الإمارات وكارتر.. شراكة لخدمة الإنسانية عمرها 34 عاما
رثاء مؤثر كتبه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، شريك العمل الإنساني مع الإمارات لعقود.
شراكة استمرت على مدار 34 عامًا لمواجهة الأمراض الوبائية في العالم، بدأت منذ عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتواصلت حتى اليوم مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي سبق أن وجه له كارتر الشكر على دعمه الاستثنائي لتلك المبادرات الإنسانية حول العالم.
ووافت المنية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الأحد، عن عمر ناهز 100 عام.
وتولى كارتر الرئاسة في الفترة من عام 1977 إلى 1981، ونال جائزة نوبل للسلام عام 2002 تقديرا لجهوده الدؤوبة في إيجاد حلول سلمية للصراعات الدولية، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما نال عام 2017 "جائزة محمد بن زايد للصحة العالمية لتكريم أبطال الصحة المتميزين" تقديرا لجهوده ودعمه المتواصل للجهود العالمية الرامية للقضاء على الأمراض التي تهدد البشرية لا سيما دودة غينيا.
رثاء مؤثر
ورثا الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الرئيس الأمريكي الأسبق بكلمات مؤثرة عبر حسابه في موقع إكس اليوم الإثنين.
وقدم رئيس دولة الإمارات في تدوينته التعازي لعائلة كارتر والشعب الأمريكي قائلا:" خالص العزاء وصادق المواساة لعائلة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والشعب الأمريكي".
واستذكر الشراكة الإنسانية التي ربطته مع الإمارات قائلا: "ربطته علاقة وثيقة مع الإمارات، وعملنا معاً لعقود طويلة منذ عهد الشيخ زايد، رحمه الله، في شراكة إنسانية فاعلة لمواجهة الأمراض في العالم".
شراكة تاريخية
وتصادف وفاة كارتر مرور نحو 34 عامًا على شراكة لخدمة الإنسانية بين الإمارات ومركز كارتر ساهمت في تحقيق إنجازات إنسانية فارقة في مجال الصحة والقضاء على العديد من الأمراض.
وتمتلك الإمارات إرثًا يمتد إلى أكثر من 3 عقود من الالتزام بمكافحة الأمراض المدارية المهملة، تعود هذه الشراكة إلى اللقاء التاريخي، الذي جمع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر خلال زيارته الأولى لدولة الإمارات.
وتحدث الرئيس كارتر خلاله عن مبادرته لاستئصال مرض طفيلي موهن يصيب السكان في أجزاء كبيرة من أفريقيا، واستجاب المغفور له الشيخ زايد بتقديم تبرع سخي لمركز كارتر.
وتبرع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بمبلغ 5.77 مليون دولار عام 1990 لحملة مركز كارتر في التخلّص من دودة غينيا، وهو أحد الأمراض المدارية المهملة، حيث شكلت هذه الخطوة باكورة التزام قيادة دولة الإمارات بالقضاء على المرض الذي امتد عقودا من الزمن.
ومنذ ذلك التاريخ تعتبر دولة الإمارات أحد أبرز الداعمين للجهود الدولية الرامية لمكافحة العديد من الأمراض الوبائية والحد من انتشارها مثل دودة غينيا وشلل الأطفال والملاريا وغيرها من الأمراض التي بات العالم قريبا من القضاء عليها بعدما كانت سببا رئيسيا في موت مئات الآلاف من البشر لا سيما الأطفال منهم.
في إطار دعم الجهود الدولية لمكافحة دودة غينيا قدم رئيس الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في يناير/كانون الثاني 2012 مبلغ 10 ملايين دولار لدعم مركز كارتر في حملته لاستئصال ما تبقى من حالات مرض دودة غينيا.
وفي يوليو/تموز 2016، أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن منحة بقيمة خمسة ملايين دولار لمركز كارتر لدعم جهود القضاء على مرض دودة غينيا.
ورسخت الإمارات التزامها تجاه مكافحة أمراض المناطق المدارية المهملة في عام 2017 من خلال صندوق بلوغ الميل الأخير- وهي مبادرة مدتها 10 سنوات بقيمة 100 مليون دولار أطلقها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بدعم من مؤسسة بيل وميليندا غيتس ومختلف الشركاء.
وتوفر هذه المبادرة العلاج والرعاية الوقائية في المجتمعات التي تفتقر إلى إمكانية الحصول على الخدمات الصحية ذات الجودة العالية، مع التركيز خصوصا على بلوغ الميل الأخير في القضاء على الأمراض.
وتمثل رسالة "بلوغ الميل الأخير" التزام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالقضاء على الأمراض المعدية التي يمكن الوقاية منها وتؤثر على أفقر سكان العالم والمجتمعات الأكثر هشاشة إضافة إلى مساعدة ملايين الأطفال والبالغين على عيش حياة صحية بكرامة.
وفي 2021، قدم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان 10 ملايين دولار لمركز كارتر لمواصلة التعاون في دعم قضايا الصحة العالمية بشكل عام، إضافة إلى المُساهمة في القضاء على دودة غينيا وبثّ روح الأمل في المجتمعات المتأثرة.
وفي مارس/آذار 2022، استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عدداً من أعضاء فريق عمل " مركز كارتر " الأمريكي المشاركين في " مبادرة بلوغ الميل الأخير" .
وتناول اللقاء الحديث حول الجهود المشتركة في مكافحة الأمراض المدارية المهملة في العالم وفي مقدمتها "مرض دودة غينيا" خاصة في ضوء "إعلان أبوظبي للقضاء على مرض دودة غينيا" الذي صدر في ختام "القمة العالمية للقضاء على داء دودة غينيا 2022" التي عقدت مؤخراً بالتعاون بين "مركز كارتر" و"مبادرة بلوغ الميل الأخير".
وفي منتدى بلوغ الميل الأخير الذي أقيم على هامش "كوب 28" في ديسمبر/كانون الأول 2023، انضمت الإمارات إلى عدد من قيادات الدول الأفريقية والشركاء العالميين في التعهد بتقديم أكثر من 777 مليون دولار أمريكي لمكافحة الأمراض المدارية المهملة.
وشملت قائمة الإسهامات الجديدة التزامات من شركاء مانحين مثل مركز كارتر.
وساهمت هذه الشراكة الطويلة الأمد والمستمرة مع مركز كارتر في منع 80 مليون حالة من مرض دودة غينيا، حيث لم يتم الإبلاغ سوى عن 13 حالة فقط على مستوى العالم في عام 2023، وسيكون المرض ثاني مرض بشري يتم استئصاله في تاريخ الإنسانية.
وفي تعليقه على التعاون الراسخ بين دولة الإمارات و مركز كارتر قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في تصريح سابق: "تربطنا مع دولة الإمارات العربية المتحدة علاقة قوية يعود تاريخها للصداقة الوطيدة مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وتستمر اليوم من خلال المبادرات الخيرية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ودعمه.. وبفضل تلك الجهود، أصبحت الإمارات اليوم حليفاً قوياً في مكافحة مرض دودة غينيا والأمراض المدارية المهملة الأخرى.. ومعا، شكلت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومركز كارتر علاقة قوية تجاوزت الأجيال".
وأعرب عن شكره وتقديره "للدعم الاستثنائي الذي قدمه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لمكافحة الأمراض المدارية المهملة".
جائزة محمد بن زايد
وتقديرا لجهوده المتواصلة، كرم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عام 2017 كارتر بـ"جائزة محمد بن زايد للصحة العالمية لتكريم أبطال الصحة المتميزين" - جائزة "ريتش" - في دورتها الأولى.
وتمنح هذه الجائزة العالمية للأفراد الذين قدموا إسهامات بارزة وبذلوا جهودا استثنائية في القضاء على الأمراض المعدية.
وفاز الرئيس الأمريكي الأسبق بـ"جائزة الإنجاز مدى الحياة" تقديرا لجهوده ودعمه المتواصل للجهود العالمية الرامية للقضاء على الأمراض التي تهدد البشرية لا سيما دودة غينيا، وتسلم الجائزة نيابة عنه نجله تشيب كارتر.
كان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة جيمي كارتر وعقيلته روزالين كارتر قد أسسا مركز كارتر عام 1982 والذي يعمل من أجل التقدم بحقوق الإنسان والتخفيف من المعاناة البشرية.
لفتة إنسانية
وفي لفتة إنسانية مهمة خلال زيارته الرسمية الأخيرة لأمريكا سبتمبر/أيلول الماضي، حرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على إجراء اتصال هاتفي مع عائلة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر للاطمئنان عليه.
وأشاد رئيس الإمارات خلال الاتصال بالدور الإنساني لجيمي كارتر على الساحة الدولية وتعاونه المثمر مع دولة الإمارات منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومعه، من خلال "مركز كارتر" في هذا الشأن خاصة في مواجهة الأمراض المدارية المهملة، إضافة إلى جهوده في دعم السلام في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وعبرت عائلة كارتر عن شكرها وتقديرها لهذه اللفتة الكريمة من قبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وما أبداه من مشاعر طيبة تجاه الرئيس السابق وعائلته.