًا في فبراير/شباط، رفع الفيدرالي الفائدة بقيمة 25 نقطة أساس إلى 4.5 و4.75%، كما نفذ 3 زيادات أخرى في مارس/آذار ومايو/أيار ويوليو/حزيران 2023، بمقدار 25 نقطة أساس في كل منها، لتستقر الفائدة عند 5.25 و5.5%، وهو أعلى مستوى منذ 2001.
بحلول يوليو/حزيران الماضي، سجل التضخم الأمريكي مستوى أقل من 3.8%، إلا أنه ما زال بعيدا عن مستهدف الفيدرالي البالغ 2%، لتستقر الفائدة عند مستويات مرتفعة 5.25 و5.5، مقارنةً بـ(صفر - 0.25%) قبل التشديد النقدي.
وبلغ التضخم في فبراير/شباط 3.2%، ارتفاعًا من 3.1% في الشهر السابق له، ما مثل صدمة للفيدرالي الذي كان يأمل بدء سياسة التيسير النقدي بخفض أسعار الفائدة اعتبارا من النصف الثاني لعام 2024.
وتجتمع لجنة السوق المفتوحة لدى الفيدرالي اليوم، في ظل توقعات محللي وول ستريت بتثبيت أسعار الفائدة دون تغيير، وكذلك في اجتماع 1 مايو/أيار، بينما تتجه التوقعات إلى احتمالية خفض الفائدة في اجتماع خلال يونيو/حزيران، حال استمرار انخفاض معدلات التضخم.
ومن المرجح، أن يشهد العام الجاري انخفاضين أو ثلاثة لمعدلات الفائدة، وأن يشهد العام المقبل 4 انخفاضات متتالية، بعدما كان آخر خفض لسعر الفائدة في الولايات المتحدة، في مارس/آذار 2020، عندما كان الاقتصاد على شفا التوقف الكامل، بسبب كوفيد-19، مما دفع الاحتياطي الفيدرالي لخفض تكاليف الاقتراض لدعم الاقتصاد آنذاك.