تؤمن دولة الإمارات بضرورة حفظها للتراث الوطني العريق والانفتاح على الثقافات الأخرى في آن واحد، وكذلك تبادل الخبرات والتجارب.
على الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة ليست من البلدان الفرانكوفونية، أي أن اللغة الفرنسية ليست من اللغات الأولى فيها، فإنها تؤمن بالانفتاح على اللغات والثقافات الأخرى. ومن هذه الخطوات مبادرة وزارة التربية والتعليم في إدراج اللغة الفرنسية ضمن مناهج بعض المدارس الإماراتية.
وقد اعتبر معالي وزير الدولة زكي أنور نسيبة أن الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان المُحرك الأول لحركة الفرانكوفونية في الإمارات، وأنه عمل على توطيد العلاقات الدولية بين الإمارات ودول العالم وأولها فرنسا. وأنه على إثر هذه العلاقات تأسست "الأليانس فرانسيز" الرابطة الثقافية الفرنسية في أبوظبي، ومن ثم المدرسة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي ومن بعدها جامعة السوربون ومتحف اللوفر - أبوظبي. إضافة إلى تطوير علاقات التعاون في مجالات المعرفة والابتكار والإبداع وفتح آفاق أرحب أمام شباب البلدين، وإصدار كتاب "فرنسا والإمارات: شراكة استراتيجية"، و"معرض الشيخ زايد وأوروبا: رحلة سفر"، ومعرض "التصميم الفرنسي: كيف تصنع الابتكارات التاريخ"، في أسبوع دبي للتصميم، والإسهام في مجالات الإبداع والتصميم والسينما والأزياء والموسيقى والأوبرا والمسرح والشعر وغيرها.
تؤمن دولة الإمارات بضرورة حفظها للتراث الوطني العريق والانفتاح على الثقافات الأخرى في آن واحد، وكذلك تبادل الخبرات والتجارب مع البلدان الأخرى في تعزيز قيم الأمن والسلام والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتنوع الثقافي
إن مشاركة دولة الإمارات في القمة الفرانكوفونية الـ17 لهذا العام المنعقد تحت شعار "العيش معاً بتضامن والتشارك في المبادئ الإنسانية واحترام التنوع: مصدر السلام والازدهار في العالم الفرانكوفوني"، في يريفان (من 11 – 12 أكتوبر 2018) له دلالات رمزية كبيرة في التزام الدولة بالقيم والأهداف التي تجسدها المنظمة الفرانكوفونية.
وفي هذا الخضم، تأتي اللغة الفرنسية في المرتبة الخامسة بين لغات العالم من حيث عدد المتحدثين بها، وقد بلغ عددهم 274 مليون متحدث بعد المندرينية "الصينية" والإنجليزية والإسبانية والعربية. ولم تعد الفرانكوفونية تعني التحدث باللغة الفرنسية، بل تعني الاطلاع وتبادل الأفكار والقيم التي تصنعها هذه اللغة في ظل العولمة والتعددية الثقافية واللغوية. وهي ليست رابطة لغوية مشتركة فقط، وإنما قيم عالمية معاصرة (ظهر مصطلح الفرانكوفونية في القرن التاسع عشر لأول مرة)، ثم ازداد عدد المنتمين إليها. تشمل أمماً في القارات الأوروبية والأمريكية والأفريقية والآسيوية. ولم تعد اللغة الفرنسية ملكاً خاصاً للفرنسيين أو أداة للتعبير عن نتاجهم الثقافي، فهناك نحو 13 دولة تعتمد اللغة الفرنسية كلغة رسمية، إضافة إلى دول عديدة تستخدمها إلى جانب لغتها الأم. وهذا ما يؤكد أهمية الفرانكوفونية في خدمة الحوار والتنوع بين الثقافات في عالم يتجه نحو العولمة.
إن العرب أسهموا في بناء الفرانكوفونية من خلال أسماء أدبية كبيرة من الجزائر وتونس والمغرب.
وقد أسهم الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، وهو أحد المثقفين الكبار في تنظيم مجلس للفرانكوفونية، ودعا إلى مؤتمر قمة لرؤساء الدول التي تتكلم الفرنسية أو تجعل منها لغتها الرسمية أو تعتبرها مكوناً مهماً في ثقافتها، كما هو الحال في بعض البلدان الأفريقية. لذلك إن عالم الفرانكوفونية، رغم كونه مصطلحاً يثير الجدل، لكنه يشكل فضاءً رمزياً موحداً للذين يتكلمونها من أجل تخطي حدود التقوقع والتشتت.
مشروع الفرانكوفونية، كما هو واضح من خلال دعاته ورواده، مشروع ثقافي يتطلع إلى غايات ثقافية، ونشر اللغة الفرنسية وثقافتها عبر شبكات التلفزيون والمؤسسات التعليمية والكتب والصحف وغيرها من الوسائل الحديثة. وهذا ما شجع كتّاب وأدباء مغاربة شبان كتابة نصوص أدبية بالفرنسية من جيل إلى جيل في كل من الجزائر وتونس والمغرب ولبنان، وتفاعلها وتأثيرها على الأوساط المثقفة الفرنسية، وطرحها أفكاراً وقيماً ثقافية واجتماعية وروحية. لذلك إن البلدان التي تمارس الازدواجية اللغوية في بلدان المغرب العربي وغيرها تضع حلولاً عديدة أمام أزمة التعبير، وهي إضافة علمية.
وبمرور الزمن، أصبحت الفرانكوفونية حقيقة ماثلة في تاريخنا المعاصر، وجزءاً لا يتجزأ من الإبداع العربي المغاربي، وعامل إيجابي في التفاعل مع العالم. ولا تشكل الفرانكوفونية أي تعارض أو عائق في وجه ثقافة الأمم، بل تتناسب معها، وتتأقلم مع بيئاتها، وهي تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان التي أعلنت عشية الثورة الفرنسية في عام 1789، والتي توجت عصراً من الكتابات المتنورة في قيم العدالة والحرية والمساواة.
ومن هذا المنطلق، تؤمن دولة الإمارات بضرورة حفظها للتراث الوطني العريق والانفتاح على الثقافات الأخرى في آن واحد، وكذلك تبادل الخبرات والتجارب مع البلدان الأخرى في تعزيز قيم الأمن والسلام والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتنوع الثقافي، وهي القيم المشتركة بين البلدين. وقد تعاونت الدولة مع المنظمة الدولية للفرانكفونية منذ عام 2010، وأصبحت أبوظبي القطب المهم الفرانكوفوني في منطقة الخليج، حيث الثقافات المتعددة والجاليات المختلفة، وهذا ما يدعم حوار الحضارات، لأن العالم يتهيأ لمستقبل بعيد عن التطرف يسوده السلام والتعايش والمحبة تجاه الآخر مهما كان انتماؤه الديني أو الثقافي أو اللغوي.
قد أضحى للفرانكوفونية دور مهم في مواجهة الآثار السلبية للعولمة من حيث إنها تشجع على احترام وإغناء التنوع الثقافي، وبالتالي عدم احتكار مصادر الثقافة ووسائل توصيلها من قبل القوى المسيطرة اقتصادياً في عصر العولمة، أي لا يكون للغة واحدة تهيمن على العالم. وهذا ما تؤمن به اللغة الفرنسية من خلال الاندماج مع الثقافات المتنوعة، دون أن يشكل ذلك نوعاً من الهيمنة أو الوصاية، لأنها ببساطة تعني الانفتاح الثقافي والتوسع لبلدان العالم التي تبحث عن التواصل وعدم الخضوع للون ثقافي واحد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة