يظل خلق أنموذج سياسي وتنموي ناجح هدفاً من أهداف حركات التحرر العربي خلال القرن العشرين.
فهدف معظم حركات التحرر، التي شهدها عالمنا العربي، كان يرتكز ليس فقط على التخلص من الاستعمار، ولكن بناء أنموذج سياسي ناجح وخلق تنمية حقيقية للشعوب العربية لانتشالها من حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى حالة التنمية الشاملة.
وفي الواقع، فإن مفهوم الاستعمار لا يرتبط فقط بحركة التوسع واستغلال الموارد والهيمنة من جانب الدول القوية على حساب الدول الضعيفة، ولكن سلب تلك الشعوب قدرتها على التحكم في مصيرها.
إن للاستعمار أشكالاً متعددة، منها الحماية، ومنها الاحتلال وفرض الهيمنة والتدخل العسكري، وغيرها من وسائل رهن القرار الوطني.
ويمكن القول إن وضع الإمارات وبريطانيا قبل ديسمبر 1971 كان وضعاً فريداً.. فلم يكن هناك وجود عسكري فعلي على أرض الإمارات، ولم يكن هناك تدخل بريطاني بالمعنى المتعارف عليه في الشؤون الداخلية.
ولكن من الأسباب، التي عجّلت باستقلال الإمارات كان وجود شخصيات قيادية في المنطقة، منها الشيخ زايد في أبوظبي، والشيخ راشد في دبي، وشخصيات قيادية أخرى في الإمارات المجاورة، وكانت هناك ثقة كبيرة في قدرة تلك الشخصيات على قيادة المنطقة خلال الظروف الراهنة والسير بالسفينة في المياه المتلاطمة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أحاطت بمنطقة الخليج العربي ككل أطماع إقليمية ودولية كان على بريطانيا أخذها في الاعتبار قبل إعطاء الإمارات استقلالها.. فظهور قوى عالمية جديدة وقدراتها التكنولوجية العسكرية المتطورة قد خلقت مناخاً سياسياً جديداً وأدخل العالم في حرب باردة خلفت وراءها معسكرين متنافسين: شرقي وغربي، بالإضافة إلى ذلك فقد شعرت بريطانيا بالضغوط التي تتعرض لها في ظل تنامي تيارات التحرر والاستقلال في العالم الثالث ككل والحركات الاستقلالية التي ما انفكت تشهدها المنطقة العربية.
وفي الإمارات كان الشعور بالرغبة في التحرر وامتلاك الحق في إدارة القرار الوطني حقيقياً ونابعاً من عوامل عدة، منها الرغبة في تحديث المجتمع، الذي عانى لسنوات من الفقر والتخلف، والاستفادة من الموارد الاقتصادية الجديدة، المتمثلة في النفط، لتنمية البلاد تنمية حقيقية، وخلق فرص عمل جديدة للمواطنين.
كان كل ما في المجتمع ينبئ بحركة تغيير حقيقية قادمة لا محالة.. وكان على بريطانيا الأخذ في الاعتبار هذه العوامل والتحرك بسرعة لخلق وضع جديد لها مبني على التفاهم والحوار والاحترام المتبادل، عوضاً عن الوضع السابق.
وفي ديسمبر 1971 تم إعلان اتحاد الإمارات العربية لتكون أحدث دولة تنضم إلى المنظومة الخليجية.
أثبتت الإمارات منذ استقلالها أنها جديرة بالمكانة التي احتلتها وبالثقة العربية والدولية التي حظيت بها.. فمنذ انضمامها إلى المجموعة العربية وهي تعمل بكل ثقلها لكي تكون سنداً للعرب والقضايا العربية.
وقد سجل التاريخ لها وقوفها مع الدول العربية ضد أي عدوان يطالها داعماً لها بالمال أو العتاد.. كما وقفت بكل قوتها وراء الحق العربي في كل المحافل الدولية، الأمر الذي أكسب الإمارات مكانتها المرموقة، التي تحتلها حتى يومنا هذا.. وعلى الرغم من الظروف الدولية المترجرجة والأوضاع العالمية المتغيرة، فإن مواقف الإمارات الداعمة للحق ونصرة المظلوم لم تتغير أبداً.. فقد بَنَت الدولة سياستها الخارجية على هذا الأساس وأصبح الدعم غير المشروط جزءاً من سياسة الدولة الخارجية.
جاءت ولادة الدولة في وقت كانت المنطقة العربية ككل في حاجة لأنموذج سياسي وتنموي جديد.. ففي ظل تنامي التيارات السياسية المتعددة وفشل بعضها في تقديم أنموذج تنموي، وفشل العديد من المحاولات الوحدوية العربية، جاء أنموذج الإمارات ليعطي المنطقة نوعاً من الاستقرار السياسي، ويقدم أنموذجاً ناجحاً يمكن للمنطقة تطبيقه.. كان نجاح أنموذج الإمارات نابعاً من عوامل عدة، أهمها أنه أنموذج نابع من الداخل وليس أنموذجاً مستورداً.
كما تميز بأنه راعى الضرورات المحلية وابتعد عن الشعارات الرنانة، التي تهدف إلى التضخيم وليس إبراز الواقع.
اجتمعت الشخصيات القيادية للاتحاد على هدف واحد هو المصلحة العليا للاتحاد، وليس الرغبة في القيادة والتسيّد.. ولهذا نجح الاتحاد في مسيرته، بينما فشلت تجارب وحدوية كثيرة.
لم يكن الاتحاد تجربة سياسية فريدة فقط، بل كان تجربة تنموية متميزة أيضاً أضافت للعالم العربي عمقاً استراتيجياً وقدرات اقتصادية هائلة.. إنها دولة الإمارات التي تدخل اليوم بثقة الخمسين عاماً المقبلة.
نقلا عن البيان الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة