الإمارات والهند.. زيارات ومباحثات على مسار شراكة استراتيجية
أهمية خاصة تحملها زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى الإمارات، ضمن مسار شراكة استراتيجية، لأكثر من سبب.
أول تلك الأسباب أن الزيارة التي بدأها اليوم السبت رئيس الوزراء الهندي، تعد الثانية له للإمارات في عهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي تولى مقاليد الرئاسة في 14 مايو/ أيار 2022.
والزيارتان من إجمالي 5 زيارات أجراها المسؤول الهندي للإمارات منذ توليه مهام منصبه عام 2014.
وقبيل زيارة اليوم، أجرى رئيس وزراء الهند 4 زيارات لدولة الإمارات في يونيو/ حزيران 2022، وأغسطس/آب 2019، وفبراير/ شباط 2018، وأغسطس/ آب 2015.
نقلة نوعية
المباحثات المرتقبة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ومودي خلال زيارة اليوم، ستكون الثانية خلال 6 شهور، بعد مباحثات هاتفية جرت بينهما في 3 فبراير/ شباط الماضي، ضمن سلسلة مباحثات عقدها الجانبان على مدار الفترة الماضية.
ويعكس ذلك النقلة النوعية التي تشهدها العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة.
ومنذ تولي مودي منصبه قبل 9 سنوات، أجرى 5 زيارات إلى دولة الإمارات من إجمالي 10 زيارات قام بها إلى المنطقة الخليجية، وهو ما يبرز الأهمية الاستراتيجية لدولة الإمارات بالنسبة للهند.
قمة العشرين
تحمل الزيارة أهمية خاصة، كونها تأتي في الوقت الذي تترأس فيه الهند الدورة الحالية لقمة مجموعة العشرين "G20" لعام 2023، وتشارك فيها الإمارات كدولة ضيف بدعوة من نيودلهي.
وتشارك وفود إماراتية على مدار العام الجاري في الاجتماعات الوزارية لمجموعة العشرين بالهند، وتم عقد أحدث تلك الاجتماعات قبل يومين، لمجموعة أعمال التعليم بمجموعة العشرين، وشارك فيها الدكتور أحمد بن عبد الله حميد بالهول الفلاسي وزير التربية والتعليم الإماراتي.
وتأتي تلك المشاركة بعد نحو أسبوعين من مشاركة عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد، رئيس مجلس الإمارات للسياحة، في اجتماع وزراء السياحة لقمة مجموعة العشرين لعام 2023، الذي عقد في ولاية غوا الهندية، بحضور أكثر من 20 من صناع القرار في المجال السياحي العالمي.
كما شاركت مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة الإماراتية، مع وزراء الزراعة في مجموعة العشرين في حيدر آباد بالهند على مدى يومي 16 و17 يونيو / حزيران الماضي، لمناقشة سبل تطوير النظم الغذائية والزراعية الشاملة في المستقبل.
وأعلن اجتماع المجموعة بيانا مشتركا لوزراء الزراعة في مجموعة العشرين لعام 2023، وهو وثيقة تؤكد التزام جميع أعضاء المجموعة بضمان الأمن الغذائي والتغذية للجميع.
وتعد تلك الاجتماعات فرصة لدولة الإمارات لإبراز رؤاها وسياساتها تجاه مختلف القضايا، وتعزيز التعاون مع دول مجموعة العشرين بشكل عام، والهند بشكل خاص.
وعقد وزراء الإمارات المشاركين في تلك الاجتماعات مباحثات مع نظرائهم في الهند لتعزيز التعاون على أكثر من صعيد.
شراكة شاملة
الزيارة تحمل أهمية خاصة كونها تأتي بعد أكثر من عام على دخول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات والهند حيز التنفيذ في الأول من مايو / أيار 2022، والتي تم توقيعها خلال قمة عقدت عبر الاتصال المرئي في 18 فبراير/ شباط من العام نفسه، شارك فيها رئيس دولة الإمارات ورئيس وزراء الهند.
وفي 14 يونيو/حزيران الماضي، تم عقد أعمال الاجتماع الأول للجنة المشتركة لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات وجمهورية الهند.
وأكد الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية وبيوش جويال، وزير التجارة والصناعة وشؤون المستهلك والأغذية والتوزيع العام والمنسوجات بجمهورية الهند، خلال مؤتمر صحفي مشترك في نيودلهي، نجاح أعمال الاجتماع، وكشفا أنهما اتفقا على رفع حجم التجارة الثنائية غير النفطية بين البلدين إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030.
وتهدف اللجنة المشتركة إلى تقييم تأثير الاتفاقية، وتبادل البيانات والخبرات، ومراجعة القضايا التنفيذية، وتنقيح الرسوم الجمركية والحصص، والتوصية بإجراء أي تعديلات لازمة، والعمل على تخطي أي تحديات، والتواصل حول ملاحظات القطاع الخاص من الجانبين.
وأجرى الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، زيارات عديدة للهند، منذ توقيع الاتفاقية، عقد خلالها مباحثات مع مسؤولين في الهند، لتعزيز التعاون بين البلدين في إطار الاتفاقية.
أيضا أجرى عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد الإماراتي زيارات عدة لنيودلهي، أحدثها في مايو/ أيار الماضي، التقى خلالها عدداً من الوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين وممثلي القطاع الخاص في جمهورية الهند، وفي مقدمتهم بيوش غويال، وزير التجارة والصناعة وشؤون المستهلك والأغذية والتوزيع العام والمنسوجات، وشري جي كيشان ريدي، وزير السياحة والثقافة، وذلك لبحث أطر تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك.
وأكد ابن طوق أن العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والهند أصبحت نموذجاً استثنائياً للتعاون الثنائي والشراكة المثمرة الهادفة إلى تعزيز التنمية المستدامة، والرخاء الاقتصادي، والازدهار المتواصل لشعبي البلدين، بدعم ورعاية من قيادتيهما.
علاقات دبلوماسية متنامية
كذلك تحمل الزيارة أهمية خاصة، كونها تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين نموا بوتيرة متسارعة، توج قبل شهر بافتتاح قنصلية جديدة للإمارات في حيدر آباد.
وتعد القنصلية الثالثة لدولة الإمارات في جمهورية الهند بعد قنصليّتي مومباي وكيرلا، في إطار تعزيز العلاقات المتنامية بين البلدين.
وتأتي الزيارة بعد أسابيع من لقاء جمع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي بالدكتور سوبرامنيام جاي شانكار وزير الشؤون الخارجية في الهند مطلع يونيو/ حزيران الماضي، يعد السابع الذي يجمع الوزيرين خلال عام، الأمر الذي يعكس حرص رأسي الدبلوماسية في البلدين على التواصل الدائم والتباحث المستمر لتعزز التعاون وتنسيق المواقف تجاه مختلف القضايا.
والتقى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان مع وزير الشؤون الخارجية في الهند، على هامش اجتماع "أصدقاء بريكس" في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا مطلع يونيو/ حزيران الماضي.
وتم خلال اللقاء بحث العلاقات الاستراتيجية والتعاون المشترك والشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات وجمهورية الهند الصديقة، ومخرجاتها بعد مرور نحو عام على إطلاقها ، ودورها المهم في تحقيق الازدهار الاقتصادي المستدام للبلدين.
وسبق أن أجرى الوزيران مباحثات بأبوظبي في ديسمبر/ كانون أول 2022، ونيودلهي في 22 نوفمبر/ تشرين ثاني من العام نفسه، ونيويورك 0ي 20 سبتمبر/ أيلول 2022، وبأبوظبي في الأول والثاني من سبتمبر/ أيلول 2022، وبجزيرة بالي بإندونيسيا في 7 يوليو/ تموز 2022.
وتم خلال مباحثات سبتمبر/ أيلول في أبوظبي عقد أعمال الدورة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وعقد أعمال الدورة الـ "14" من اللجنة المشتركة بين البلدين.
وعقب الاجتماع، شهد وزيرا خارجية البلدين التوقيع على عدة مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بين البلدين في عدة مجالات.
كما استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، خلال تلك الزيارة سوبرامنيام جاي شانكار، الذي سلمه رسالة خطية من ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند تتعلق بتعزيز العلاقات الاستراتيجية الشاملة بين البلدين وإمكانيات تنميتها وتطويرها لما يخدم مصالحهما المشتركة.
أيضا، التقى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، مودي في نيودلهي مطلع مارس/ آذار الماضي، وذلك على هامش مشاركته في اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين.
وأكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، خلال اللقاء، على متانة وقوة العلاقات التاريخية بين دولة الإمارات وجهورية الهند وقيادتهما، مشيرا إلى أن البلدين الصديقين شريكان من أجل البناء والتنمية وقد أثمرت شراكتهما الاستراتيجية الشاملة العديد من الإنجازات التنموية الداعمة لرؤيتهما لتحقيق الازدهار الاقتصادي المستدام.
كذلك أسفر اللقاء الذي جمع الوزيرين بنيويورك في سبتمبر/ أيلول 2022، إلى جانب كاثرين كولونا وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية بفرنسا، عن التوصل لمبادرة مهمة تم الإعلان عنها في فبراير/ شباط الماضي.
وأعلنت دولة الإمارات وفرنسا والهند تأسيس مبادرة تعاون ثلاثي بينها ووضع خريطة طريق لبدء تنفيذها.
وأكدت الدول الثلاث في بيان مشترك عقب اتصال هاتفي ثلاثي جمع الوزراء الثلاثة أن المبادرة الثلاثية ستكون بمثابة منتدى لتعزيز ورسم وتنفيذ مشاريع التعاون في مجالات عدة منها الطاقة والتغير المناخي.
كما ستكون هذه المبادرة بمثابة منصّة لتوسيع التعاون بين الوكالات الإنمائية من البلدان الثلاثة في مجال المشاريع المستدامة بالإضافة إلى تنظيم مجموعة من الفعاليات الثلاثية المشتركة في إطار رئاسة الهند لمجموعة العشرين G20، واستضافة دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف COP28 نهاية العام الجاري.
علاقات تاريخية
تربط الإمارات والهند علاقات تاريخية راسخة بدأت مع تأسيس الدولة عام 1971، فيما تم تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بافتتاح سفارة الإمارات في دلهي عام 1972، أعقبها افتتاح سفارة الهند في أبوظبي عام 1973.
وزادت قوة العلاقات منذ الزيارة التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى الهند عام 1975.
وأجرى رئيس الهند الأسبق فخر الدين علي أحمد عام 1976 زيارة رسمية هي الأولى لرئيس هندي للإمارات، أعقبها زيارة لرئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي عام 1981.
لتتوالى بعدها زيارات متبادلة ساهمت في تعزيز أواصر التعاون، وهو ما تم تتويجه من خلال التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للهند في يناير/كانون الثاني 2017، ثم إطلاق الرؤية الإماراتية - الهندية المشتركة وتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في فبراير/شباط 2022.
ودخلت العلاقات التاريخية بين البلدين حقبة جديدة بدخول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة حيز التنفيذ في الأول من مايو/ أيار 2022، حتى أضحت حاليا -بدعم قيادتي البلدين- نموذجا يحتذى في العلاقات بين الدول.
aXA6IDE4LjExOS4xMjIuNjkg جزيرة ام اند امز