نظرا لما بدا أنه وحدة مصير بين البلدين، فقد خرجت العلاقات من هذا الاختبار المفصلي والتحدي الحقيقي أقوى وأشمل وأعمق مما كانت عليه قبلها.
"الإمارات في قلب مصر".. بهذه العبارة استقبلت مصر ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، واحتفى المصريون بزيارته للقاهرة الأسبوع الماضي، عبارة قصيرة لكنها معبرة حملتها لافتات علقت على جسور المشاة الرئيسية في القاهرة، كلمات ثلاث لكنها تحمل مئات المعاني وتختزل عشرات الحقائق حول طبيعة العلاقات المصرية الإماراتية، أهمها مدى عمق وخصوصية هذه العلاقة واستنادها إلى حاضنة شعبية قوية جعلتها تتجاوز نمطية العلاقات الدبلوماسية العادية بين أي دولتين تجمعهما مصالح مشتركة إلى استثنائية في العلاقة جعلتها نموذجا يحتذى للعلاقات الثنائية.
كلما جد جديد على الساحة الإقليمية وجدنا لقاء في أبوظبي أو القاهرة بين الشيخ محمد بن زايد والرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو أمر يبدو منطقيا قياسا إلى وزن البلدين في النظام الإقليمي العربي، لذا ستظل الإمارات في قلب مصر وستظل مصر في قلب الإمارات، فعلا لا قولا
تلك الاستثنائية التي مكنت هذه العلاقة من تجاوز اختبارات صعبة خلال عام أصعب، بدأ في يوليو 2012 وانتهى في يوليو 2013، اختبارات كان من الممكن أن تعصف بما بين البلدين من ود، نظرا لما أراده التنظيم الذي حكم مصر خلال ذلك العام من تغيير وجهة مصر وربما حدودها، واستبدال انتمائها لعروبتها وقضايا أمتها بولائات أخرى، انطلاقا من أوهام "أستاذية العالم" وما استتبع ذلك من خروج قوى الشر وخلاياها النائمة في الإمارات ودول أخرى من سباتها وكمونها تنفيذا لأوامر مرشدهم في مصر، ولكن نظرا لخصوصية واستثنائية ما يجمع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، ونظرا لما بدا أنه وحدة مصير بين البلدين، فقد خرجت العلاقات من هذا الاختبار المفصلي والتحدي الحقيقي أقوى وأشمل وأعمق مما كانت عليه قبلها، تجلى ذلك فيما قدمته الإمارات من دعم سياسي واقتصادي قدمته الإمارات لمصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، عبر موقفها الذي تجلى في اتصال رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بالقيادة المصرية الجديدة، معربا لها عن عزم بلاده الوقوف إلى جانب الشعب المصري ودعم شرعية مطالبه، وما تلا ذلك من قيام وفد إماراتي رفيع المستوى بزيارة القاهرة في رسالة سياسية شجاعة أكدت للعالم أجمع انحياز الإمارات المطلق لما قام به شعب مصر وجيشها من تصحيح لمسار الثورة وإنهاء نظام الحكم الديني وإقامة نظام حكم حضاري يعيد مصر إلى حضنها العربي ودورها الإقليمي من جديد.
لذا يمكن القول إن عام 2013 شهد التأسيس الثاني للعلاقات المصرية الإماراتية، وليس أدل على ذلك من أنه منذ ذاك العام لم يزر الرئيس المصري بلدا بقدر زيارته للإمارات، فاستحوذت أبوظبي على 7 زيارات للرئيس عبدالفتاح السيسي، أولها كانت في 2014 عندما كان وزيرا للدفاع وآخرها كانت في فبراير الماضي، والحال كذلك بالنسبة للشيخ محمد بن زايد الذي لم تطأ قدماه أي عاصمة بقدر ما وطأت القاهرة، فكانت زيارته الأخيرة، الإثنين الماضي، هي التاسعة له للقاهرة منذ عام 2014، والثانية خلال العام الجاري، وهذا ما يعني أن الزعيمين التقيا 16 مرة في نحو 4 سنوات، وهذا العدد من اللقائات الثنائية أعتقد أنه لم يحدث بين أي مسؤولين في أي بلدين في العالم، هذا بالإضافة إلى لقاءاتهما على هامش الكثير من الفعاليات الإقليمية والدولية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما شهدته العلاقات المصرية الإمارتية من طفرة، بعد إعادة تأسيسها في 2013 على أسس جديدة صلبة وراسخة، قوامها المصالح المشتركة بين البلدين، انطلاقا من وحدة رؤيتيهما لمصادر تهديد أمنهما القومي، الأمر الذي تجلى في تطابق وجهات نظر البلدين تجاه كافة قضايا المنطقة، وهو ما جعل من تنسيق المواقف بين البلدين ضرورة تستدعي تواصلا مستمرا بين مسؤوليهما نراه في اللقاءات التي أصبحت شبه دورية بين قادة البلدين، فكلما جد جديد على الساحة الإقليمية وجدنا لقاء في أبوظبي أو القاهرة بين الشيخ محمد بن زايد والرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو أمر يبدو منطقيا قياسا إلى وزن البلدين في النظام الإقليمي العربي، لذا ستظل الإمارات في قلب مصر وستظل مصر في قلب الإمارات، فعلا لا قولا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة