الإمارات والصين.. تعاون مناخي رفيع يتوّج 40 عاما من العلاقات الوثيقة
أصبح التعاون في جهود مكافحة التغير المناخي والحفاظ على البيئة من الركائز الأساسية المتينة لعلاقات التعاون بين الإمارات والصين التي تمتد على مدار 40 عاما.
واليوم الجمعة، بعث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، برقية تهنئة إلى شي جين بينغ رئيس الصين، بمناسبة مرور 40 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وتأسست العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والصين في نوفمبر/تشرين الثاني 1984.
وافتتحت سفارة الصين بأبوظبي في أبريل/نيسان 1985، وتم إنشاء القنصلية العامة بدبي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1988.
وتمر هذه الذكرى في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية حقبة ذهبية ومتميزة وتطوراً مستمراً في إطار توجيهات القيادة الرشيدة في البلدين، خاصة على صعيد التعاون المناخي.
تعاون مناخي لصالح الكوكب
أعلنت الصين خطتها للحياد المناخي بحلول عام 2060 وأطلقت 10مبادرات رئيسية في هذا الصدد ودفعت الجهود الهادفة إلى خفض الكربون والتحول الأخضر، في حين أعلنت دولة الإمارات عن استراتيجيتها للطاقة 2050 لتعزيز جهودها للوصول إلى الحياد المناخي بحلول 2050.
وباشرت الصين والإمارات التحرك على صعيد تعزيز التعاون في مجال مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، واستكشاف فرص التعاون في مجالات الطاقة والعلوم والتقنية وغيرها من المجالات الهامة للبلدين.
وتستجيب الصين لمواجهة التغير المناخي وتلتزم بتسريع التحول إلى اقتصاد عالمي أخضر ومنخفض الكربون، وهو ما يتماشى مع أهداف دولة الإمارات في هذا الملف.
وتتبنى الصين في إطار جهودها لمكافحة التغير المناخي مجموعة من الخطط والقرارات تراعي التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على التنوع البيولوجي، فعلى مدى العقد الماضي، التزمت بنهج التنمية الخضراء، وهو ما تجلى في البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز التعاون الدولي في مجالات البنية التحتية الخضراء، والطاقة المتجددة، وإدارة البيئة الإيكولوجية، بما يضمن التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على التنوع البيولوجي ومكافحة التغير المناخي.
ونجحت الإمارات خلال السنوات الماضية في ترسيخ مكانتها العالمية كعلامة بارزة في تطوير الأنظمة والإستراتيجيات المتعلقة بالاقتصاد الأخضر، وباتت رائدا دوليا في دعم الجهود المبذولة للتصدي للتغيرات المناخية وتطوير نماذج واقعية للحد من آثارها الاقتصادية، وتشكل الأجندة الوطنية الخضراء 2030 خطة طويلة الأجل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في دولة الإمارات، وجعل اقتصادها أكثر صداقة للبيئة، وبحلول 2030 ستعمل الأجندة على تنفيذ ومتابعة المبادرات والمشاريع لتحقيق أبرز المنافع المتوقعة عند التحول إلى الاقتصاد الأخضر.
نشر حلول الطاقة المتجددة
وأكدت الصين اهتمامها بتعزيز علاقاتها وشراكاتها الاستراتيجية مع دولة الإمارات، خاصة أن الإمارات هي من ضمن الدول الرائدة في مجالات نشر حلول الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة والحد من تداعيات تغير المناخ على الصعيدين المحلي والعالمي.
ويعكس الاهتمام الكبير الذي يحظى به قطاع الطاقة المتجددة مدى التزام دولة الإمارات بالتوجه نحو تنويع مصادر الطاقة المستدامة وهو بمثابة دليل واقعي على مقدرة الإرادة الطموحة للقيادة الرشيدة على توفير الظروف الملائمة في السوق لاستقطاب الاستثمار في تنمية قطاع الطاقة المتجددة وتعزيز النمو الاقتصادي.
وتتنوع مجالات التعاون المثمر بين الإمارات والصين، إذ تشمل الاستثمار ودعم التنمية المستدامة في مجالات الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر ومنها على سبيل المثال وليس الحصر أكبر مشروعات الطاقة المتجددة بالمنطقة باستخدام تقنيات الألواح الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة في كل من أبوظبي ودبي، بقدرة إنتاجية تتجاوز 1800 ميغاواط.
وترتبط الإمارات بعلاقات قوية مع الصين على مستوى القطاعات البيئية والتنوع الغذائي، وتسعى الدولتان إلى تعزيز هذه العلاقات وتوظيف أحدث التقنيات في المجال البيئي والزراعي والحيواني وتبادل الخبرات مع الجهات المعنية وعقد شراكات بين المؤسسات الحكومية والخاصة في كلتا الدولتين بما يخدم تحقيق التنمية المستدامة وضمان التنوع الغذائي، وتحتضن دولة الإمارات ما يزيد عن 740 من الشركات الصينية العاملة في مختلف مجالات البيئة والتنمية المستدامة.
زراعة الصحراء
وتتضمن علاقات الشراكة الاستراتيجية الإماراتية - الصينية التعاون في مجال زراعة المناطق الصحراوية وزيادة الإنتاج المحلي من خلال توسيع رقعة الأراضي الزراعية وتعزيز مساهمتها في التقليل من الظواهر الطبيعية كالعواصف الرملية بالإضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وزيادة المخزون الاستراتيجي في دولة الإمارات على المدى الطويل خاصة وأن التقنيات الصينية تعتمد على استصلاح الأراضي بشكل مباشر وتحويلها إلى تربة زراعية دون إضافة أي مواد كيميائية.
وفقا لوكالة أنباء الإمارات "وام"، تتشارك الدولتان في إقامة العديد من المشروعات الكبرى مثل مشروع زراعة الأرز في المنطقة الصحراوية، ومشروع تطوير الأراضي الصحراوية زراعيا باستخدام تقنيات حديثة وغيرها من المشاريع التي تغطي المجالات البيئية الأخرى.
أما في مجال المبادرات للتصدي للتغير المناخي، فقد أطلقت الصين برنامج مبعوث طريق الحرير الأخضر وبرنامج التعاون بين بلدان الجنوب لمكافحة التغير المناخي. وتم توقيع أكثر من 40 وثيقة تعاون مع أكثر من 30 دولة، وتنفيذ أكثر من 70 مشروعاً في هذا المجال مع دول مختلفة.
وفي مجال توليد الطاقة النظيفة، تمكنت الصين من بناء أكبر نظام في العالم لتوليد الطاقة النظيفة، وإنشاء سوق لتداول انبعاثات الكربون. وفي عام 2022، شكلت القدرة المركبة الجديدة للطاقة المتجددة في الصين نحو نصف الزيادة العالمية في هذا المجال.
كما ساهمت المنتجات الكهروضوئية وطاقة الرياح التي صدرتها الصين في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بنحو 573 مليون طن، ما يمثل حوالي 41% من خفض الانبعاثات العالمية المحولة بواسطة الطاقة المتجددة.
حماية البيئة
وفي مجال حماية البيئة، تلتزم الصين بحماية المياه النقية والجبال الخضراء. وتم تعزيز حماية البيئة الإيكولوجية وتنقيح أكثر من 10 قوانين بيئية.
وتسعى الصين إلى دمج ذروة الكربون وحياد الكربون في التخطيط العام للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع تحديد خطوط حمراء للحماية البيئية وتعزيز الأنماط المستدامة في الإنتاج والحياة.
وفي الوقت نفسه، دعمت الصين النمو الاقتصادي المستدام بأكثر من 6% سنويا، مع تخفيض كثافة الطاقة بشكل ملحوظ، وارتفاع نسبة استهلاك الطاقة النظيفة إلى 25.9%.
وفي إطار تعزيز الشراكات الدولية، وقّعت الصين حتى أغسطس/آب 2023 أكثر من 200 وثيقة تعاون مع أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية، مع التركيز بشكل خاص على بناء الحزام والطريق الأخضر. كما أطلقت مبادرة الشراكة في التنمية الخضراء للحزام والطريق مع 31 دولة، في خطوة مهمة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستوى العالمي.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الصين كانت القوة الدافعة وراء هيمنة الطاقة الشمسية على الاستثمار العالمي في توليد الطاقة المتجددة في العام الماضي، حيث شهدت طفرة غير مسبوقة بلغت نحو 53 غيغاواط أي أكثر من نصف الإجمالي العالمي واستثمار نحو 86.5 مليار دولار بزيادة قدرها 58%.
ونجحت الإمارات خلال السنوات الماضية في ترسيخ مكانتها العالمية كعلامة بارزة في تطوير الأنظمة والاستراتيجيات المتعلقة بالاقتصاد الأخضر، وباتت رائدا دوليا في دعم الجهود المبذولة للتصدي للتغيرات المناخية وتطوير نماذج واقعية للحد من آثارها الاقتصادية.
استثمارات ضخمة
وتستثمر الدولة ما بين 150 و200 مليار درهم حتى عام 2030 لضمان تلبية الطلب على الطاقة واستدامة نمو اقتصاد الدولة، فضلاً عن رفد سوق الوظائف بـ50 ألف وظيفة خضراء جديدة بحلول 2030.
وعززت دولة الإمارات حضورها ودورها خلال العقود الأخيرة كلاعب عالمي رئيسي وداعم لقضايا العمل المناخي وإيجاد الحلول المستدامة والمبتكرة، وبفضل رؤية القيادة الرشيدة وتوجيهاتها باتت أول دولة في المنطقة تعلن عن مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
واستضافت دولة الإمارات في مدينة إكسبو دبي فعاليات النسخة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28"، خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتمكن COP28 بشكل إجمالي من حشد وتحفيز تعهدات قيمتها أكثر من 85 مليار دولار لدعم التمويل المناخي، ما يُعد إنجازاً تاريخياً يُمهد الطريق لحقبة جديدة من العمل المناخي.
وحظي COP28 بتقدير واسع لتركيز رئاسته على شمول واحتواء الجميع، وذلك من خلال حرصها على توحيد جهود كافة الجهات الفاعلة للمساهمة في تحقيق النتائج المنشودة، من القطاعين الحكومي والخاص ومنظمات المجتمع المدني والقيادات الدينية وممثلي الشباب والشعوب الأصلية، كما تمت دعوة جميع القطاعات للمساهمة في العمل المناخي، خاصةً قطاع النفط والغاز، الذي أثبت أنه جزء أساسي وضروري من الحل.
وبموجب "اتفاق الإمارات" تلتزم كافة الأطراف لأول مرة بتحقيق انتقال مُنظم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة خالية من الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، وبالإضافة إلى هذا التعهد غير المسبوق اتفقت الدول على زيادة القدرة الإنتاجية العالمية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة بحلول عام 2030.
وشهد COP28 أيضاً تقديم استجابة فعّالة لنتائج أول حصيلة عالمية لتقييم التقـدم فـي تنفيذ أهداف اتفاق باريس، وقال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إن "اتفاق الإمارات يشكل خريطة طريق للحفاظ على إمكانية تحقيق هدف تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية".
كما تؤكد نتائج الحصيلة العالمية بوضوح ضرورة الحفاظ على هذا الهدف، مما يتطلب خفض الانبعاثات بشكل ملموس وكبير خلال هذا العقد الحاسم بالنسبة للعمل المناخي.
لأول مرة في تاريخ مؤتمرات الأطراف شهد COP28 الاتفاق على نص حول الانتقال إلى منظومة طاقة خالية من مصادر الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، بعد مناقشة هذا الأمر لسنوات طويلة دون تحقيق تقدم.