ترتبط دولة الإمارات وجمهورية الصين بعلاقات استراتيجية وتاريخية ممتدة لأكثر من 40 عاما، وتشهد العلاقات تطورا مستمرا من خلال دفعها نحو مستويات أكثر تقدما وازدهارا بما يدعم نمو واستدامة اقتصادهما.
ويبدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات الخميس 30 مايو/أيار الجاري زيارة دولة إلى جمهورية الصين الشعبية تلبية لدعوة الرئيس شي جين بينغ.
ويبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال الزيارة مع شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية، العلاقات الثنائية ومسارات التعاون والعمل المشترك في المجالات الاقتصادية والتنموية والثقافية وغيرها، وذلك في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع دولة الإمارات والصين بما يسهم في تعزيز التنمية والازدهار المستدام في البلدين.
وتعمل دولة الإمارات مع الصين على تعزيز التعاون في عدد من القطاعات والمجالات ذات الاهتمام المشترك، لا سيما الاقتصاد الجديد وريادة الأعمال والتكنولوجيا والسياحة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والطاقة والطاقة المتجددة والزراعة والطيران والنقل اللوجستي والبنية التحتية والصناعة.
الرخص الاقتصادية الصينية في الإمارات
يشهد التعاون الاقتصادي بين البلدين نموا متزايدا، ووفقا لوكالة أنباء الإمارات "وام" بلغ عدد الرخص الاقتصادية الصينية في دولة الإمارات نحو أكثر من 14.5 ألف رخصة، كما أن الصين تُعدّ ثالث أكبر مصدر لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الإمارات بقيمة 6.3 مليار دولار، مع ارتفاع الاستثمار الثنائي بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، ليصل إلى مستوى قياسي قدره 15 مليار دولار في عام 2022.
ويعد قطاع السياحة من أهم القطاعات الرئيسية في العلاقات الاقتصادية المشتركة، إذ وصل إجمالي عدد السياح الصينيين أكثر من مليون زائر في العشرة أشهر الأولى من عام 2023، كما وصل عدد الصينيين الموجودين في دولة الإمارات نحو 350 ألفا، ويتم تنظيم أكثر من 210 رحلات طيران شهرياً بين البلدين عبر شركات الطيران الوطنية الإماراتية.
ويستفيد مجتمع الأعمال الصيني من المميزات والممكنات التي تمنحها بيئة الأعمال الإماراتية، التي تم تطويرها وفق أفضل الممارسات العالمية، إذ أصبحت البيئة المثالية لممارسة الأعمال والأنشطة الاقتصادية والأكثر تنافسية على المستوى الإقليمي والعالمي، كونها تميزت بسياسات وتشريعات اقتصادية مرنة، بما أسهم في تعزيز مكانة الإمارات كوجهة اقتصادية رائدة، وتسجيلها ثاني أعلى زيادة في عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي الجديدة حول العالم في عام 2023، كما وصل عدد الشركات العاملة في الدولة أكثر من 788 ألف شركة بنهاية عام 2023.
من جهة أخرى تحرص دولة الإمارات على مواصلة دعم مبادرة "الحزام والطريق"، بصفتها شريكا فاعلا لهذه المبادرة منذ إطلاقها في عام 2013، من خلال إمكاناتها التنموية وموقعها الاستراتيجي ودورها الاقتصادي الريادي في المنطقة، إذ ضخت الإمارات 10 مليارات دولار في صندوق استثمار صيني-إماراتي مشترك لدعم مشاريع المبادرة في شرق أفريقيا.
الإمارات وبريكس
واستمرارا للعلاقات القوية التي تربط بين البلدين، دعمت الحكومة الصينية دولة الإمارات للانضمام إلى مجموعة "بريكس" كعضو مراقب.
وتمضي الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين جمهورية الصين ودولة الإمارات قدما نحو مرحلة جديدة من النمو والازدهار، إذ تشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين نموا متزايدا ونتائج مثمرة في العديد من الأنشطة والقطاعات ذات الاهتمام المتبادل.
ويصادف هذا العام الذكرى الـ40 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، التي تأتي في ضوء الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة في البلدين.
وتعمل دولة الإمارات وجمهورية الصين على تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية بينهما، واستكشاف الفرص الاستثمارية الواعدة في أسواق البلدين، بما يخدم الرؤى والتوجهات الاقتصادية للدولتين.
وتركز الإمارات والصين على تعزيز نمو الاقتصاد الرقمي في السوقين الإماراتي والصيني، وتطوير الفرص الاستثمارية في مجالات البنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي والتطبيقات التكنولوجية المتقدمة، بما يتماشى مع الرؤى والاستراتيجيات الخاصة بهذه المجالات الحيوية في البلدين.
دعم الشركات الناشئة
وتعمل الإمارات والصين على توفير برامج جديدة لدعم الشركات الناشئة في أسواق البلدين بقطاعات التكنولوجيا المالية والرعاية الصحية والحلول المتقدمة والتقنيات المبتكرة، إضافة إلى تشجيع أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال على التوسع في قطاعات الاقتصاد الجديد، بما يسهم في زيادة نسبة مساهمة قطاع المشاريع والمتوسطة في الناتج المحلي للبلدين.
واتخذت الإمارات والصين خطوات جادة نحو تعزيز العمل المشترك في القطاعات المستدامة، لا سيما قطاعي الطاقة النظيفة وحلول النقل الذكي مع إمكانية إقامة مشاريع مشتركة واستكشاف فرص التعاون في هذين القطاعين الحيويين خلال المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى تبادل الخبرات والمعرفة في مجالات الاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر وإعادة تدوير النفايات.
وتهتم الدولتان بإقامة معارض وفعاليات سياحية مشتركة من شأنها الترويج لأبرز المعالم السياحية والتاريخية في البلدين، ودعم الاستفادة من الممكنات والمقومات للتنوع السياحي التي تمتلكها الإمارات والصين لجذب المزيد من الوفود السياحية من جميع أنحاء العالم.
تنمية العلاقات الصينية الإماراتية
في مارس/آذار من عام 2024 الجاري أصدر مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات تقريرا بعنوان "تحديث الصين وتنمية العلاقات الصينية الإماراتية"، الذي سلط الضوء على التعاون المتنامي بين البلدين في مختلف المجالات، بدءا من التجارة والاستثمار إلى التكنولوجيا والثقافة.
وأكد التقرير أن دولة الإمارات تعد لاعبا رئيسيا في المسار البري لمبادرة "الحزام والطريق"، الذي يربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى، مشيرا إلى أنه تم تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى في إطار المبادرة، مثل الحديقة النموذجية للتعاون في مجال القدرات الصناعية الصينية الإماراتية، والمرحلة الثانية من محطة الحاويات في ميناء خليفة، ومحطة دبي للطاقة الكهروضوئية والحرارية.
وفي إطار التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين ذكر التقرير أن الصين تعد أكبر شريك تجاري للإمارات لسنوات عديدة متتالية، إذ حافظت دولة الإمارات على مكانتها كأكبر سوق لصادرات الصين في الشرق الأوسط، وبلغ إجمالي حجم التجارة الثنائية بين البلدين نحو 95 مليار دولار في عام 2023، ويسعيان لزيادة التبادل التجاري بينهما ليصل إلى 200 مليار دولار بحلول 2030.
وأشار التقرير إلى أنه في إطار التعاون المالي أنشأت الصين ودولة الإمارات وأدارتا أول صندوق استثماري مشترك بين الصين ودول الشرق الأوسط، ووقعتا أول اتفاقية متعلقة بـ"الرنمينبي"، كعملة محلية في الشرق الأوسط، وأنشأتا أول جسر لـ"العملة الرقمية" بين البنوك المركزية لثلاث دول و4 أماكن، وجدد البنك المركزي الصيني ونظيره الإماراتي العام الماضي اتفاق تبادل العُملتين المحليتين لمدة خمس سنوات بقيمة تعادل 4.9 مليار دولار.
أول جامعة للذكاء الاصطناعي في العالم
ولفت التقرير إلى التعاون بين البلدين في مجال التكنولوجيا الفائقة، في بناء أول جامعة للذكاء الاصطناعي في العالم في أبوظبي.
وتعاون الطرفان لإجراء المرحلة الأولى من التجربة السريرية الدولية للقاح كوفيد-19 في العالم، وأظهر التقرير التقدم الكبير في التعاون بين البلدين في مجالات الاقتصاد الرقمي، والصحة الحيوية، والفضاء، وغيرها من المجالات.
الأكثر ديناميكية في العالم
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال لي شيوي هانغ القنصل العام لجمهورية الصين الشعبية في دبي في تصريحات لوكالة أنباء الإمارات "وام"، إن الاقتصادين الإماراتي والصيني هما الأكثر ديناميكية في العالم حاليا، مؤكداً وجود الكثير من الفرص المتبادلة التي تسهم في تحقيق الزخم والتنمية لكلا البلدين.
وأضاف "باعتبار الصين تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم والشريك التجاري الأكبر للإمارات، فإن علاقتنا الاقتصادية متجذرة".
وقال القنصل العام الصيني في دبي: "حققت الصين والإمارات العربية المتحدة إنجازات ملحوظة في المشاريع الرئيسية والتبادلات التجارية للتنمية المشتركة لمبادرة الحزام والطريق، وهو ما لا يمكن فصله عن التواصل العميق والسليم بين الشعبين على كلا الجانبين".
وقال "على مر السنين، كانت التبادلات والتعاون الثقافي بيننا مثمرة، مشيراً إلى مثالين حول أهمية التواصل الشعبي كجزء في بناء الحزام والطريق، إذ تحدث عن موكب عيد الربيع في دبي الذي شاركت في تنظيمه القنصلية العامة واللجنة التنفيذية لـ Hala China، أربع مرات".