الإمارات وفرنسا.. مبادرات ثقافية وحضارية تنشر السلام والتسامح
![علما الإمارات وفرنسا](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2025/2/07/173-201122-uae-france-cultural-cooperation_700x400.jpg)
تعاون ثقافي وأكاديمي وعلمي متنام بين الإمارات وفرنسا يعزز الشراكة الإستراتيجية التي تربط البلدين ويسهم في نشر السلام والتسامح والوئام.
يزيد من أهمية هذا التعاون أن العلاقات بين الإمارات وفرنسا تتميز بأنها شاملة لا تتوقف عند حد التنسيق السياسي والدبلوماسي فقط، وإنما تمتد إلى المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية والحضارية، وهو ما يعبر عن نفسه في الكثير من المظاهر مثل جامعة السوربون-أبوظبي ومتحف اللوفر-أبوظبي، والتعاون بين البلدين من أجل حماية التراث الثقافي في مناطق النزاعات.
يشهد هذا التعاون نقلة نوعية مع كل قمة تجمع قيادة البلدين وما تشهده من مباحثات واتفاقيات ومبادرات، تجعل العلاقات بين البلدين نموذجا يحتذى في التبادل الثقافي والتفاعل الحضاري والتعاون في مجالات التعليم والفضاء والبيئة وغيرها.
4 زيارات متبادلة
أحدث تلك القمم، عقدت مساء الخميس، عقب وصول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى باريس في زيارة عمل تتوج 4 زيارات متبادلة بين قادة البلدين منذ توليه مقاليد الحكم في 14 مايو/آيار 2022.
وبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال القمة مختلف مسارات العلاقات التاريخية والإستراتيجية التي تجمع البلدين وإمكانيات توسيع آفاقها خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والثقافية بجانب العمل المناخي والطاقة والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي وغيرها من الجوانب التي تعزز رؤية البلدين وتطلعاتهما نحو تحقيق التنمية المستدامة والازدهار.
وشهد الزعيمان توقيع "إطار العمل الإماراتي-الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي"، في خطوة جديدة على طريق تعزيز العلاقات المتنامية بين البلدين في شتى المجالات.
واستبق تلك الزيارة، زيارتين أجراهما الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لفرنسا في يوليو/ تموز 2022، ومايو/آيار 2023، فيما أجرى الرئيس الفرنسي زيارة للإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2023 للمشاركة في قمة المناخ "كوب 28".
قمم القادة في الزيارات الأربع المتبادلة كان للتعاون الثقافي والأكاديمي والعلمي جانبا كبيرا بها.
زيارة 2022.. حصاد ثقافي وعلمي
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا يوليو/تموز 2022 زيارة دولة، والتي تعد الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات، قوبل خلال بحفاوة بالغة.
وتوجت تلك الزيارة بتوقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتنمية آفاقها في مختلف المجالات، بينها اتفاقيات في مجال الثقافية والصحة والفضاء وهي:
- إعلان مشترك للتعاون بين دولة الإمارات وفرنسا في مجال التعليم العالي.
- مذكرة تفاهم بين مركز محمد بن راشد للفضاء والمركز الوطني للدراسات الفضائية في فرنسا حول تعاونهما في استكشاف القمر.
- خطاب نوايا حول رصد الأرض بين مركز محمد بن راشد للفضاء والمركز الوطني الفرنسي للدراسات الفضائية.
ـ خطاب نوايا بشأن أنشطة رحلات الفضاء البشرية بين مركز محمد بن راشد للفضاء والمركز الوطني الفرنسي للدراسات الفضائية.
ــ مذكرة تفاهم للتعاون بين معهد "باستير" ومركز أبوظبي للصحة العامة.
وفي بيان مشترك عقب الزيارة، أكد الرئيسان اتفاقهما على أهمية القطاع الصحي و مجالات التعاون الرئيسة بين البلدين والتي من الممكن التوسع فيها كونها من المجالات ذات الأولوية للتنمية وتبادل الخبرات بين دولة وفرنسا.
ولفت البيان إلى أن مشروع الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية المنبثق عن التعاون المشترك بين مركز أبوظبي للصحة العامة والمستشفيات العامة في باريس أحد أمثلة التعاون الناجحة..فبموجب مذكرة التفاهم الموقعة في شهر ديسمبر عام 2020، نفّذ المشروع فريق من الخبراء الفرنسيين..وقد نجح المشروع في تعزيز النمو والاستدامة والتنافسية العالمية في هذا المجال، فضلاً عن تبادل الخبرات والمعلومات.
ورحب الجانبان بتوقيع مذكرة التفاهم بشأن التعاون بين معهد باستور ومركز أبوظبي للصحة العامة، مشيرين إلى إمكانية أن يسفر هذا التعاون عن نتائج إيجابية للطرفين.
كما أشار الجانبان إلى إمكانات التعاون في مجال التعليم العالي التي تركز على تطوير الخبرات في مجال الرعاية الصحي.
أيضا أكد البيان أن الجانبين يدركان أهمية التعليم والثقافة والعلوم بوصفها من أهم ركائز العلاقة الثنائية بين البلدين، مؤكدين على أهمية المشاريع الحالية مثل جامعة السوربون أبوظبي، والجهود لتوسيع التعاون في مجال التعليم العالي مع مراكز تعليمية فرنسية مثل مدرسة البرمجة إيكول 42 /Ecole 42/ ومدرسة نورماندي للأعمال /EM Normandie/ ومدرسة أوروبا للتجارة /ESCP/.
كما بحث الرئيسان إمكانيات استكشاف فرص جديدة للتعاون الثقافي، وذلك بعد الشراكة الناجحة التي تجسدت في متحف اللوفر أبوظبي.
وعلى صعيد ذي صلة بالتعاون الأكاديمي، التقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال الزيارة عددا من طلبة دولة الإمارات الدارسين في الجامعات والمعاهد في الجمهورية الفرنسية..وحثهم على تحقيق التفوق والنجاح في مسيرتهم العلمية من أجل الإسهام مع بقية إخوانهم الطلبة في تعزيز مسيرة الوطن ونهضته.
وأكد رئيس دولة الإمارات أهمية الدور الذي يضطلع به طلبة الإمارات الدارسين في الخارج كونهم سفراء لوطنهم وجسراً للتواصل ونقل الصورة الحضارية لبلدهم إلى الشعوب الآخرى وإبراز ما يتحلى به شعب دولة الإمارات من قيم تسامح وتعايش وتواصل.
زيارة مايو 2023
أيضا أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارة لفرنسا في مايو/آيار 2023 بحث خلالها مع ماكرون مختلف مسارات الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين وفرص توسيع آفاقها في جميع مجالاتها خاصة الثقافية والبيئية وتغير المناخ وعلوم الفضاء والطاقة المتجددة.
زيارة ماكرون للإمارات
وبعد نحو 6 شهور من تلك القمة، التقى الزعيمان مجددا في الأول من ديسمبر 2023 على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28"، وذلك في مقر المؤتمر في مدينة "إكسبو دبي".
وتم خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية وسبل دعمها وتعزيزها في المجالات المختلفة، وخاصة التنمية المستدامة، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
ونجحت قمة المناخ COP28 في التوصل إلى "اتفاق الإمارات" التاريخي، الذي قدم استجابة طموحة وشاملة لأول حصيلة عالمية لتقييم التقدم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس.
نجاح يتوج تعاون البلدين المشترك لمكافحة تغير المناخ الذي يعد أبرز تحدي يواجه البشرية.
علاقات تاريخية
قمم متتالية تعزز العلاقات الثنائية بين البلدين على مختلف الأصعدة وتدفعها إلى آفاق أرحب.
وتبرز الزيارات الرسمية عالية المستوى، واللقاءات الدورية، حجم التعاون المتنامي بين البلدين، وهو ما نجم عنه إنشاء لجنة الحوار الاستراتيجي الإماراتي - الفرنسي والتي بدأت أعمالها في العام 2008.
وقد أقرت دولة الإمارات وجمهورية فرنسا، في عام 2020، خلال الحوار الاستراتيجي الإماراتي الفرنسي السنوي، خارطة الطريق للعقد القادم 2020-2030 من خلال تحديد الطموحات والمبادرات المشتركة، لا سيما في القطاعات الرئيسية للتعاون الثنائي، مثل: الاقتصاد والتجارة والاستثمار، والنفط والغاز والطاقة النووية والمتجددة والتعليم والثقافة والصحة والفضاء والأمن.
أيضا، أكدت مخرجات الحوار الاستراتيجي الإماراتي الفرنسي السادس عشر الذي عقد في أبوظبي في مايو/آيار الماضي، على تعزيز العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين البلدين الصديقين وخاصة في القطاعات الحيوية الهامة لكليهما، والتزامهما الثابت بمواصلة توطيد وتوسيع الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بينهما في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وفي ما يتعلق بمجال التعليم، أكد الجانبان التزامهما باستمرار توسيع شبكة المدارس الفرنسية في دولة الإمارات والتي تعد حاليا الأكبر على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.
واستعرض الجانبان الأهمية المستمرة للتعاون الثنائي في مجال التعليم العالي مع التركيز بشكل خاص على الخطة الاستراتيجية الجديدة المعدّة لجامعة السوربون - أبوظبي (2024-2028) والتي أطلقت خلال انعقاد مؤتمر الأطراف COP28 "معهد المحيطات لتطوير البحوث"؛ وتركز الجامعة حاليًا على عدد من التوجهات الأكاديمية الجديدة في إطار الفرص المستجدة والأولويات الاستراتيجية لدولة الإمارات، كما رحب الطرفان بتخريج الدفعة الأولى من دفعة مدرسة "42 أبوظبي" في يونيو 2024، والدور الحيوي المرتقب للخريجين في التحول الرقمي المستمر في أبوظبي ودولة الإمارات عموما.
وبموجب مخرجات الحوار تواصل دولة الإمارات وفرنسا تعاونهما المثمر في القطاعات الثقافية والإبداعية، وأشاد البلدان بالنجاح المستمر الذي يحققه متحف اللوفر أبوظبي كونه المتحف الأكثر استقطابا للزائرين في المنطقة.
وفي ما يتعلق بالتعاون في مجال الصحة، ناقش الجانبان فرص التعاون وتسهيل التبادل المعرفي ومشاركة مجالات مختلفة من الخبرات ودفع عجلة التقدم في مجال الصحة العامة والابتكار والبحث العلمي؛ وشدد أعضاء اللجنة الفرعية للصحة أيضا على الالتزام المشترك بتعزيز الخبرة الدولية في مجال رعاية المرضى وتوسيع برامج الإقامة الأكاديمية.
مبادرات رائدة
ويولي البلدان عناية خاصة للشراكة الثقافية بينهما إيمانا منهما بأهميتها في مد جسور التواصل بين شعبي البلدين، وخلال السنوات الماضية شهدت هذه الشراكة إنجازات كثيرة تمثلت في:
- افتتاح متحف اللوفر في أبوظبي الذي يعد أول متحف عالمي في العالم العربي، وأكبر مشروع ثقافي تروج له فرنسا في الخارج.
وكانت أول زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الشرق الأوسط بعد انتخابه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا يومي 8 و9 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بمناسبة افتتاح متحف اللوفر أبوظبي.
- إطلاق جامعة باريس - السوربون أبوظبي التي تأسست عام 2006، حيث تمثل الجامعة اتفاقاً تاريخياً يحقق الرؤية المشتركة بين حكومة دولة الإمارات والحكومة الفرنسية لتحقيق أفضل المعايير في مجال التعليم الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط.
- لعب البلدان دورا رئيسيا في إنشاء التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ALIPH) عام 2016.
- ساهمت دولة الإمارات بـ 5 ملايين يورو لدعم معهد العالم العربي في باريس عام 2017، وتم في العام نفسه افتتاح قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في متحف اللوفر في باريس. علاوة على ذلك، ساهمت دولة الإمارات في ترميم المسرح الإمبراطوري لقصر "فونتينبلو" بالقرب من باريس بمساهمة قدرها 10 ملايين يورو، وبناءً عليه سمي المسرح باسم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
وفي مجال التعليم تشكل المدارس الثانوية الفرنسية السبع المعتمدة في دولة الإمارات سادس أكبر شبكة مدارس فرنسية في العالم من حيث الالتحاق، وتضم أكثر من 10000 طالب، وفي عام 2018 تم تنفيذ برنامج المرحلة التجريبية لإدخال اللغة الفرنسية في جميع المدارس الحكومية في الإمارات حيث يتعلم الآن أكثر من 60 ألف تلميذ اللغة الفرنسية في المدارس الحكومية والخاصة في الدولة.
مشاريع ومبادرات ثقافية رائدة تدعم قيم التسامح وتسهم في تعزيز الحوار والتفاعل والتعايش بين الشعوب والحضارات والثقافات ونبذ التعصب والكراهية، وتبرز تعاون البلدين في العمل من أجل السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.