الإمارات والصين.. محطات تاريخية على طريق شراكة استراتيجية
محطات تاريخية مهمة مرت بها علاقات دولة الإمارات العربية المتحدة والصين على مدار نحو نصف قرن، وصولا لمرحلة الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
محطات يستذكرها أهل البلدين في المناسبات الوطنية التي تحل بهما، والتي تجسد أواصر العلاقات القوية التي تربط بينهما، والحرص المتواصل على تنميتها وتطويرها.
وتحتفل الصين، اليوم الأحد، بيومها الوطني الـ74، الذي يحل في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، ويوافق ذكرى تأسيسها في مثل هذا اليوم عام 1949.
ويحل الاحتفال في وقت تمضي فيها العلاقات الإماراتية الصينية إلى آفاق واعدة، ويتعاون البلدان لتحقيق الازدهار والرخاء لمواطنيهما، ومواجهة التحديات المشتركة التي تواجه البشرية، وعلى رأسها تغير المناخ.
وبتلك المناسبة ترصد "العين الإخبارية" أبرز المحطات التاريخية على طريق تطور العلاقات بين البلدين، وبعض الأرقام التي تجسد قوة العلاقات والحرص المتنامي على تطويرها:
تأسيس العلاقات
- ترتبط الإمارات والصين بعلاقات تاريخية ترتكز على أسس متينة من التعاون العميق المتبادل بين البلدين الصديقين والتي بدأت في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1971؛ أي بعد يوم واحد على قيام دولة الإمارات، حينما بعث المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان برقية إلى شو ان لاي، رئيس مجلس الدولة الصيني.
-تأسست العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والصين في نوفمبر/تشرين الثاني 1984، وافتتحت سفارة الصين في أبوظبي في أبريل/نيسان 1985، وتم إنشاء القنصلية العامة في دبي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1988.
-افتتحت سفارة الإمارات في بكين في 19 مارس/آذار 1987، وأنشأت 3 قنصليات عامة في كل من هونغ كونغ في أبريل/نيسان 2000، وفي شنغهاي في يوليو/تموز 2009، وفي قوانجو يونيو/حزيران 2016.
الزيارات المتبادلة
- شهدت العلاقات بين البلدين نقلة نوعية بعد زيارة الرئيس الصيني آنذاك "يانج شونج" إلى دولة الإمارات خلال شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1989، ثم الزيارة التاريخية للمؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للصين في 1990، وقد توجت تلك الزيارة بتوقيع العديد من الاتفاقيات.
- أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان 5 زيارات للصين، شكلت محطات تاريخية تم خلالها وضع أسس راسخة لعلاقات مستدامة بين البلدين، حيث زارها في أغسطس/آب 2009 ومارس/آذار 2012 ، وديسمبر/كانون الأول 2015، ويوليو/تموز 2019، وفبراير/شباط 2022.
- أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة إلى أبوظبي يوليو/تموز 2018، تعد أول زيارة رسمية لرئيس صيني إلى دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نحو 30 عاماً، أسست لمرحلة فارقة وجديدة من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وخلال تلك الزيارة، قلد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الرئيس الصيني شي جين بينغ وسام زايد من الطبقة الأولى "تقديرا وتثمينا لدوره وجهوده في دعم وتطوير علاقات الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين على مختلف الصعد".
شراكة استراتيجية شاملة
- وقّع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ورئيس مجلس الدولة الصيني، ون جياو باو، بدبي، في يناير/كانون الثاني 2012، على مذكرة بيان مشترك بين الإمارات وجمهورية الصين الشعبية حول إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
- في يوليو/تموز 2018، اتفقت دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، خلال زيارة الرئيس الصيني لأبوظبي على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات أعلى وتأسيس علاقات "شراكة استراتيجية شاملة"، تسهم في تعميق وتركيز التعاون في المجالات كافة وتعزيز التنمية والازدهار المشترك بما يتفق والمصلحة المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين.
نموذج يحتذى
وتعد الشراكة الإماراتية - الصينية نموذجاً ملهماً للشراكات بين الدول الصديقة، ليس لأنها تتسم بالشمول والتنوع ولا تقتصر على جانب بعينه، وتتضمن أبعاداً سياسية واقتصادية وثقافية وتعليمية وتكنولوجية فحسب، وإنما لأن هناك إرادة سياسية قوية ترسخ هذه الشراكة، وتعمل على تطويرها بشكل مستمر.
وتؤمن الصين بالدور البناء الذي تقوم به دولة الإمارات في تعزيز الأمن والسلم الدوليين ودعم الاستقرار والازدهار ونشر السلام والتسامح، وتقابله ثقة إماراتية بالدور الصيني الإيجابي في الشؤون العالمية.
وترتكز سياسة دولة الإمارات على مبادئ السلم والتسامح والانفتاح والحوار مع الثقافات الأخرى من خلال مد جسور التواصل والتعاون مع المجتمع الدولي لتعزيز الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة على مستوى العالم.
وتعد علاقات دولة الإمارات مع جمهورية الصين الشعبية نموذجاً متميزاً للعلاقات الثنائية الطيبة القائمة على الاحترام والثقة المتبادلين، والتي تنسجم مع هذه المبادئ، حيث تدعم الصين السياسات والإجراءات التي تتخذها دولة الإمارات من أجل احترام سيادتها وسلامة أراضيها، كما تدعم دولة الإمارات سياسة الصين الواحدة، ويؤكد كلا البلدين على مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحل القضايا بالطرق السلمية.
العلاقات الثقافية
-تعزيزا للعلاقات المتنامية بين البلدين، تم إطلاق برنامج "تدريس اللغة الصينية في 200 مدرسة إماراتية"، ويدرس حاليا 54 ألف طالب وطالبة اللغة الصينية في 158 مدرسة عامة بالإمارات ضمن البرنامج الذي يهدف إلى تغطية 200 مدرسة.
- يقدر عدد المواطنين الصينيين المقيمين في دولة الإمارات بنحو 400 ألف.
العلاقات الاقتصادية.. شراكات ومبادرات
تعد الإمارات أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما تعد الصين أكبر شريك تجاري للإمارات على مستوى العالم.
- شهدت العلاقات الثنائية بين الإمارات والصين نموا وتطورا كبيرا في السنوات القليلة الماضية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 99.2 مليار دولار.
- تبلغ عدد الشركات الصينية التي تعمل في الإمارات نحو 6 آلاف شركة صينية.
- يرتقب أن يتزايد التعاون الاقتصادي بين البلدين، مع انضمام دولة الإمارات رسميا إلى مجموعة "بريكس" في يناير/كانون الثاني القادم، بعد أن صادقت الدول الخمس اﻟﻤؤسسة، بما فيها الصين، على طلبها بالانضمام إلى المجموعة في أغسطس/آب الماضي.
وهنأت الصين دولة الإمارات على انضمامها إلى مجموعة "بريكس"، مؤكدة أن الإمارات تحظى بعلاقات شراكة واحترام مع مختلف دول العالم، وأن الصين حريصة على تعزيز علاقاتها مع الإمارات بما يساهم في تطور البلدين.
مبادرة الحزام والطريق
ترتبط دولة الإمارات بعلاقات اقتصادية وتجارية واسعة ومتعددة مع جمهورية الصين الشعبية التي تعد من أهم الشركاء الاستراتيجيين للإمارات على المستوى العالمي، وكذلك مع الدول التي ستكون مساهمة في الممرات التجارية لطريق الحرير التي ستربط الشرق بالغرب.
ومنذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013 تعد دولة الإمارات بإمكاناتها التنموية وموقعها الاستراتيجي ودورها الاقتصادي الريادي في المنطقة، مشاركاً فاعلاً في المبادرة التي تُعد فرصة مواتية لتطلعات الدولة التنموية والاستثمارية إقليمياً ودولياً، لا سيما وأن المبادرة تركز على دور الإمارات المحوري في التجارة الدولية وتتماشى مع توجهات مئوية الإمارات، وكذلك من خلال اتفاقيات الشراكة الاقتصادية التي انتهجتها قبل سنتين من الآن، ومع دخول 4 اتفاقيات دولية حيز النفاذ، جنبا إلى جنب مع دعم حركة إعادة التصدير التي تشكل ركنا أساسيا من تجارة الإمارات غير النفطية حيث تساهم بنسبة تقترب من 30% من تجارة الإمارات غير النفطية.
وشاركت الإمارات قبل أيام في أعمال الدورة الثامنة من قمة "مبادرة الحزام والطريق" التي عقدت في هونغ كونغ، بهدف تعزيز التعاون التجاري والاستثماري المشترك على مستوى القطاعين الحكومي والخاص، وبناء الشراكات التجارية والتنموية في قطاعات الاقتصاد الجديد والتكنولوجيا وريادة الأعمال.
وتمثل دول مبادرة "حزام واحد - طريق واحد" ، التي يبلغ عددها 65 دولة، نسبة 30% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وتشير التوقعات إلى أن هذه الدول ستمثل بحلول عام 2040 ما يقرب من ثلثي إجمالي الناتج المحلي العالمي مما يجعلها من أهم محركات النمو الاقتصادي المؤثرة ومعبراً لمرور حركة التجارة لمختلف دول العالم.
وقد ضخت دولة الإمارات 10 مليارات دولار في صندوق استثمار صيني- إماراتي مشترك لدعم مشاريع المبادرة في شرق أفريقيا، ووقعت 13 مذكرة تفاهم مع الصين عام 2018، للاستثمار في مجالات متعددة داخل الإمارات.
تغير المناخ
تتعاون الصين مع الإمارات في جهودها لمكافحة تغير المناخ، الذي يعد أبرز تهديد للبشرية في العصر الراهن.
وتستضيف الإمارات الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 في مدينة إكسبو دبي، خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري.
وقبل أيام، أجرى الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، الرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف COP28 زيارة للصين للمشاركة في الاجتماع الخامس للحوار رفيع المستوى لأصدقاء اتفاق باريس.
وأشاد الجابر بالدور الريادي للصين في الجهود العالمية الهادفة لتحقيق انتقال مسؤول ومنظم وعادل في قطاع الطاقة.
وجدد التأكيد على أن العالم بعيد عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتفاق باريس، وأن خطة عمل COP28 ستحرص على تحويل طموحات الاتفاق إلى نتائج عملية وملموسة، ولفت إلى أن الركيزة الأولى للخطة هي تسريع تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل في قطاع الطاقة، كما أشاد بالدور الريادي للصين في جهود تحقيق هذا الانتقال وأعرب عن ثقته بقدرة العالم على تحقيق التقدم المنشود في هذا المجال.
وأضاف: "استطاعت الصين زيادة قدرتها الإنتاجية من مصادر الطاقة المتجددة لتبلغ 1000 غيغاواط، وهي في طريقها لإنتاج 500 غيغاواط إضافية من طاقة الرياح والطاقة الشمسية خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهذا يتماشى بشكل كبير مع دعوة COP28 إلى زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة عالمياً ثلاث مرات بحلول عام 2030".
وسبق أن أكدت الصين دعمها استضافة دولة الإمارات الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 التي تهدف إلى توحيد الجهود العالمية للحد من تداعيات تغيير المناخ، مشددة على حرصها على العمل مع الإمارات لتعزيز الأمن والسلم في المنطقة والعالم.