الإمارات وروسيا.. نقلة نوعية في العلاقات تعززها قمم وزيارات واتفاقيات
نقلة نوعية تشهدها العلاقات الإماراتية الروسية، تعززها القمم المتتالية والزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين.
ضمن أحدث تلك الزيارات، وصل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، مساء الأحد، إلى موسكو في زيارة رسمية إلى روسيا الاتحادية.
وعقب وصوله، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، في مقر إقامته في نوفو أوغاريفو بالعاصمة موسكو الأحد.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اللقاء أن العلاقات بين روسيا ودولة الإمارات، تعكس مستوى الشراكة الاستراتيجية، وجميع الاتفاقيات بين البلدين قيد التنفيذ.
وشكر الرئيس الروسي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، على جهود الوساطة الإنسانية التي بذلتها أبوظبي في أوكرانيا، قائلًا: "أود أن أشكركم على مشاركتكم في حل القضايا الإنسانية، بما فيها تلك المتعلقة بتبادل الأسرى.. وأقصد أيضاً التبادل الأخير"، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.
تأتي زيارة رئيس دولة الإمارات بعد 3 أيام من وساطة إماراتية ناجحة لتبادل الأسرى بين كييف وموسكو، هي التاسعة خلال العام الجاري.
وبموجب تلك الوساطة تم إنجاز عملية تبادل أسرى حرب جديدة شملت 190 أسيراً مناصفة بين الجانبين، ليصل العدد الإجمالي للأسرى الذين تمّ تبادلهم بين البلدين في 9 وساطات خلال العام الجاري إلى 2184، وهو رقم كبير يجسد إنجازا دبلوماسيا وإنسانيا غير مسبوق في أزمة تشهد تصعيدا متواصلا بين طرفيها.
وأشار الرئيس الروسي خلال اللقاء إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا ودولة الإمارات تضاعف ثلاث مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، مؤكدا أن العلاقات بين البلدين ترقى لمستوى الشراكة الاستراتيجية، بحسب موقع روسيا اليوم.
ويشارك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، خلال الزيارة في أعمال القمة الــ16 لقادة دول مجموعة "بريكس" التي تستضيفها مدينة قازان الروسية خلال الفترة من 22 إلى 24 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وتعد تلك المشاركة هي الأولى لدولة الإمارات في القمة بصفتها عضواً في مجموعة "بريكس" التي انضمت لها مطلع العام الجاري.
تعزيز الشراكة
تأتي تلك الزيارة بعد أقل من عام من زيارة الرئيس الروسي لدولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول الماضي، استبقها رئيس دولة الإمارات بزيارتين لروسيا يونيو/حزيران 2023، وأكتوبر/تشرين الأول 2022.
4 قمم إماراتية روسية خلال 4 زيارات متبادلة لقادة البلدين على مدار عامين، تخللهما زيارات ومباحثات ولقاءات بين مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين، لتعزيز علاقة الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين.
وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، قد وقعا إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا مطلع يونيو/حزيران 2018.
وينص الإعلان على إنشاء شراكة استراتيجية للعلاقات القائمة بين دولة الإمارات وروسيا، تشمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية إضافة إلى المجالات الإنسانية، والعلمية، والتكنولوجية، والسياحية.
ويعزز الإعلان الحوار والمشاورات حول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية الرئيسية ذات الاهتمام السياسي المتبادل.
ويترجم توقيع الإعلان حرص دولة الإمارات وروسيا على رفع مستوى العلاقات متعددة الجوانب بين البلدين إلى مستويات الشراكة الاستراتيجية في كل من المجالات ذات الاهتمام المشترك.
ومنذ إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، يتصدر تعزيز تلك الشراكة أجندة قادة البلدين في قممهم المتتالية.
وتأتي القمم المتتالية بين قيادتي البلدين في سياق الحرص المشترك على التنسيق والتشاور المستمر بينهما بما يعزز الشراكة الاستراتيجية بينهما، والارتقاء بهذه العلاقات في المجالات كافة.
ويرتقب أن تسهم الزيارة والمباحثات التي تتخلها في دفع تلك الشراكة إلى آفاق أرحب، في إطار حرص قيادتي البلدين على تطويرها ودفعها إلى الأمام بما يعود بالنفع على الشعبين الصديقين.
زيارات متبادلة
تخلل قمم القادة -أيضا- زيارات متبادلة لوفود ومسؤولين رفيعي المستوى من البلدين على مدار الفترة الماضية، لتعزيز التعاون بينهم في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والإنسانية، وغيرها.
وتأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا، بعد أيام من زيارة ألكسندر كورينكوف، وزير الطوارئ والدفاع المدني وإدارة الكوارث في روسيا، قادته إلى دولة الإمارات في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
والتقى الوزير الروسي خلال الزيارة الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في أبوظبي، لبحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، وسبل تعزيز التعاون في مجالات العمل الشرطي والأمني.
ووقع الجانبان مذكرة تفاهم بين وزارة الداخلية، ووزارة الدفاع المدني والطوارئ وإزالة عواقب الكوارث الطبيعية في روسيا الاتحادية، والتي تهدف إلى توسيع آفاق التعاون في مجالات الدفاع المدني والوقاية والحماية المدنية.
تأتي الزيارة -كذلك- بعد أيام من اختتام هيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة برفقة وفد من مختلف الجهات المحلية من القطاعين الحكومي والخاص جولة ترويجية في أبرز المدن الروسية بما في ذلك موسكو وسانت بطرسبرغ بهدف تعزيز مكانة الشارقة كوجهة رئيسية للسياح الروس من خلال تسليط الضوء على المعالم الثقافية والتاريخية والطبيعية الغنية التي تتمتع بها الإمارة.
وخلال منتصف الشهر الجاري، شاركت هيئة المناطق الحرة في عجمان في المنتدى الدولي الثاني للمناطق الاقتصادية الخاصة الذي عُقد في مدينة دوبنا بروسيا، بمشاركة مسؤولين وممثلين من مختلف الدول بحثوا سبل التعاون الدولي واستشراف مستقبل المناطق الاقتصادية الخاصة.
وضمن فعاليات المنتدى، وقع إسماعيل النقي مدير عام هيئة المناطق الحرة في عجمان، مذكرة تفاهم مع جمعية التجمعات التكنولوجية والمنتزهات التكنولوجية والمناطق الاقتصادية الخاصة في روسيا.
وتهدف المذكرة إلى تبادل الخبرات في مجال إدارة المناطق الاقتصادية الحرة، وجذب الاستثمارات، وتطوير البنية التحتية للمناطق الاقتصادية، وتبادل الآراء والحلول التكنولوجية في مجال الصناعة والنقل والسياحة والتكنولوجيا وحماية البيئة.
على صعيد التعاون البرلماني، بحثت مريم ماجد بن ثنية النائب الثاني لرئيس المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، مع قسطنطين كوساتشوف نائب رئيس مجلس الاتحاد للجمعية الفيدرالية لروسيا الاتحادية، 20 سبتمبر/أيلول الماضي سبل تعزيز علاقات التعاون بين المجلسين والبلدين الصديقين، والتأكيد على أهمية تعزيز التواصل والتعاون البرلماني بين الجانبين حيال مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك في المحافل البرلمانية.
جاء ذلك خلال مشاركتها في منتدى النساء الأورو-آسيوي الذي عقد في سانت بطرسبرغ بجمهورية روسيا.
وفي 9 من الشهر نفسه، وقعت أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية مذكرة تفاهم مع الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة خارجية روسيا، بشأن تعزيز التدريب الدبلوماسي بين الطرفين، في مقر الأكاديمية الدبلوماسية بموسكو.
جاء توقيع تلك المذكرة، بعد نحو شهر من توقيع جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، اتفاقية تعاون مع الجامعة الوطنية للبحوث والمدرسة العليا للاقتصاد في روسيا 4 أغسطس/آب الماضي.
تأتي هذه الخطوة في إطار سعي جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، الدائم لتحقيق رؤيتها المستقبلية في توسيع قاعدة شركائها الأكاديميين على مستوى العالم، وتبادل الخبرات والتجارب العلمية مع نظيراتها من مؤسسات التعليم العالي العريقة.
وأطلقت مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم يوليو/ تموز الماضي «قاموس علم النفس الإماراتي الروسي»، الأول من نوعه محليا وعربيا وعالميا، تنفيذا لبنود الشراكة الاستراتيجية الدولية بين المؤسسة وجامعة أورال الفيدرالية - روسيا في إطار التعاون بين الجانبين الذي يشمل البحث والتطوير في مجال علم النفس والطب النفسي ويأتي استجابة لإشباع الحاجات المعرفية، وتحقيق الأهداف المنشودة لدى المتعلمين باللغتين العربية والروسية معا.
علاقات تاريخية
قمم وزيارات واتفاقيات تجسد العلاقات استراتيجية المتنامية بين البلدين في مختلف المجالات التي تستند على إرث تاريخي مشترك.
وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا (الاتحاد السوفياتي آنذاك) ودولة الإمارات عقب إعلان قيام دولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 1971.
وفي يناير/كانون الثاني 1972، زار وفد من الاتحاد السوفياتي، دولة الإمارات، حيث تم الاتفاق خلال الزيارة على إنشاء بعثات دبلوماسية للدولتين على مستوى السفراء.
لكن لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقيات حتى نوفمبر/تشرين الثاني 1985، عندما أعلنت موسكو وأبوظبي إقامة علاقات ثنائية على مستوى السفارتين، وتم افتتاح البعثة الدبلوماسية للاتحاد السوفياتي في مارس/آذار 1986.
وبعد عام، وتحديدا في أبريل/نيسان 1987، تم افتتاح سفارة دولة الإمارات في موسكو، فيما تم افتتاح القنصلية العامة للاتحاد الروسي في دبي عام 2002.
وشهد مسار العلاقات بين البلدين نقلة نوعية مع إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في يونيو/حزيران 2018.
وتطورت أوجه التعاون الإماراتي الروسي في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك في ظل رعاية واهتمام من قيادتهما.
وتحافظ دولة الإمارات وروسيا تقليدياً على حوار سياسي مستقر وموثوق، تدعمه مجالات تعاون متعددة الأوجه على أعلى المستويات.
وتتبنى الدولتان مواقف متقاربة بشأن مجموعة واسعة من القضايا على جدول الأعمال الدولي والإقليمي.
ويرتقب أن تسهم زيارة رئيس دولة الإمارات إلى روسيا في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وفتح آفاق أرحب لتطورها في المستقبل في مختلف المجالات، في ظل ما شهدته من تطور كبير خلال السنوات الأخيرة.