جدل كبير أثاره معرض الطريق الفني، الذي أطلقه متحف اللوفر أبوظبي في دورته الثانية، التي بدأت في 7 أبريل الجاري وتستمر شهراً.
جدل كبير أثاره معرض الطريق الفني، الذي أطلقه متحف اللوفر أبوظبي في دورته الثانية، التي بدأت في 7 أبريل الجاري وتستمر شهراً، وهو الأول والوحيد على الطريق في العالم الذي يترافق مع شرح عبر الراديو، ويستعرض 10 أعمال جديدة من مجموعة اللوفر أبوظبي، مقدمة على شكل مجسمات عملاقة ثلاثية الأبعاد، أو على لوحات عملاقة بطول 10 أمتار على الطريق السريع من دبي إلى أبوظبي.
سبب الجدل هو احتواء المعرض على تمثال أثار حفيظة البعض ممن يصطادون في الماء العكر.
#بوذا في الإمارات، حملة أخرى انتهت بالفشل، مثلما فشلت قبلها حملات سابقة، ومثلما ستفشل بعدها حملات لاحقة، لأن أهل الإمارات يتفاعلون مع كل الحضارات والثقافات والديانات، لكنهم لا يسجدون لتمثال في الطريق
التمثال، الذي قال المثيرون للجدل إنه لـ«بوذا» يمثل واحداً من تماثيل ثلاثة عملاقة، منها الأميرة باختريا من آسيا الوسطى، وأعمال فنية تم نصبها على الطريق، بإمكان السائقين سماع قصة كل منها في 30 ثانية بمجرد الاقتراب من العمل عبر موجات راديو أعلن عنها.
هذا التمثال استغله البعض لشن هجوم على دولة الإمارات، واتهامها بأنها تسعى إلى إعادة عبادة الأصنام في جزيرة العرب!
اتهام ساذج، يدل على سذاجة من أطلقه، لكن الذين أطلقوه يستغلون كل فرصة لتوجيه سهامهم إلى دولة الإمارات، كأنهم هم حراس الإسلام الواقفون على ثغوره، ونحن كفار قريش الذين يجب رجمهم بالحجارة، وكأن التماثيل الأخرى، التي ينتصب الكثير منها في بلدانهم، ليست أصناماً في عرفهم، كاشفين بذلك ليس عن ضغينتهم فقط، وإنما عن جهلهم، فالتمثال الذي أثاروا حوله هذا الجدل ليس لـ«بوذا»، وإنما هو منحوتة من الصين تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، تمثل «غوانين» إله الرحمة لديهم، وهو نسخة مكبرة من تمثال خشبي موجود في متحف «لوفر أبوظبي».
أحد الجهلة غرد على تويتر أيضاً مطلقاً على «بوذا» صفة «الرب»، كاشفاً عن جهله بالبوذية التي هي أقرب إلى فلسفة الحياة منها إلى الدين، والتي لا يعتبر أتباعها «بوذا» ربًّا، وإنما هو معلم وأستاذ، حيث يعني اسم «بوذا» بلغة بالي الهندية القديمة الرجل المتيقّظ أو المستنير. فإذا كان البوذيون أنفسهم لا يعبدون «بوذا» فكيف سيعبده الإماراتيون؟
لقد «نجح المعرض العام الماضي في إشعال فضول المارة للتفاعل مع الأعمال الفنية والتعرف إليها عن كثب.
ويحسب للوفر أبوظبي أنه ابتكر أسلوباً خاصاً للاحتفاء بعام التسامح، حيث يقدم مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية المعاد تجسيدها بأبعاد ثلاثية طبقاً للقطع الأصلية في المتحف، وذلك في خطوة لكشف التقاربات بين الثقافات التي تجمع الإنسانية وتوحدها».
هكذا صرح معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، قبل افتتاح المعرض.
وهو بهذا التصريح لم يردّ فقط على المرجفين والجهلة الذين علا نواحهم بعد افتتاح المعرض، وإنما استبق هذا النواح المعبر عن حقد هؤلاء على دولة الإمارات، خصوصاً بعد أن حظيت عاصمتها أبوظبي باحتضان متحف اللوفر، في حين رفض المتحف افتتاح فروع له في عواصم أخرى، تنطلق من بعضها الحملات على كل ما تقوم به دولة الإمارات، ومنها انطلقت هذه الحملة على تمثال لا يعرفون حتى صاحبه.
»موتوا بغيظكم» هو الرد المناسب على أصحاب هذه الحملات، وعلى الذين يحركونهم ويدفعون لهم، فدولة الإمارات ماضية في طريقها لترسيخ مكانتها عاصمة عالمية للتسامح والتنوع الثقافي.
وهذا ليس جديداً أو طارئاً عليها، فهي منذ الأزل تحتضن على أرضها جنسيات مختلفة، ينتمي أصحابها إلى ديانات وثقافات وأعراق متعددة، يعيشون جميعاً في انسجام ووئام لا يجدهما بعضهم في بلدانهم الأصلية. والشواهد على ذلك كثيرة، والشهادات التي استمعنا إليها في مناسبات عدة أكثر من أن تحصى، وغيرها كثير لا يتردد أصحابها في الإدلاء بها دون أن يطلب منهم أحد ذلك.
وتبقى المشكلة لدى هؤلاء الذين لا يستوعبون، أو لا يريدون أن يستوعبوا أن دولة الإمارات هي عاصمة التسامح الأولى، وأنها فريدة في تسامحها في العالم الذي يُقتَل الكثير من البشر فيه على هويتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية، أو حتى بدافع المزاج الشخصي والفتاوى الشرعية المتطرفة أحياناً، حين يصبح حلق اللحية أو إعفاؤها هو الحد الفاصل بين الكفر والإيمان، وحين يكون تقصير الثوب أو إطالته هو الحد الفاصل بين معصية الرب وطاعة الرحمن.
الإمارات بلد حضاري، استقبلت أرضها منذ عشرات السنين كثيراً من الذين وفدوا إليها من أنحاء العالم المختلفة، وزارها مبشرون أتوا لنشر الدين المسيحي بين سكان الإمارات.
منهم على سبيل المثال لا الحصر، المبشر الأمريكي الشهير صومويل زويمر، الذي تردد على الإمارات منذ مطلع القرن العشرين، وزار كلاً من أبوظبي ودبي والشارقة وأبوموسى محاولاً نشر المسيحية بين أبناء الإمارات، وقابل بعض حكامها، لكنه غادرها خاوي الوفاض، إذ لم يستطع تحويل فرد واحد عن دينه.
وقد اعترف بإخفاقه في ذلك، عندما تحدث عن فشل مغامرة التنصير خلال ربع قرن. ومثلما فشل زويمر فشل آخرون أيضا عندما حاولوا نشر كتب التبشير التي جاؤوا بها معهم في العيادات الطبية التي أنشأوها، فلم تجد هذه الكتب لها صدى ولا انتشاراً بين أهل الإمارات، الذين استفادوا من الخدمات الطبية التي قدمتها تلك العيادات، وتركوا كتب التبشير في أماكنها لم يلمسوها.
#بوذا في الإمارات، حملة أخرى انتهت بالفشل، مثلما فشلت قبلها حملات سابقة، ومثلما ستفشل بعدها حملات لاحقة، لأن أهل الإمارات يتفاعلون مع كل الحضارات والثقافات والديانات، لكنهم لا يسجدون لتمثال في الطريق، يستغله البعض وهم لا يعرفون حتى حقيقة أصله.
نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة