تدرك الإمارات أن السعودية ليست وحدها المستهدفة فالمستهدف محور الاعتدال العربي كله.
لا يمكن النظر إلى الزيارة الأخيرة للأمير محمد بن سلمان إلى أبوظبي باعتبارها زيارة اعتيادية دأب على تكرار تبادلها قادة البلدين وكبار المسؤولين فيهما في السنوات الأخيرة، فمرد الأهمية هنا ليس في طبيعة الملفات التي جرى بحثها أو في أهمية القضايا التي جرى التشاور حولها ولكن الأهمية الاستثنائية لهذه الزيارة تنبع بالتأكيد من توقيتها وطبيعة الرسائل التي أراد طرفاها إيصالها، فالزيارة تأتي في توقيت بالغ الحساسية تتعرض فيه السعودية لأكبر حملة ابتزاز سياسي واقتصادي منظم في تاريخها، على خلفية جريمة جنائية مرتكبيها أفراد والمستهدف منها دولة، جريمة مجالها القانون لكن هناك من أراد أن تكون حلبتها السياسة ودهاليزها ومساوماتها تصفية لحسابات وتحقيقا لمآرب لا تمت بصلة لجوهر القضية وملابساتها وإنسانيتها، وبعد أن اكتشفت السعودية ما يراد منها ولها وما يحاك في الظلام ضدها، خاصة أن حملات التشوية والابتزاز والتحريض التي تتعرض لها لم ولن تتوقف حتى بعد أن أعلنت بصراحة وشجاعة وشفافية كاملة كافة ملابسات الجريمة وقدمت المسؤولين عنها للعدالة، وطالبت بتوقيع أقسى عقوبة ممكنة ضدهم.
تدرك الإمارات أن السعودية ليست وحدها المستهدفة، فالمستهدف محور الاعتدال العربي كله، كما تدرك الإمارات دورها الفعال والنشط في استقرار الإقليم وحفظ أمنه والحفاظ عليه، وتدرك أيضا أن بث النشاط والحيوية في محور الاعتدال العربي يجب أن يمر بالضرورة عبر التنسيق مع الرياض والتكامل معها
هنا لم يكن من قبيل المصادفة اختيار ولي العهد السعودي لأبوظبي لتكون أولى محطات جولته الخارجية الأولى منذ بداية أزمة خاشقجي، وهي جولة تم اختيار محطاتها بعناية شديدة تبدأ بأقرب الحلفاء وتنتهي في الأرجنتين بلقاء قادة 20 دولة من بينها بعض أطراف حملة الابتزاز، فلا أقرب للرياض من أبوظبي، وما يجمع السعودية بالإمارات أكثر بكثير مما يجمعها بأي دولة أخرى، فما تتسم به العلاقات الإماراتية السعودية من وضوح وثبات في الرؤى الاستراتيجية للبلدين، والتي تكاد تكون رؤية واحدة، قلما نجده في أي علاقات ثنائية أخرى في المنطقة، ولا مبالغة في القول إن رؤى البلدين تجاه التحديات الإقليمية والدولية وتجاه مصادر تهديد الأمن القومي تصل إلى حد التطابق، ويبدو هذا جلياً من تنسيقهما في جميع المحافل الدولية والإقليمية وفي موقفهما الواحد تجاه أهم ملفات المنطقة، الأمر الذي تجلى في إعلان البلدين في يونيو الماضي عن رؤية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً عبر 44 مشروعاً استراتيجياً مشتركاً، من خلال "استراتيجية العزم" وهو شكل من أشكال التكامل قد يكون من الصعب أن نجد له نظيرا عربيا في المدى القريب وربما البعيد.
حرص العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز على أن تكون الإمارات أولى الدول التي يزورها ولي عهده بعد أزمة خاشقجي، هذا الحرص قابله حرص إماراتي مماثل على أن تكون أبوظبي هي أول مدينة تستقبله.
تدرك الإمارات أن السعودية ليست وحدها المستهدفة، فالمستهدف محور الاعتدال العربي كله، كما تدرك الإمارات دورها الفعال والنشط في استقرار الإقليم وحفظ أمنه والحفاظ عليه، وتدرك أيضا أن بث النشاط والحيوية في محور الاعتدال العربي يجب أن يمر بالضرورة عبر التنسيق مع الرياض والتكامل معها، باعتبارها أهم عواصم الحكم العربية، لذا كانت رسالة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد واضحة وحاسمة ومحذرة، وتحمل كل معاني الدعم الذي تستحقه السعودية رغم قلة كلماتها التي حملتها تغريدته "ستظل الإمارات على الدوام وطنا محبا وسندا وعونا لأشقائنا في المملكة العربية السعودية".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة