أثبتت الإمارات بأنها قادرة على التكيّف مع الظروف المختلفة كجزء من تحدياتها الكبيرة، وتجلى ذلك في كيفية تعاملها مع انتشار وباء كورونا.
في أقل من نصف قرن، انطلقت الإمارات إلى القمة، وصنعت المعجزة: صحراء تتحول إلى واحة. بعض هذا التطور شهدناه بأنفسنا من خلال إقامتنا الطويلة في هذا البلد. البعض يتحدث عن سّر كامن في المفردات التي قادت هذا البلد منذ بداية عام 1971، وهي مفردات حضارية مثل: المعرفة، العلم، التسامح، الابتكار والانفتاح على الثقافات الأخرى وغيرها من المفردات التي أنارت بلدانًا أخرى في التاريخ.
ومن أجل ذلك، قطعت الإمارات أشواطًا في تجسير الفجوة الرقمية التي تفصل العالم العربي عن العالم المتمدن. وتجلت هذه الفجوة في استضافة وتبني العديد من المؤتمرات والمنتديات العملية من أجل استشراف أفق التكنولوجيا عبر نشر كليات التقنية في الدولة وتطبيق المنهج العلمي في التعليم. وقد تنبهت الإمارات مبكرًا إلى أهمية الموارد البشرية والحفاظ عليها وآخرها ما سنته من قوانين للحفاظ عليها من خلال منح الإقامة الذهبية لأهل الابداع والمواهب، ونحمد الله أننا كنا من ضمن الذين كُرموا بالإقامة الذهبية في مجال الأدب والصحافة.
سارت الإمارات بخطوات حثيثة مع تطور العالم الغربي والأوروبي والآسيوي، بل وتقدمت عليه في أحيان كثيرة. فالانخراط مع ثورة المعلومات هو جزء من الحلول المستقبلية لحياتنا. وما كان لكل ذلك أن يحدث لولا الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى، وهو التحدي الأكبر في بناء رؤية استراتيجية واضحة المعالم، حيث بدأت إنجازات الإمارات المُبهرة منذ سطوع نجم مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. واستطاعت نهضة الإمارات الحديثة أن تدخل بفخر واعتزاز في التقارير والمؤشرات الدولية بلا منازع، تحركها روح التنافسية التي حولت الإمارات إلى وجهة عالمية جاذبة للاستثمارات والأعمال والسياحة. إضافة إلى ذلك، تحولت الإمارات إلى أول دولة عربية تضع مسباراً غير مأهول في المدار لاستكشاف الكوكب الأحمر ضمن "مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ" الذي يعكس سعيها الدؤوب لإثبات مكانتها العلمية والفضائية، وكذلك مكانتها النووية من خلال تشغيل محطات براكة للطاقة النووية السلمية.
وكانت الولادة في إرساء البنية النموذجية في النهضة والتنمية، معتمدة على فلسفة التعايش السلمي والتسامح بين البشر، مستوحية مفردات الخزين الفكري الذي قاد هذا التطور ما جعلها الأنموذج الساطع بين البلدان. ولا جدال في أن هذه النهضة الكبيرة كان جوهرها الاتحاد الذي رسم ملامح الدولة الفتية نحو المستقبل بالاعتماد على العلم والمعرفة والابتكار. وهو ما يؤكد جدارة الإمارات في تبوء مكانتها المرموقة بين الدول، يعيش فيها أكثر من مئتي جنسية، بأديان ومعتقدات مختلفة بسلام ووئام واحترام.
المهم أن الإمارات تضع رؤية تعانق المستقبل، وهي رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، التي تجسدت الآن في استشراف المستقبل الذي كانت تنتظره البشرية في كل المجالات من موانئ وطرق وذكاء اصطناعي، واختراق عالم الفضاء وغيرها.
لا نريد الإغراق في الإنجازات المادية بل نسعى إلى رصد الإنجازات المعنوية والروحية التي تحققت في أقل من نصف قرن، وهي لا يمكن أن تظهر إلا من خلال صيرورة الإنسان وتقدمه ودرجة سعادته. لسنا هنا بصدد تعداد إنجازات الإمارات وهي كثيرة ومعترف بها على الصعيد العالمي بل نذهب إلى التأكيد على الظروف التي توفرها الإمارات لإبداع الإنسان واكتشاف قدراته الذاتية التي ما كان لها أن تظهر في ظروف أخرى من بقاع العالم العربي. وأثبتت الإمارات بأنها قادرة على التكيّف مع الظروف المختلفة كجزء من تحدياتها الكبيرة وتجلى ذلك في كيفية تعاملها مع انتشار وباء كورونا والحد من تداعياته عبر ابتكارات خلاقة مثل تطوير تقنية لاكتشاف كورونا بالليزر واعتماد العلاج بالخلايا الجذعية للمصابين، إضافة إلى الدخول بقوة على خط الجهود العالمية لإيجاد لقاح فعال ضد المرض.
هكذا يبدو للقاصي والداني أن اسم الإمارات يقترن بالإنجازات الكبرى والنجاح والتميز، وهي تشق طريقها للاحتفال باليوبيل الفضي وتعزيز مكانتها الرفيعة في توفير مستقبل زاهر لأجيال المستقبل في الوقت الذين تكبّل فيه بعض الدول أجيال المستقبل بديون هائلة تدفع ثمنها غاليًا وهناك دول فاشلة غير قادرة على تأمين رواتب موظفيها ومتقاعديها. لذلك يمكن استقاء الدروس والعبر من تجربة الإمارات الثرية. ارتبط اليوم الوطني لهذا العام أكثر من أي وقت مضى بقيمة التسامح والتلاحم، إذ حرصت الإمارات على ترسيخ هذه القيّم لتحقيق التعاون والتعايش والتضامن بين مختلف الثقافات والأديان باعتبارها حاضنة للثقافات المتعددة.
يعيش الإماراتيون اليوم الوطني واقعًا ملموساً برؤية الآباء المؤسسين والقيادة الرشيدة، بمشاعر الفخر والاعتزاز والوفاء، وهي مشاعر راقية وليست بالسهلة، وقد حُرمت منها الكثير من البلدان. إنه إرث الأوّلين، الذي تركز في قيم الهوية الإماراتية وموروثها الثقافي الأصيل الذي تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، وهم يتذكرون مسيرة التنمية والبناء والابتكار الذي شكل قبل 49 عاماً علامة فارقة وما يزال الطموح يتبلور في آفاق المستقبل لأنها النهضة المستدامة التي لا تعرف الكلل أو الملل.
نجم الإمارات يصعد ويتألق في آفاق لا تعرف المستحيل وهي تعانق اليوبيل الفضي لتأسيسها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة