تشكل زيارة رئيس البرازيل للإمارات أهمية كبيرة في مسار العلاقات الثنائية؛ إذ تعد الأولى له للعالم العربي منذ توليه الرئاسة يناير 2019.
جسدت جلسة المباحثات الرسمية التي عقدها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يوم أمس الأحد الموافق السابع والعشرين من أكتوبر 2019، مع فخامة الرئيس جايير بولسونارو رئيس جمهورية البرازيل الصديقة في قصر الوطن في أبوظبي، الإرادة السياسية لدى قيادتي الدولتين وحرصهما المشترك على الارتقاء بمسار العلاقات الثنائية، وتنميتها في المجالات كافة، بما يعزز مصالح الشعبين الصديقين ويواكب تطلعاتهما في التنمية والرفاه والازدهار. لقد أظهرت هذه المباحثات مدى توافق رؤى الدولتين حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية، والأوضاع في منطقتي الخليج العربي والشرق الأوسط، كما عبرت في الوقت ذاته عن حرصهما المشترك على بذل المزيد من الجهود لتحقيق الأمن والسلام لدول المنطقة والعالم، والتصدي للتحديات والمخاطر المختلفة، وفي مقدمتها التطرف والعنف والإرهاب بأشكاله وصوره كافة.
تقدم العلاقات الإماراتية-البرازيلية نموذجا للعلاقات الناجحة التي تتسم بالشمول والتطور، وهذا لم يأتِ من فراغ، وإنما نتيجة لوجود قاعدة متينة من المصالح المشتركة التي تدفع دائما البلدين في اتجاه تطوير علاقاتهما الثنائية في مختلف المجالات
تشكل زيارة رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة أهمية كبيرة في مسار العلاقات الثنائية بين الدولتين، خاصة أنها تعد الأولى له للعالم العربي منذ توليه الرئاسة في يناير 2019، كما تتزامن مع مرور 45 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين. ولا شك في أن اختيار فخامة الرئيس جايير بولسونارو لدولة الإمارات كي تكون محطته الأولى في العالم العربي إنما يعكس تقديره الكبير لها، بما تمثله من نموذج تنموي ناجح في منطقة الشرق الأوسط، وبما تقوم به من دور محوري فاعل في تعزيز أسس الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. وهذه الزيارة ستمثل محطة بالغة الأهمية في مسيرة العلاقات بين الدولتين، وستفتح آفاقا واعدة أمام البلدين الصديقين خلال السنوات المقبلة؛ فمنتدى الأعمال البرازيلي-الإماراتي، الذي افتتحه الرئيس البرازيلي بأبوظبي، بمشاركة أكثر من 100 رجل أعمال برازيلي يمثل نافذة مهمة لاستكشاف فرص الاستثمار في البلدين، في الوقت ذاته فإن اتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم إبرامها خلال هذه الزيارة بين عدد من الجهات والمؤسسات في الدولتين من شأنها تعزيز مجالات التعاون بين الدولتين خلال الفترة المقبلة.
تقدم العلاقات الإماراتية-البرازيلية نموذجا للعلاقات الناجحة التي تتسم بالشمول والتطور، وهذا لم يأتِ من فراغ، وإنما نتيجة لوجود قاعدة متينة من المصالح المشتركة التي تدفع دائما البلدين في اتجاه تطوير علاقاتهما الثنائية في مختلف المجالات، فضلا عن الإدراك المشترك لدى قيادتي الدولتين بما تمثله هذه العلاقات من مردود إيجابي على شعبي البلدين الصديقين، فالإمارات -كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان- تنظر إلى البرازيل باعتبارها "دولة مهمة على المستويات السياسية والاقتصادية، ولها ثقلها في محيطها الإقليمي والعالمي، وتحظى بأهمية كبيرة ضمن استراتيجية الدولة الخاصة بتعزيز وتوسيع علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية وبناء جسور التعاون معها في المجالات المختلفة". أما البرازيل فترى أن الإمارات تعد بوابتها الحقيقية إلى العالم العربي وقارة آسيا بشكل عام؛ لمكانتها المهمة وموقعها الاستراتيجي الحيوي. وإضافة إلى ما سبق، تتوافق رؤى الدولتين إزاء مجمل القضايا الإقليمية والدولية، السياسية والأمنية والاستراتيجية، والتي تتجسد في مواقفهما المشتركة الرامية إلى إيجاد حلول للأزمات والصراعات المختلفة التي تشهدها دول المنطقة.
إن المتتبع لمسيرة العلاقات الثنائية بين الدولتين منذ تأسيسها قبل 45 عاما يلحظ بوضوح حجم التطور الشامل الذي شهدته هذه العلاقات في المجالات كافة، السياسية والاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية وفي مجال العلوم والتكنولوجيا المتقدمة ومن المؤشرات الدالة على ذلك تنامي حجم التجارة الثنائية بينهما؛ حيث بلغت 2.6 مليار دولار أمريكي في عام 2018، كما شهدت الأشهر الـ8 الأولى من العام الجاري، معاملات تجارية بقيمة 2 مليار دولار، مع توقعات بنمو حجم التجارة بين الدولتين خلال العام المقبل في ظل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها بين الدولتين والتي تعزز من فرص التعاون التجاري والاستثماري بينهما. كما تشير الإحصائيات السياحية إلى أن هناك نحو 76 ألف مواطن برازيلي زاروا الإمارات عام 2018، ونحو 6 آلاف مواطن إماراتي قاموا بزيارة البرازيل، وهناك توقعات بتنامي حجم السياحة الشعبية بين الدولتين خلال الفترة المقبلة، خاصة مع دخول اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرات مع البرازيل حيز التنفيذ في يونيو 2018، وبموجبها يسمح لمواطني البلدين بالسفر إليهما دون تأشيرة، وغيرها العديد من مجالات التعاون بين الدولتين في المجالات الاستثمارية والاقتصادية والتنموية.
مستقبل العلاقات الإماراتية-البرازيلية يبشر بكل خير، خاصة أن هناك مرتكزات قوية تضمن لهذه العلاقات أن تواصل تطورها وانطلاقتها في مختلف المجالات، أولها الرغبة المشتركة لدى قيادتي الدولتين في الانتقال بهذه العلاقات إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية الشاملة. وثانيها الإطار المؤسسي الذي ينظم هذه العلاقات، ويتجسد في اللجنة المشتركة التي تم تأسيسها وعقدت أول اجتماعاتها في يوليو 2018 بأبوظبي؛ حيث تضع هذه اللجنة في مقدمة أولوياتها العمل على تطوير العلاقات الثنائية. وثالثها نموذج التسامح والتعايش المشترك الذي تمثله الدولتان، ويرسخ من علاقاتهما الثنائية؛ فالإمارات التي تستضيف على أراضيها أكثر من مئتي جنسية يعيشون في تناغم وسلام رغم الاختلافات فيما بينها باتت نموذجا ملهما للتعايش على الصعيدين الإقليمي والدولي، والبرازيل هي الأخرى تقدم نموذجا في احترام التنوع الثقافي لشعبها الذي يزيد عدده على مائتي مليون نسمة، ولهذا كان اختيار البرازيل للتوقيع على وثيقة "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" خلال فعالية نظمتها القنصلية العامة للدولة في ولاية ساو باولو البرازيلية موفقا، كونها تضم العديد من الأطياف والأديان، كما أن احتفاء البرلمان البرازيلي بعام التسامح 2019 في الإمارات، يصب كذلك في صالح تعزيز القيم الإيجابية المشتركة التي تجمع بين البلدين والشعبين الصديقين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة