تسعى دولة الإمارات دائمًا إلى تعزيز دورها الإقليمي والدولي من خلال رؤية استراتيجية شاملة تتجاوز الأبعاد الإنسانية والتنموية لتشمل الأهداف الجيوسياسية والجيواستراتيجية، بهدف تحقيق الاستقرار في مناطق حيوية مثل أفغانستان..
هذه الدولة، التي تتموقع في قلب آسيا، تمثل نقطة ارتكاز حيوية بين جنوب آسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، مما يجعلها محط اهتمام القوى الكبرى.
تحولات استراتيجية في المنطقة
تعيش منطقة الشرق الأوسط تحولات سياسية واقتصادية هامة، ما يدفع العديد من الدول إلى إعادة صياغة استراتيجياتها بما يتماشى مع مصالحها الوطنية والإقليمية.
في هذا السياق، برزت الإمارات كلاعب رئيسي يعتمِد على سياسة مرنة وواقعية تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وضمان مصالحها، خاصة بعد عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان عام 2021.
هذه التغيرات دفعت الإمارات لتطوير قنوات تواصل مع حكومة طالبان، مركزة على الجوانب الاقتصادية والتنموية بهدف دعم إعادة الإعمار في أفغانستان وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
دوافع الإمارات لفتح قنوات التواصل مع طالبان
تعتمد سياسة الإمارات في التعامل مع طالبان على رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في أفغانستان.
استقبال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، سراج الدين حقاني، وزير الداخلية في حكومة طالبان، تمثل خطوة هامة في تعزيز التعاون الثنائي في المجالات الإنسانية والتنموية. وتُظهر هذه الزيارة التزام الإمارات بتقديم الدعم اللازم لأفغانستان بعد سنوات من الصراع المستمر، بما يعكس رؤية الدولة في تحقيق السلام والازدهار في المنطقة.
في سياق مماثل، شهدت أبوظبي زيارة أخرى للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الملا محمد حسن أخوند، رئيس وزراء أفغانستان، للاطمئنان على صحته، مما يعكس روح الإنسانية وحرص الإمارات على تعزيز علاقاتها الثنائية مع أفغانستان. كما جرت العديد من اللقاءات بين المسؤولين الإماراتيين والأفغان، بما في ذلك مع وزير الخارجية الأفغاني.
وفي 8 يناير 2025، استقبل الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، في أبوظبي، مولوي أمير خان متقي، وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة. وتم التأكيد على التزام الإمارات بدعم الشعب الأفغاني في سعيه لتحقيق الاستقرار والتنمية. ناقش الجانبان سبل تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والتنموية، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية.
الأبعاد الجيوسياسية والجيوستراتيجية
على الرغم من التحديات السياسية والأمنية في أفغانستان، تظل الإمارات ملتزمة بتقديم نموذج تنموي بعيد عن الأجندات السياسية المباشرة، مما يعزز مكانتها كفاعل دولي يسهم في تحقيق الاستقرار العالمي.
وتعد أفغانستان ساحة لتنافس القوى الكبرى، وهو ما يمثل تحديًا جيوسياسيًا للإمارات. ومع ذلك، تسعى الإمارات إلى تعزيز علاقاتها مع القوى العالمية مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين وروسيا، بما يضمن لها دورًا مؤثرًا في التوازن الإقليمي.
التعاون الإقليمي ودور الإمارات في تعزيز الاستقرار
تسعى الإمارات لتحقيق استقرار أفغانستان من خلال دعم مشاريع تنموية كبيرة، مثل مدينة الشيخ زايد السكنية وجامعة الشيخ زايد في خوست، التي تسهم في تحسين الحياة اليومية للمواطنين الأفغان. هذه المشاريع تعزز من دور الإمارات وتساهم في ترسيخ مكانتها بأفغانستان، مع دعم استقلالية الإمارات السياسية في المنطقة.
المساعدات الإنسانية
ترتكز الإمارات على تقديم مساعدات عاجلة للأسر الأفغانية المتضررة من النزاعات والكوارث، بما في ذلك الغذاء والإيواء والرعاية الصحية، مما يعكس التزامها بتخفيف معاناة الشعب الأفغاني بعيدًا عن التعقيدات السياسية.
مشاريع البنية التحتية
من أبرز مشاريع الإمارات في أفغانستان "مدينة الشيخ زايد السكنية"، التي توفر مساكن آمنة ومرافق متكاملة للأسر المحتاجة، ما يعزز من تحسين الظروف المعيشية في كابول
دور التعليم في بناء المستقبل
تأسيس جامعة الشيخ زايد في خوست يمثل خطوة استراتيجية لدعم التعليم العالي، حيث توفر الجامعة فرصًا في مجالات حيوية مثل الطب والهندسة، وتساهم في تأهيل كوادر قادرة على المشاركة في إعادة إعمار البلاد، مما يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي.
الرعاية الصحية والتنمية المستدامة
استثمرت الإمارات في بناء مستشفيات وعيادات لتوفير الرعاية الطبية للأسر المحتاجة، ما يساعد في تحسين جودة الحياة وزيادة الوصول إلى خدمات صحية متطورة.
أثر الجهود الإماراتية على الاستقرار في أفغانستان
ساهمت الإمارات من خلال مشاريعها في تعزيز الأمن والتنمية في أفغانستان. كما ساعدت مشاريع التعليم والإسكان والصحة في تحسين الاستقرار الاجتماعي وتعزيز السلام في مجتمع يعاني من الاضطرابات.
تحسنت البنية التحتية مثل الطرق والمرافق العامة، مما دعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل، ما ساهم في تخفيف البطالة وتقليل التوترات الاجتماعية وتحقيق استقرار المنطقة.
هذا النهج الاستراتيجي يعكس قدرة الإمارات على التفاعل مع التحديات السياسية والأمنية، ويعزز مكانتها كقوة دبلوماسية فاعلة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
الاستنتاج: رؤية الإمارات في إطار جيوسياسي
إن جهود الإمارات في أفغانستان تعكس رؤية شاملة تستند إلى معالجة الأزمات من جذورها من خلال مشروعات استراتيجية تركز على الإنسان أولاً. هذه الرؤية ليست مجرد مبادرات خيرية، بل تمثل استثمارًا في الاستقرار الإقليمي والدولي. ومن خلال تعزيز الاستقرار في أفغانستان، تضع الإمارات نفسها كلاعب رئيسي في صياغة مستقبل المنطقة.
مع ذلك، يبقى التحدي في استمرار هذه الجهود في مواجهة التعقيدات السياسية والأمنية التي تعصف بأفغانستان. لكن الإمارات، باستراتيجيتها الشاملة، أثبتت قدرتها على تجاوز هذه التحديات من خلال تقديم نموذج مبتكر للتنمية المستدامة التي تخدم الإنسان والمصالح الاستراتيجية على حد سواء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة