بن بيه: إطلاق "حلف الفضول الجديد" في أبوظبي قبل نهاية العام
الشيخ عبدالله بن بيه قال إن مؤتمر "الحريات الدينية" يناقش موضوعا يمتاز بالحيوية، نظرا لأن الأقليات في بعض المناطق لا تزال تعيش مآسي.
قال الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، الخميس، إن مؤتمر "الحريات الدينية" يناقش موضوعا يمتاز بالحيوية والأهمية، نظرا لأن الكثير من الأقليات في بعض المناطق لا تزال تعيش مآسي، بسبب الاضطهاد الديني وضيق ذرع المجتمعات بالتعددية والتنوع والاختلاف.
وأشار بن بيه إلى أن "منتدى تعزيز السلم" يعتزم إطلاق ميثاق "حلف الفضول الجديد" في أبوظبي، بمشاركة ممثلي الأديان الكبرى في العالم، قبل نهاية العام الجاري.
وترأس الشيخ عبدالله بن بيه وفد دولة الإمارات الرسمي إلى مؤتمر "الحريات الدينية" الذي تنظمه وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن خلال الفترة من 17 إلى 19 يوليو/تموز الجاري، بمشاركة وزراء خارجية وممثلي حكومات ورؤساء دول من أكثر من 60 دولة، بالإضافة إلى ممثلي الأديان الكبرى حول العالم، ولفيف كبير من المفكرين والفلاسفة والإعلاميين.
وضم الوفد الإماراتي في عضويته: الدكتور زكي أنور نسيبة وزير دولة، والدكتور علي راشد النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز هداية، ومقصود عادل كروز المدير التنفيذي لمركز هداية، والدكتور يوسف عبدالله العبيدلي مدير عام جامع الشيخ زايد، وعلياء عبيد الظاهري سكرتير ثالث- مركز صواب، وجيري رينيه قس الكنيسة الأفنجاليكية، والقس كانون آندي تومسون بكنيسة القديس آندرو الأنجيليكية بأبوظبي، وسريندهر سينج رئيس غورو ناناك دربار- دبي، وروس كريل مسؤول رابطة المجتمع اليهودي في دبي.
وفي كلمته، خلال اليوم الأول من المؤتمر، دعا الشيخ عبدالله بن بيه إلى ما سماه "حرية مهذبة عاقلة، تتمتع بمقومات البقاء وتسهم في إسعاد جميع مكونات المجتمع الإنساني"، محذرا من فشل حضاري يحط من قيمة الإنسان المكرم في جميع الأديان السماوية والوضعية.
وطالب الجميع بالتحرك في ثلاثة اتجاهات "تربوية وقانونية وعقد مواطنة جديدة"، تحفظ التوازنات الروحية والنفسية وتحمي حرية العبادة للأقليات، وتلجم الغلاة والمتطرفين والإرهابيين من كل المِلَل والنِحَلِ.
وقال إن موضوع المؤتمر يمتاز بالحيوية والأهمية؛ لأن الكثير من الأقليات في بعض المناطق لا تزال تعيش مآسي، مَرَدُّها إلى الاضطهاد الديني وضيق ذرع المجتمعات بالتعددية والتنوع والاختلاف، ويحدث ذلك رغم التعاليم الدينية الصريحة والصحيحة في الحث على الخير وحب الجار والضعيف والغريب والتعارف والتآلف، ورغم الفلسفات الكونية التي طوّرتها البشرية على أيدي أساطين الفكر الإنساني الحديث، من أمثال جون لوك وفولتير وروسو وكانت.. وغيرهم، وكذلك رغم المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وملحقاتها التي التأَم حولها المنتظم الدولي واتخذها دساتيرَ.
وأضاف بن بيه أن هذا الوضع يمثل تحديا أمام البشرية؛ بدياناتها المختلفة وفلسفاتها الكونية المتنوعة، لأن الجميع أمام فشل حضاري، يحطُّ من قيمة الإنسان المكرم بكل الأديان السماوية والوضعية؛ إذ ما جدوى أن يغزو الإنسان الفضاء ويبلغ أقصى الكواكب بينما يظلُّ عاجزا عن التفاهم مع أخيه ونظيره ومثيله وجاره على كوكب الأرض.
وتابع: أمام التحدّي يَلْزَم التَّصَدِّي، وأمام التحديات المشتركة تتحتّم المقاربات المشتركة، ولذلك نعتقد أنه يجب العمل في ثلاثة اتجاهات متزامنة ومتكاملة.
أولا: العمل التربوي
وقال الشيخ عبدالله بن بيه إن العمل التربوي يقوم على الوعي بمسؤولية رجال الدين فيما يتعلق بكل ديانة؛ لمعالجة التطرف والغلو داخلها، و"طرد النعاج الجرب" من بين صفوف أتباعها، ومن أجل تبني مقاربة تصالحية تتيح لهم نشر روح الأخوة ضمن أتباعهم ومجتمعاتهم، ودعوتهم إلى تجاوز العداوات ومشاعر الكراهية؛ بكل أنواعها وأصنافها، موضحاً أن واجب رجال الدين اليوم هو العودة إلى نصوصهم الدينية وتراثهم؛ ليستمدُّوا أسسا متينة للتسامح ونماذج مضيئة، يسهم إحياؤها في إرساء قيمه في نفوس أتباعهم، عن طريق التأويل الملائم للزمان والمكان ومصالح الإنسان، وذلك ما يسهم في إعادة التوازن في نطاق كل ديانة وفي الرجوع إلى أصل الدين كطاقة للسلام، ما يمهّد لبناء الجسور بينها على أُسس صلبة ودعائم قوية، قابلة للاستمرار والاستقرار بل للازدهار وإعلان الانتصار على الشر.
وتابع قائلا: هذا ما حاولناه وما نستطيع القول إننا أنجزناه "نظريا" في إعلان مراكش الذي أصدره المنتدى في يناير/كانون الثاني 2016، بحضور عدد كبير من القيادات الدينية من غير المسلمين، من بينهم ممثلون عن الأقباط والإيزيديين والصابئة المندائيين والنصارى الآشوريين وغيرهم، وممثلو منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى وممثلو الهيئات المدنيّة الناشطة في مجال حوار الأديان.
وأكد أن الإعلان استهدف نزع الشرعية الدينية من منتحليها من أصحاب الفكر المتطرف، من خلال البيان بقوة وحزم أن اضطهاد الأقليات الدينية وكل أشكال العدوان عليها التي يقترفها الإرهابيون، مخالفة للرواية الصحيحة والرؤية السليمة للإسلام نصوصا وقيما وممارسة؛ لأن الإعلان استلهم روحه ومبادئه من صحيفة المدينة، وهي وثيقة موثّقة وصحيحة من رحم الإسلام وتراثه الأصيل.
ولفت بن بيه إلى أن الإعلان شكل الإطار المرجعي لمبادرة "قافلة السلام الأمريكية" التي ضمَّت في مختلف مراحلها عشرات رجال الدين الأمريكيين من العائلة الإبراهيمية، حاخامات وقساوسة وأئمة، وكانت البداية من العاصمة الإماراتية أبوظبي، قائلا: "اجتمعنا في فضاء من التسامح وجو من التصالح وأصدرنا بيانا يعبر عن كل المعاني النبيلة والقيم الجميلة التي تشتمل عليها دياناتنا وتقاليدنا، ثم انتقلنا إلى الرباط عاصمة المملكة المغربية؛ لنتشارك في الجوّ نفسه في محطة أخرى؛ لتأكيد العلاقة وتوضيح المنهج، وتوطيد روح التعاون والتفاهم بين أفراد القافلة، وتطوير مقترحات وتحرير مشاريع ميدانية".
وأضاف قائلا: "كانت المحطة الثالثة في واشنطن فبراير/شباط 2018، حيث أصدرنا إعلان واشنطن لحلف الفضول، ثم اجتمعنا في أبوظبي في الملتقى السنوي الخامس لمنتدى تعزيز السلم؛ لنؤكد هذا الحلف، ونعتزم قبل نهاية السنة إصدار ميثاق لحلف الفضول، وقد اطّلع بعضكم بصفة خاصة على مشروع هذا الميثاق والذي سينقل الحرية الدينية وعلاقات التعاون وقيم التسامح من مجرد الإمكان إلى درجة الالتزام الأخلاقي والإلزام القانوني".
ثانيا: العمل القانوني
وفي الاتجاه الثاني قال الشيخ عبدالله بن بيه إن العمل في الاتجاه التربوي في غاية الأهمية، لكنه وحده غير كافٍ، حيث علينا أيضا ألا ننسى السياق القانوني لقضية الأقليات والحريات الدينية، فينبغي أن تؤكّد الجهود التربوية بنصوص قانونية مُلزمة تسمح للأقليات بمارسة دينها دون خشية ودون انتقاص، بناء على أسس متينة من الحقوق والواجبات المتبادلة، في صورة قانونية يُوجب على الدول القيام على ضمان حمايتها بالقانون والقضاء.
ثالثا: العمل المجتمعي
أما في الاتجاه الثالث فقال بن بيه: "كي تكون حقوق الأقليات وما يتفرع عنها من الحرية الدينية راسخة في الوعي والسلوك الجمعي أو الممارسة اليومية، يلزم أن تقدم في إطار عقد اجتماعي للمواطنة، يقوم على تحقيق مجموعة من الموازنات ليس فقط من الناحية القانونية بل من الناحية الروحية والنفسية كذلك".
وأضاف أن من أهم الموزانات التي تجب مراعاتها، الموازنة بين مستوى الاعتراف المبدئي بالحقوق ومستوى التفعيل العملي لها، من خلال التمييز بين مستويات الحقوق في المواطنة، بين مقوماتها الأصلية ومكملاتها ولوازمها التي تختلف من بيئة إلى بيئة، والتي يلزم التدرج في اكتسابها عن طريق استراتيجية المحافظة على السلم المجتمعي، كي لا تعود هذه المكملات على الأصول بالإبطال، فلا يمكن أن ننزع عن عقد اجتماعي سارٍ في بلد صفة المواطنة؛ بدعوى تخلّف بعض اللوازم الثانوية أو التنظيمية في التصور المثالي للمواطنة.
وتابع: يلزم أن نستعمل ذكاءنا وحسّنا المسؤول حتى لا يعطي عملنا نتائج عكسية، فقد يكون من غير الحكمة أن نطالب بحرية تقوم على الحرب، فالسلام هو الأساس، هو الخير الأسمى، وهو الإطار الناظم والاستراتيجية الناجحة لتحقيق هذه الحقوق.. ويجب أن نصل إلى الحرية المهذبة دون أن نعبر على جسر الحرب الذي مرّت من خلاله بعض الأُمم، إنّ موقف اللامبالاة من الخصومات ومن الحرب موقف غير مسؤول، ولا يخدم الحرية نفسها على المدى البعيد والمتوسّط، بل إن أكثر دعاة الحرية الدينية حماسا لها -على غرار ما فعل جون لوك وفولتير- لم يكونوا يعتبرونها مبدأ مطلقا، وإنما ربطوها بمقصِد السلم من خلال مفهوم النظام العام للمجتمع، فإن حدود الحرية تقف حيث يصبح الفعل أو الفكر يُقْلِق راحة المجتمع ويهدّد سِلمَه الأهلي، موضحا: "هذا ما سماه كارل بُوبَرْ مفارقة التسامح، فإن التسامح المطلق يفضي إلى تلاشي التسامح، وكذلك فإن الحرية المطلقة تقضي على الحرية نفسها".
وقال الشيخ عبدالله بن بيه إن هذه القيود تعيد للمرجعية المحلية شيئا من الحاكمية، وتفرض علينا عند الحديث عن تصوّر كلّي للمواطنة الكثير من النسبية، والتأنّي في توظيف المفاهيم والمفردات، والوعي بما يفرضه اختلاف المشارب الحضارية من ضرورة الحوار المستمر حتى نتوصّل إلى أرضية مفهومية متينة، بعيدا عن منهج الفرض من الخارج أو من الأعلى بسلطان القوة، الذي تثبت التجربة التاريخية أنه دائما ما تأتي نتائجه عكسية.
وأضاف: من أوجه الموازنة الضرورية مراعاة التجاذب بين المبادئ، فلا يغلب مبدأ على مبدأ آخر بشكل يلغيه، بل يلزم البحث عن صيغة توافقية تحقق التوزان، وهذا ما عبَّر عنه الفيلسوف المسيحي توما الأكويني حين قال "العدالة من غير رحمة قسوة، والرحمة من غير عدالة فوضى"، فلا بدّ من الجمع بينهما من خلال تدابير جزئية يحكمها السياق.. وعلى هذا النحو ندعو إلى الموازنة بين مبدأ حرية التعبير ومبدأ حرية التدين، حيث إنّ تنقص الدين هو عامل جلي في الانتقاص من حرية الدين والتديّن، وهو مقدمة للاعتداء على الدّين وعلى أماكن العِبادة.
واختتم بن بيه كلمته قائلا إن "شتم المقدس لا يمكن أن يعتبر وجها من وجوه حريّة التعبير، لأن المسيء لا يتغيّا من خلاله إلا إيذاء الآخرين والإساءة إليهم، وليس يقصد به تحقيق خير أو نفع له أو لغيره، ولئن كان البعض يستشكل الموضوع من حيث اعتبارية التقديس ونسبيته، بحيث لا يرى في شتم المقدّس ما يستوجب التجريم، فإننا نرى أن شتم الرموز المقدسة لدى بعض المواطنين هو في الحقيقة شتم وإيذاء لهؤلاء المواطنين وتعدٍ على حقهم في احترام معتقداتهم، فهو فعل عبثي صادر عن إرادة أثيمة وقصد سيئ.