نقول لقادة قوى الحرية والتغيير ولمعالي الدكتور عبد الله حمدوك ووزراء حكومته الأكفاء والنجباء، لا تأخذكم في الحق لومة لائم
منذ انقلاب 1989 المشؤوم الذي خططت له الحركة الإسلامية السودانية بقيادة حسن عبدالله الترابي وأعوانه، وأسقطت به حكومة "الصادق المهدي" واستولت على الحكم بدعم من بعض الضباط في القوات المسلحة السودانية، لتقوم بعد الانقلاب باختيار عمر حسن البشير كونه أكبر الضباط رتبة في الجيش وقتها، ليعلن عن الانقلاب وينصب نفسه رئيساً للسودان.
بعد استيلاء الكيزان على السلطة عملوا على تمكين قادتهم ورموزهم وقاموا بعزل كفاءات كانت في الخدمة العامة، وقاموا بتعيين أعضاء الحركة الإسلامية في مختلف الجهات الحكومية لتحقيق أجندتهم.
نقول لقادة قوى الحرية والتغيير ولمعالي الدكتور عبد الله حمدوك ووزراء حكومته الأكفاء والنجباء، لا تأخذكم في الحق لومة لائم، وألا تنقادوا وراء ضعفاء الأنفس من الإسلاميين الذين يسعون لإحباط الثورة السودانية بمختلف الطرق وهم من تربوا على يد "الترابي" الذي اشتهر بالدسائس والمكائد وأورثها لمن بعده من الكيزان.
وكنتيجة طبيعية للوضع المهترئ والمتدهور والصعب على الشعب السوداني في ذلك الوقت، من انعدم "الخبز والدقيق والسكر والأدوية" وغلاء المعيشة وغيرها من الأسباب القاسية على الشعب السوداني، وضعف حكومة "الصادق المهدي" التي لم تحقق تطلعات الشعب السوداني، نجح مخطط الكيزان واستولوا على السلطة في السودان. بعد استيلائهم على الحكم وتحكمهم في مفاصل الدولة، بدأ الإخوان في حبك الخطط والدسائس لإزاحة العسكر وحرمانهم من حكم السودان والانفراد بالسلطة.
ونتيجة لاختلافهم في الرأي والتوجهات حصلت المفاصلة الكبرى بين العسكر والحركة الإسلامية، وقام عمر البشير باستمالة عدد من أعضاء الحركة الإسلامية لجانبه، وشهد السودان ميلاد حزبين متناحرين، حزب المؤتمر الوطني بقيادة عمر حسن البشير، وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن عبد الله الترابي، بعد هذه المفاصلة التاريخية شكل البشير حكومة الإنقاذ، وكما زعموا أنها حكومة إنقاذ السودان حسب زعمهم، لكنها قامت بإغراقه وتدميره ونهب خيراته، فقد فرقت الشعب بين موالٍ وخائن وكوز، وشردت الشباب والشابات خوفاً من بطشهم وظلمهم ونظامهم العام الذي مارس البطش والتعذيب بكل أنواعه على الشعب السوداني.
منذ استيلاء الكيزان على الحكم عملوا على استيعاب وتجنيد الشباب والشابات في الحركة الإسلامية، فبدأوا في إنشاء وحدات جهادية لحمايتهم وحماية مصالحهم، ومن ثم أنشأوا قوات الدفاع الشعبي لاستقطاب وتجنيد أكبر عدد من أبناء السودان، واستحدثوا الكتائب الجهادية في الجامعات.
ولاستيعاب أكبر عدد من أبناء السودان خرج "عراب" الحركة الإسلامية حسن الترابي بفكرة تجنيد خريجي الثانوية العامة في عمر مبكر، وإعلان قرار تم بموجبه استحداث الخدمة الوطنية على كل سوداني، وكانت أول دفعة للخدمة الوطنية عام ١٩٩٧ بهدف تجنيد الشباب لغسل أدمغتهم بأفكار الإخوان وتحقيق مطامع الكيزان في السلطة والانتشار في كل بقاع السودان، وخلق جيل موالٍ لهم ولأفكارهم. وكانت المعسكرات في كل ولايات السودان بحجة "الحرب على جنوب السودان" وضرورة مشاركة كل أبناء السودان في الحرب التي لا يوجد لها مبرر ولم يقتنع بها أي أحد من الشعب السوداني، فقد قتل فيها شباب السودان من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وأدخل السودان في حرب استمرت أكثر من ٢٥ عاما وانتهت بانفصال جنوب السودان، واستنزفت مواده وخيراته وقتلت أبناءه من الجانبين.
حرص الكيزان في فترة التدريب بالخدمة الوطنية على عقد الندوات وتنظيم المحاضرات التي ترغِّب المجندين في الانضمام للحركة الإسلامية وتغرس الفكر الإخواني فيهم مبكراً، وتختار أفضلهم للانضمام لهم من خلال دس أعضائها بين المجندين لمعرفة المتميزين منهم، وكانت الجلالات العسكرية في التربية البدنية في ذلك الوقت يتغنى بها المجندون في الخدمة والتي تدور حول مفاهيم الإخوان المسلمين، ومنها على سبيل المثال "لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء.. أو ترق منا الدماء.. أو ترق منهم دماء.. أو ترق كل الدماء" وغيرها من شعارات الإخوان التي كانت تتردد في المعسكرات لترسيخ فكر ومعتقدات الحركة الإسلامية.
قام قادة الكيزان بزيارات دورية مستمرة ومرتبة لهذه المعسكرات لعقد وتنظيم المحاضرات للمجندين، وكذلك لاختيار قادة المستقبل منهم، ضمانا لاستمرار نهجهم الهدام وفكرهم الشيطاني، من هذه المعسكرات تخرجت شخصيات عملت ولا تزال تعمل في جهاز الأمن وكتائب الظل وكتائب المجاهدين الجامعية، والعديد من الذين شغلوا مناصب في حكومة الإنفاذ هم من خريجي الخدمة الوطنية الذين تم استيعابهم في الحركة الإسلامية ويدينون بالولاء الكامل للكيزان.
لكن إرادة الشعب السوداني كانت أقوى من الكيزان وجبروتهم وبطشهم، وشاءت إرادة الشعب السوداني وشبابه الغيورين على وطنهم أن تنحيهم من سدة الحكم بثورة شعبية قادها شباب وشابات السودان الذين كان دافعهم شعار ثورتهم "حرية سلام وعدالة".
إن ما حققته الثورة السودانية باقتلاع نظام متمرس وديكتاتوري لهو إنجاز عظيم يتفاخر به كل أبناء السودان.
لذا نقول لقادة قوى الحرية والتغيير ولمعالي الدكتور عبد الله حمدوك ووزراء حكومته الأكفاء والنجباء، لا تأخذكم في الحق لومة لائم، ولا تنقادوا وراء ضعفاء الأنفس من الإسلاميين الذين يسعون لإحباط الثورة السودانية بمختلف الطرق، وهم من تربوا على يد "الترابي" الذي اشتهر بالدسائس والمكائد وأورثها لمن بعده من الكيزان.
لا شك أن تصفية فلول نظام الإنقاذ واجب لا بد منه، لكن ليس بالتسرع وإصدار القرارات المتعجلة التي لا يحمد عقباها، والتي ستقود البلاد إلى الهاوية وتعيدنا إلى البداية وإلى سنوات القهر والجبروت الإخواني. بل يجب التريث في كل خطوة حفاظاً على مكتسبات الثورة السودانية.
هنا يتحقق طموح الشعب الذي وثق فيكم وبارك وجودكم، وهنا تفشل مساعي الكيزان التي يسعون من خلالها إلى خلق تفرقه في الرأي العام السوداني، وإلى تمرير أجندتهم وأن تقوم حكومة الثورة بعمل ما عملته الإنقاذ منذ انطلاقها، من عزل وإحالة للصالح العام وفصل وغيرها من الأفعال المشينة دون دراسة وقراءة واقعية للوضع السوداني.
لا بد من محاسبة كل من أجرم في حق الشعب السوداني، وكل من نهب خيرات البلاد والعباد، ومارس الفساد واستباح دماء الأبرياء، وسرق أموال الشعب، كذلك لا بد من أخذ حقوق الشهداء كاملة بمحاكمة كل من تلطخت يده بدماء الأبرياء من أبناء السودان. ولتحقيق ذلك يجب وضع الأيدي على مكامن الأشياء قبل فقدانها وقبل تدليسها من قبل الكيزان وإخفائها، والانقياد وراء الانتقام، الآن الانتقام يقود إلى غياهب الظلمات ويعمي العيون، فيطيح بكل أهداف الثورة الشعبية.
يجب تحكيم العقل والمنطق، فهما الضامن الوحيد لاستعادة كل ما نهُب في عهد الإنقاذ والتفكير السليم في صياغة القوانين بما يحقق ميثاق "حرية سلام وعدالة" فهو الحل المثالي لكل مشاكل السودان الداخلية والخارجية.
إن التشفي والانتقام لا مجال لهما في هذا الوقت، لأن المرحلة الحالية صعبة على الجميع ويجب تضافر الجهود لنهضة السودان والمساهمة في التعمير ليستعيد السودان بريقه وأمجاده، وننعم بتنمية مستدامة تحقق تطلعات أجيال المستقبل، وترسخ مفهوم "حرية سلام وعدالة".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة