قرار "الكوتة النسائية" لم يأت اعتباطاً بقدر ما أنه يعكس نشاط المرأة الإماراتية وفاعليتها في المجتمع
اليوم سيذهب بعض مواطني دولة الإمارات الذين وردت أسماؤهم ضمن الهيئة الانتخابية من الرجال والنساء إلى صناديق الاقتراع من أجل الاستفادة من فترة الاختيار المبكر لنصف أعضاء المجلس الوطني الجديد الذي يتكون من أربعين عضواً، وذلك خلفاً للمجلس السابق الذي انتهى فصله التشريعي (أربع سنوات) في شهر يونيو/حزيران الماضي، وبانطلاق هذه الانتخابات تكون دولة الإمارات قد أعلنت مرحلة جديدة من استراتيجية التمكين السياسي لمواطنيها، التي أطلقت عام 2005.
ومنذ أغسطس/أب الماضي والمجلس الوطني الاتحادي هو محور حديث أغلب الإماراتيين إن لم يكن كلهم من حيث: الاستعدادات للانتخابات الحالية للراغبين في الترشح، ومن حيث كيفية عمل المجلس والحقوق والواجبات المترددة على كل عضو، حتى وصلت النقاشات إلى تقييم عمل المجالس السابقة، وهي ظاهرة تعتبر صحية في المجتمعات الحية، على اعتبار أنه لا توجد تجربة أو عمل أياً كان بلا ملاحظات. وكان يتم هذا الحديث إما في وسائل الإعلام المختلفة لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي، الساحة التي يعبر فيها الجميع عن رأيه وإما في المجالس الخاصة.
الهدف النهائي من كل هذا هو إشراك المواطنين في عملية اتخاذ القرار الذي بات اليوم مهما، نظراً لتشعب القضايا والأزمات، ولهذا فإن الشيء المهم الذي ينبغي على الذين لديهم أصوات لاختيار المرشحين بدءاً من اليوم لحين بدء الانتخاب في 5 من أكتوبر/تشرين الأول هو اختيار المرشح المناسب
إن انسيابية العمل الانتخابي بدءاً من إعلان قائمة الهيئة الانتخابية مروراً بتسجيل المرشحين ووصولاً إلى الاقتراع الذي تم في الخارج، والذي يهدف بالأساس إلى لفت انتباه المراقب الخارجي بالتجربة الانتخابية الإماراتية لها تفسيرات منطقية ومعنوية، أهمها الاستعدادات المبكرة للجهات المختصة بهذا العمل، وكذلك الخبرة التي اكتسبها الإنسان الإماراتي في تنظيم هذا الفعل، إضافة إلى إحساس المرشحين والناخبين بحجم المسئولية في إظهار هذه التجربة على أكمل وجه، ولكن هذا لا يعني أنها لم تسجل انتقادات، خاصة فيما تضمن الحملات الدعائية للمرشحين.
أما أهم ما يميز الفصل التشريعي السابع عشر -الفصل الحالي- أنه يمثل نقلة نوعية في مسار التمكين السياسي للمرأة الإماراتية، كونه يشهد إعلان "كوتة نسائية" هي الأولى على مستوى العالم العربي، والرابعة على المستوى العالمي، بحيث تجعل هذه النقلة المرأة ممثلة في الدورة الرابعة للانتخابات الإماراتية بنسبة 50%، أي سيكون هناك عشرون امرأة بدءاً من هذا الفصل، وهي خطوة من الناحية العملية تجعل دولة الإمارات في مراكز متقدمة في العالم، من حيث الاهتمام بحقوق المرأة واختراق أحد معاقل الرجال في العديد من مجتمعات العالم. فإذا كانت عملية التمكين السياسي قد مرت بمراحل تطويرية بدأت عام 2006 بانتخاب نصف أعضائه وشهدت دخول المرأة فيه لأول مرة، فإن الدورة الانتخابية الرابعة تسجل دخول نصف الأعضاء من النساء.
قرار "الكوتة النسائية" لم يأت اعتباطاً بقدر ما أنه يعكس نشاط المرأة الإماراتية وفاعليتها في المجتمع، ويؤكد بذلك حضورها في فترة الانتخابات من خلال الوجود في المجتمع ومناقشة قضاياه، وفوق كل ذلك يبرز إدراك القيادة السياسية في الدولة لأهمية العنصر النسائي في القطاعات ومنها المجلس.
وبما أن هناك اتفاقا بين دارسي العلوم الاجتماعية على أنه لا يوجد شكل مثالي أو محدد وحيد لطبيعة ونوعية المشاركة السياسية، فهناك نظام يكون فيه كل أعضاء المجلس منتخبين، وهناك نظام الغرفتين جزء منتخب وجزء معين، بقدر أن الهدف النهائي من كل هذا هو إشراك المواطنين في عملية اتخاذ القرار الذي بات اليوم مهما نظراً لتشعب القضايا والأزمات، ولهذا فإن الشيء المهم الذي ينبغي على الذين لديهم أصوات لاختيار المرشحين بدءاً من اليوم لحين بدء الانتخاب في 5 من أكتوبر/تشرين الأول هو اختيار المرشح المناسب، ليكون مساعداً في المشاركة وتشريع القوانين التي تحافظ على المنجزات التي تحققت في الدولة، وأن يكون المراقب و"الضمير" الوطني لمصلحة الوطن والمواطن الذي سيمثله خلال السنوات الأربعة المقبلة.
معروف عن دولة الإمارات في تجربتها التنموية أنها ليست من الدول التي تستسهل نسخ التجارب الاجتماعية والإنسانية من الآخرين حتى لو كانت تصنف بأنها ناجحة، لأن قيادتها السياسية مدركة أن كل تجربة لها مكانها المناسب أو البيئة التي توفر لها أسباب النجاح، كما أن مسألة تطبيق تجربة تنموية ليست مسألة تتم بعيداً عن طبيعة ثقافة المجتمع وعاداته، وبالتالي فإن معايشتها وخوضها بما يتناسب وطبيعة المجتمع حتى لو أخذ وقتاً يبقى هو الخيار الأفضل والمناسب ربما لهذا السبب نجد أن التجارب الإماراتية في المجالات التنموية رغم أنها مختلفة إلا أنها ناجحة ونموذجية، وهي في الوقت نفسه تحفظ لمجتمع الإمارات إرثه وقيمه الخاصة.
تظهر مؤشرات التجربة الانتخابية في كل مرحلة جديدة أنها تسير كما هو مخطط لها نحو التمكين السياسي الكامل والحقيقي لمواطني الدولة، ولكن بخطوات مدروسة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة