الزيارة الأخيرة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى فرنسا، أثبتت مجدداً أن الشراكة الإماراتية الفرنسية تتطور كما خُطط ويراد لها، وتمضي بثقة وثبات.
يأتي ذلك في ظل اهتمام وحرص قيادتي البلدين على تعزيز روابط التعاون في المجالات كافة، ما يعكس متانة هذه العلاقات، التي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنها مسألة تتعلق بروابط قائمة على قيم إنسانية ومُثل عليا تتجاوز الأزمنة والأمكنة.
وشكلت الزيارة دفعة قوية للشراكة الاستراتيجية القائمة وأعطت مؤشراً واضحاً على رغبة قيادة البلدين في الارتقاء بآفاق التعاون نحو مستويات أكثر تقدماً وازدهاراً، حيث وفرت الزيارة زخماً جديداً للتعاون الثنائي، وفسحت المجال أمام استكشاف فرص جديدة للتعاون عبر مختلف القطاعات؛ بهدف دفع النمو الاقتصادي والتصدي للتحديات المشتركة. كما لعبت هذه الزيارة رفيعة المستوى دوراً رئيسياً في مواءمة الرؤى والأهداف وتشكيل الطريق للتعاون الاستراتيجي.
من ناحية أخرى، اكتسبت الزيارة أهمية نوعية من حيث التوقيت، فهي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة الـ28 لتغير المناخ COP28، الذي تحشد دولة الإمارات في ضوئه الجهود الجماعية نحو بناء عالم مستدام ومزدهر مع توفير الموارد الطبيعية من أجل الجميع، وتراهن في ذلك على تعاون كبير مع الجمهورية الفرنسية.
ومن المعروف أن فرنسا تعد أحد أهم اللاعبين المحوريين عالمياً في مجال التغير المناخي، وهو ما تجلى من خلال استضافتها لأعمال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP21 عام 2015 الذي نتج عنه "اتفاق باريس للمناخ"، الذي يعد أحد أهم الاتفاقات المناخية العالمية.
وكانت دولة الإمارات أول دولة بمنطقة الشرق الأوسط توقع على الاتفاق الملزم لخفض الانبعاثات والعمل على التكيف مع آثار تغير المناخ، عام 2016. وبموجب التزاماتها بالاتفاق قدمت دولة الإمارات الإصدار المحدث للتقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنياً بما يدعم أهداف مبادرة دولة الإمارات الاستراتيجية للسعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.
وسيشهد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP28 الذي تستضيفه دولة الإمارات العام الجاري إجراء أول حصيلة عالمية لتقييم التقدم في تنفيذ أهداف الاتفاق، ما يعني توافق رؤى البلدين حول إيجاد حلول ملزمة وعملية لتخفيض الانبعاثات العالمية ومواجهة تحديات التغير المناخي.
ولقد لعبت الزيارة دوراً حيوياً في جذب المزيد من الاستثمارات الفرنسية، التي تتركز حالياً في قطاعات تخدم توجهات دولة الإمارات، الرامية لتعزيز الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الجديد بما تشمله من قطاعات الطاقة والطاقة النظيفة والعمل المناخي والنقل والخدمات اللوجستية والتصنيع والتكنولوجيا المتقدمة، بما يخدم أجندة التنمية المستدامة للبلدين الصديقين.
إن روابط الصداقة الشخصية القوية التي تجمع قيادتي البلدين، تسهم في إيجاد جو من التفاهم وتعزز فرص بناء مواقف مشتركة حيال مختلف الملفات والقضايا، ناهيك عن تأثير هذا العامل المهم في إضافة زخم عميق للتعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.
فدولة الإمارات في عهد ماكرون لم تصبح عميلاً رائداً للصناعة الفرنسية، بل أصبحت ركيزة عمل فرنسا في العالم العربي والإسلامي. ولا خلاف على أن وجود قدر عالٍ من التفاهم والتقاء وجهات النظر بين القادة السياسيين يسهم كثيراً في تقارب الدول، حيث تلعب الكيمياء الشخصية دوراً مؤثراً على الأقل في تسريع وتيرة التقارب وإزالة أي رواسب أو التخلص من أي عراقيل تحول دون بلوغ علاقات البلدين مستويات التحالف والشراكة الاستراتيجية.
فالعلاقات الشخصية القوية بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس إيمانويل ماكرون، تمثل ركيزة قوية لعلاقات الشراكة بين البلدين. وقد أضفى التعاون والتشاور المستمر بينهما عمقاً متزايداً على العلاقات الثنائية، فدولة الإمارات وفرنسا تعاونتا معا في معالجة العديد من الأزمات الاقليمية بمنطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.
وتمثل فرنسا أحد رهانات دولة الإمارات المستقبلية لتنويع شراكاتها الاستراتيجية مع القوى الدولية، فبالإضافة إلى مجالات التعاون العديدة، فإن هناك مجالات مستحدثة للتعاون مثل العمل على دعم استقرار القارة الأفريقية وتحريك عجلة التنمية في دولها، حيث تضطلع دولة الإمارات بدور حيوي في ترسيخ الاستقرار بمناطق عدة في أفريقيا، التي تعد بدورها إحدى مناطق النفوذ الفرنسي التقليدي، ولهذا فإن تعاون الدولتين على هذا الصعيد يصب في مصلحة أمن واستقرار القارة الأفريقية، التي تعد بدورها جزءاً من مقومات أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة