لم يكن اتفاق الإمارات التاريخي إنجازا إماراتيا وحسب، بل إنجازا عالميا غير مسبوق في تاريخ مؤتمرات الأطراف بشأن المناخ، لما يشكله من نقطة تحول فارقة في تعامل كوكب الأرض مع أزمة المناخ.
وسيسهم الاتفاق في استمرارية الوجود الإنساني في المستقبل القريب والبعيد، ولهذا وصفته شبكة سي إن إن بقولها: "العالم يتحد أخيراً".
ما يعيد إلى الأذهان اختيار الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، لرئاسة اللجنة العليا لمؤتمر المناخ، فقيادته الحكيمة للحدث والدبلوماسية الإماراتية، أسهمتا في إنجاح المؤتمر وتحقيقه أرقاما قياسية، بالإضافة إلى مخرجاته التاريخية.
وكان رهان القيادة الإماراتية على الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، ليكون رئيساً للدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف COP28 في محله، فالتوجهات الإماراتية واقعية، وتدرك أن الالتزامات المرتبطة بالمناخ، تتطلب الاستثمار الاستباقي في الطاقة المتجددة، حتى أصبحت دولة الإمارات في مصاف الدول المتقدمة في إنتاج الطاقة المستدامة.
ولهذا كان لاختيار الدكتور سلطان بن أحمد الجابر الأثر الإيجابي الكبير في تحقيق مخرجات القمة، بعكس توقعات الصحافة المسيسة التي شنت حملة ممنهجة، لكونه رئيس إحدى أهم شركات البترول العالمية، وفي نفس الوقت يرأس مصدر، وهي من أبرز شركات الطاقة المتجددة، وعلى النقيض تماماً، جمع الدكتور سلطان بن أحمد الجابر للمنصبين جعله الرجل المناسب في المكان المناسب لإدارة مفاوضات COP28، لتنتقل تعهدات الدول غير المطبقة في اتفاق باريس إلى التزامات واقعية، وهو ما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بـ"دور فريد لرئيس COP28".
حققت قمة المناخ COP28 إنجازات استثنائية في العمل المناخي، فمنذ بدايتها تم الإعلان عن مبلغ 400 مليون دولار لمساعدة الدول النامية للتعامل مع التحديات المناخية، وذلك عبر صندوق الخسائر والأضرار، والذي وصل إلى نحو 700 مليون دولار، ما أعطى رافعة داعمة للحدث توجت بمخرجات القمة.
ولعل أبرز المخرجات، اتفاق الدول لأول مرة منذ مؤتمر المناخ COP26 في غلاسكو، بأن الابتعاد عن الوقود الأحفوري بطريقة عادلة ومنظمة سيحقق الحياد المناخي المنشود بحلول عام 2050، بالإضافة إلى التعهد الذي وقعته 118 دولة بشأن مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة والمعدل العالمي لكفاءة الطاقة بحلول عام 2030، وسيكون لميثاق إزالة الكربون من النفط والغاز الأثر الإيجابي الكبير، خصوصاً لو علمنا أن شركات النفط العالمية التي تمثل 40% من الإنتاج العالمي وقعت على الميثاق، ما يعني تقليل الانبعاثات التي تضر بالإنسان من إنتاج الطاقة.
وبجانب المخرجات الفريدة، حققت القمة أرقاما قياسية في عدد المشاركين الأساسيين في COP28، والذي وصل إلى 65 ألف مشارك، بحسب أمانة الأمم المتحدة، وهو رقم كبير يفوق قمة باريس COP21 والتي حضرها 26 ألف مشارك، وقمة المناخ الأولى في برلين، ما يجعل قمة COP28 في دبي الأكثر حضوراً في تاريخ مؤتمرات المناخ.
وكان لاختيار مدينة إكسبو دبي الأثر اللوجستي المميز، من حيث مساحتها الواسعة والمنافذ العديدة، ما جعل تحركات القادة والحشود ووسائل الإعلام آمنة ومرنة وفعالة برغم العدد الكبير.
اتفاق الإمارات التاريخي يعكس رؤية القيادة الإماراتية المبكرة، نحو التحول إلى الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة، وملف الإمارات المناخي يشهد بذلك، ما جعلها تكسب ثقة المجتمع الدولي، لدورها الفاعل في مواجهة تحديات المناخ.
ولا شك أن مخرجات القمة أحبطت آمال المشككين وأسعدت المتفائلين، فدولة الإمارات من دبي صنعت التاريخ في ملف المناخ لصالح شعوب كوكب الأرض، وهو ما أكدته صحيفة واشنطن بوست بأن "اتفاق الإمارات صفقة تاريخية".
لن تتوقف دولة الإمارات عند استضافتها لمؤتمر المناخ COP28، بل ستستمر في جهودها المناخية بكل فاعلية، فالإمارات لا تتعاطى مع الحدث وحسب، بل أصبحت قضية مواجهة تغيرات المناخ بين استراتيجياتها الرئيسية، وتنظيمها لأنجح مؤتمر للمناخ عبر تاريخه، كان جزءا من رؤيتها الشاملة لملف المناخ، وإيمانها الراسخ بضرورة إيجاد الحلول المثلى لما قد تواجهه الشعوب من مخاطر، ما سيضاف لسجل دولة الإمارات الإنساني، فنتائج القمة ستظل علامة مميزة في التاريخ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة