لا تنقطع الهجمات الإعلامية على دولة الإمارات في مكان ما حتى تتبلور هجمة أكثر قوة في مكان آخر، خاصة من اللجان الإلكترونية للإخوان الذين يستغلون حالة "التخبط" العامة في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال الحديث عن تقرير أعدته قناة "بي بي سي" البريطانية.
وعلى الرغم من غرابة توقيت التقرير في خضم التأزم السياسي الذي نعيشه مع الحرب على غزة، فإن المسار المتوالي لبعض الحيثيات بين حقيقة المعلومات الواردة على ألسنة المتحدثين.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي هاجمت فيها "بي بي سي" دولة الإمارات، ولكن ولأن التقرير الحالي ادعى بالانتباه والرد، فإن ما ورد من خلال استضافة شخصيات لا نعرف توجهها الحقيقي يوحي بأن القناة تحولت فعلياً لأداة لتلميع الجماعات المتطرفة، خاصة أن الدلائل المأخوذة من نماذج اغتيال شخصيات سياسية ودينية هي في واقع الحال جرت في خضم حرب طاحنة وفلتان أمني وتوترات قبلية ومناطقية.
ومن المعلوم أن المجتمع اليمني معظم أفراده يمتلكون أسلحة، وبالتالي من البديهي حصول اغتيالات انتقامية هنا وهناك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى حاولت مليشيات الحوثي دعم مجموعات داخل الجنوب اليمني بهدف إحداث بلبلة داخلية، وهو ما حصل فعلاً عندما سيطرت بعض الجماعات المتطرفة على مناطق واسعة هناك، وذلك ضمن تخادم متبادل بين "الحوثي" وجماعة "الإخوان المسلمين"، وهو أمر تنبهت له القيادة السياسية في الجنوب ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، والتي عملت على تمكين سيطرتها بمساعدة ودعم إماراتي.
وعلى أساس ذلك لا يمكن الاتكاء على الأمثلة في تقرير "البي بي سي"، لأنها أولاً صادرة عن شخصيات خسرت الأرضية السياسية، وثانياً لحقدها على دولة الإمارات وإنجازاتها وجهودها التي لا تنكر في مكافحة الإرهاب طوال الفترة الماضية؛ التي، وبالمناسبة، لم تدخر جهداً في تقديم الدعم المادي والخدماتي لأبناء الجنوب اليمني ضمن الأطر المحددة من قبل الحكومة اليمنية.
إضافة إلى ذلك ثمة نقطة بينت ضعف التقرير عندما تم الاعتماد على شهادات مزيفة مثل شهادة "هدى الصراري" التي ادعت مقتل ابنها على يد مجموعة "سبير"، وبالرجوع إلى منشوراتها على موقع "إكس" (تويتر سابقاً) تبين أن ابنها، وبشهادتها، توفي خلال اشتباكات في مديرية "الشيخ عثمان".
وإذا أردنا التوسع أكثر في الحديث عن مصادر التقرير فيبدو أن "البي بي سي" تعتمد على مصادر إخوانية خاصة من لندن، ممولة من قبل بعض الدول لتشويه صورة الإمارات، لا سيما أن القناة تواجه اتهامات داخل بريطانيا بأنها أصبحت أداة بيد اليسار الراديكالي، الذي يملك خطاً تحريرياً يتماهى كلياً مع مظلوميات الإسلام السياسي، خصوصاً بما يتعلق بالرؤية السياسية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تغيب مثلاً الانتقادات عن المجموعات الموالية لإيران أو الممارسات الإرهابية للإخوان في الدول العربية، هذا ناهيك عن اصطياد قناة "البي بي سي" لأي تقرير وهمي لتوظيفه في إنتاج صورة مسيئة لدولة الإمارات، وذلك بعد الإنجازات الأمنية في محاربة قوى التطرف وإنهاء أحلام تيار الإخوان.
يمكن القول إن تقرير "البي بي سي" احتفى بشكل مبالغ بالإخوان وكأنهم قادة التنوير في المنطقة، دون النظر إلى سياقات جهودهم السياسية التي تحاول التأثير على أمن الدول العربية، وطبعاً هذا ليس مستغرباً على قناة "البي بي سي" بحكم أن لندن تعتبر مقراً تاريخياً لفلول الإخوان، خصوصاً بعد التضييق عليهم في تركيا وانعدام الخيارات أمامهم سوى الاحتماء بإطلاق الشائعات من قنواتهم الجديدة.
أخيراً؛ إن دولة الإمارات عملت كل ما تستطيع من أجل تمكين الوضع الأمني في الجنوب اليمني، هذا فضلاً عن تحركاتها في سبيل حماية الملاحة الدولية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وبدلاً من مهاجمة الدور الإماراتي كان أدعى لو سلطت "البي بي سي" جهودها للحديث عن انتهاكات "الحوثي"، سواء في المدن اليمنية أو في مهاجمة التجارة الدولية، هذا من جانب، ومن جانب آخر ثمة تساؤل يبرز بعدما شاهدنا التقرير عن مصلحة "الصحافة الصفراء" في هدم النموذج المشرق الوحيد باليمن (أي تجربة الجنوب اليمني)، خاصة أن النماذج الأخرى لا يمكن التعويل عليها في إحداث نهضة تنموية شاملة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة