لقد انتهجت دولة الإمارات خلال العقد الماضي مسارات سياسية واقتصادية وأمنية مستدامة، لم تغيرها مخاطر التحديات العالمية والإقليمية.
بل أكدت الأزمات بمختلف أنواعها نجاح النموذج الإماراتي، المبني على التضامن والتعاون مع كافة الأطراف الدولية، ما يجعله يمتلك مقاربات فريدة، تسهم عبر بوابة التنمية الاقتصادية في خفض التصعيد وتصفير المشكلات.
أدركت الإمارات مبكراً أن منطقة الشرق الأوسط محاطة بظروف صعبة، وأن استمرار عجلة التنمية والتطوير سيؤثر إيجاباً على المحيط الإقليمي وسيخفف من المخاطر، وقد تحقق ذلك بوجود دول عربية محورية تملك رؤى اقتصادية طموحة، ما غير مفاتيح التعامل بين الدول الفاعلة في المنطقة وخارجها، ولم تعد الحروب والأزمات تعرقل مشاريع التنمية، كما تتمنى القوى التي تريد إبقاء المنطقة في وضعية الفوضى.
ولنأخذ حرب غزة التي اندلعت منذ شهور قليلة كمثال قائم ومستمر، فالأزمة لم تعطل مسارات التطور والتقدم والتأثير الدولي، ونجد النموذج الإماراتي يضرب أروع الأمثال في تفعيل قوته الناعمة، من استضافة استثنائية لمؤتمر المناخ بمخرجاته التاريخيّة، إلى إطلاق مشاريع اقتصادية وفضائية وعلميّة جديدة، في نفس الوقت الذي سخرت فيه الإمارات أدواتها السياسية والدبلوماسية والإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني، ما أسهم في الخروج بقرارات أممية بشأن توسيع المساعدات الإنسانية، واستطاعت التأثير على الدول الغربية والاتحاد الأوروبي بضرورة وجود حل شمولي للأزمة، يصل بالإسرائيليين والفلسطينيين إلى حل الدولتين، فأنصاف الحلول لن تكون مجدية.
المقاربة الإماراتية برؤيتها وواقعيتها تستطيع طرح مقاربات غير مسبوقة، لحل الأزمات الإقليمية العالقة في ليبيا والسودان واليمن وسوريا، بوصفة مميزة تتمثل في بناء الجسور عبر الشراكات الاقتصادية، في مقاربة مميزة تضع الخلافات في زاوية محددة وتقرب المسافات، وقد أصفها كذلك "بالخط الأحمر الإماراتي" الذي يمضي قدماً في مشوار التنمية والتقدم والتفوق، دون تعطيله أو عرقلته أو إبطائه، مهما كانت التحديات الراهنة أو المفاجآت المستقبلية، فدولة الإمارات تضع المستقبل أمامها، وتترك الإرث المليء بالمسائل المزمنة خلفها.
وعند النظر إلى التصعيد في البحر الأحمر على خلفية الهجمات الحوثية، ظهرت معالم أزمة أمنية إقليمية، فالحوثي الإرهابي يدعي كما جرت العادة نصرة الفلسطينيين، والجديد هو الحشد العسكري الغربي بقيادة الولايات المتحدة في مياه البحر الأحمر، بهدف معلن هو ردع الحوثيين الذين لم تتوقف هجماتهم، ما يضع مواقف الدول الغربية في ملف اليمن، وحرصها على أمن وسلاسة تدفق التجارة العالمية، بما فيها تجارتها محل تساؤل؟ إن كانت سياسة التساهل مع إيران وأدواتها أدت إلى الفوضى العالمية، وإن كانت الضربات التأديبية ضد الحوثيين تهدف لحفظ ماء الوجه وتأكيد المصداقية.
ومن الصعب على القوى الغربية إنهاء التهديدات على البحر الأحمر دون إعادة النظر في جذور الأزمة، المتمثلة في الوقف العاجل لإطلاق النار في غزة، وتحريك تباينات مستدامة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عبر حل الدولتين، وهي معضلة فحكومة نتنياهو ترفض تماماً وجود دولة فلسطينية، وبهذه الطريقة إما سيجبر الغرب على قبول التهديدات الإيرانية والتعايش مع استمرارية وجودها، وإما القضاء على المخاطر بالقوة العسكرية، وفي الحالتين تشتعل المنطقة وتكون النتائج غامضة.
قدمت دبلوماسية الإمارات دوراً مؤثراً لخفض التصعيد في المنطقة، عبر مقاربات شاملة تخدم المستقبل القريب والبعيد، فهي تؤمن أن الحلول الظرفية مؤقتة، بينما النظرة الاستشرافية هي الضامن لإيقاف الصراعات.
ولهذا الواقعية مطلوبة، وواشنطن والغرب قادران على إنهاء الحرب في غزة، وبلورة مسار واقعي ينتهي بحل الدولتين، والضغط على سياسة الاحتواء الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، والتي استغلت حالة الانقسام بين الأطراف الفلسطينية، بل غذت كل طرف على حساب الطرف الآخر، والمجتمع الدولي يشهد هذه الأيام تبدلا لبعض المواقف الغربية في نفس الاتجاه، إلا أن قياس المواقف الحقيقية مرتبط بالنتائج السريعة، التي إن تحققت سيكون الغرب قد حافظ على تاريخه وتأثيره العالمي، وإن فشلت ستكون المليشيات التابعة لإيران والتنظيمات الإرهابية هي المستفيد الأكبر من الفوضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة