الإمارات والهند.. شراكة استراتيجية تزداد قوة
سلسلة اجتماعات ومباحثات ولقاءات مكثفة بين مسؤولين من دولة الإمارات والهند خلال الأيام الماضية، تتوج شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين.
تلك الاجتماعات التي صاحبها توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون بين البلدين، عقدت في دولة الإمارات خلال زيارة وفد هندي رفيع المستوى يترأسه سوبرامنيام جاي شانكار وزير الشؤون الخارجية الهندي لأبوظبي.
مباحثات مهمة تعد محطة من محطات العلاقة القوية المتنامية التي تربط بين البلدين.
وتسلم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، رسالة خطية من ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند تتعلق بتعزيز العلاقات الاستراتيجية الشاملة بين البلدين وإمكانيات تنميتها وتطويرها لما يخدم مصالحهما المشتركة.
جاء ذلك خلال استقباله، الجمعة، سوبرامنيام جاي شانكار وزير الشؤون الخارجية في الهند.
لقاء أعقبه عقد أعمال الدورة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وذلك بعد يوم من عقد أعمال الدورة الـ "14" من اللجنة المشتركة بين البلدين، الخميس.
لقاءات ومباحثات تعبر عن علاقات قوية ومتميزة، وتؤكد أن البلدين نجحا في ترسيخ نموذج متطور ومستدام للشراكة الاستراتيجية الشاملة التي أثمرت العديد من الإنجازات في المجالات كافة.
تأتي تلك اللقاءات بعد 3 قمم جمعت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس وزراء الهند خلال الشهور الستة الماضية، الأولى عقدت عبر الاتصال المرئي 18 فبراير/ شباط الماضي واتفق خلالها البلدان على خارطة طريق لشراكة مستقبلية بينهما بما يعزز "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، وتوجت بتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين.
القمة الثانية جرت خلال زيارة رئيس وزراء الهند إلى الإمارات في 28 يونيو/حزيران الماضي، أعقبها بعد نحو أسبوعين قمة ثالثة – عن بعد- لقادة مجموعة "I2U2" التي تضم دولة الإمارات و الولايات المتحدة الأمريكية والهند وإسرائيل 14 يوليو/تموز الماضي.
وتخلل تلك القمم وسبقها وأعقبها لقاءات ومباحثات وزيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين، كان أحدثها زيارة سوبرامنيام جاي شانكار وزير الشؤون الخارجية الهندي إلى الإمارات يومي الخميس والجمعة الماضيين.
واكب تلك القمم واستبقها 6 زيارات متبادلة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الهندي، حولت علاقات البلدين من طابعها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي المميز إلى "شراكة استراتيجية شاملة".
رسالة وحوار ولجنة واجتماع
وتسلم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، الجمعة، رسالة خطية من ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند تتعلق بتعزيز العلاقات الإستراتيجية الشاملة بين البلدين وإمكانيات تنميتها وتطويرها لما يخدم مصالحهما المشتركة.
جاء ذلك خلال استقباله سوبرامنيام جاي شانكار وزير الشؤون الخارجية الهندي في قصر الشاطئ بأبوظبي.
وبحث الجانبان خلال اللقاء مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وأهمية العمل المشترك لتعزيزها والارتقاء بها في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة والشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين ، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
أعقب اللقاء، عقد أعمال الدورة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، برئاسة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي ونظيره الهندي.
وأكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان خلال الاجتماع على عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مشيرا إلى التنامي والتطور المستمر في حجم التعاون المشترك بين البلدين على الصعد كافة في ظل دعم ورعاية من قيادتهما.
كما أكد أن دولة الإمارات وجمهورية الهند نجحتا في ترسيخ نموذج متطور ومستدام لعلاقاتهما الاستراتيجية التي أثمرت العديد من الإنجازات النوعية في عدة قطاعات، مشيرا إلى "تطلع البلدين الصديقين إلى تعزيزها بما يخدم مصالحهما المشتركة ويعود بالخير على شعبيهما".
وأشار إلى أهمية اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات وجمهورية الهند الموقعة شهر فبراير/شباط الماضي، والتي فتحت آفاقا أرحب لتطوير العلاقات الاقتصادية وتعزيزها بما يدعم مسارات التنمية المستدامة في البلدين.
من جانبه، أشاد الدكتور سوبرامنيام جاي شانكار بالشراكة الاستراتيجية الإماراتية الهندية والعلاقات التاريخية الراسخة التي تجمع بين البلدين وقيادتهما وشعبيهما.
وأكد الحرص على تعزيز وتطوير العلاقات الاستراتيجية الإماراتية الهندية بما يلبي تطلعات قيادتي البلدين الصديقين، مشيراً إلى أن ما تحقق من إنجازات في إطار شراكتهما يدعو للفخر، ويحفزنا على المضي قدماً نحو المزيد من النجاحات بما يحقق الأهداف التنموية المشتركة للبلدين الصديقين وشعبيهما.
ويأتي الحوار الاستراتيجي بعد يوم من عقد أعمال الدورة الـ "14 " من اللجنة المشتركة بين البلدين برئاسة وزيري خارجية البلدين أيضا.
وعقب الاجتماع شهد وزيرا خارجية البلدين التوقيع على عدة مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بين البلدين في عدة مجالات.
كان الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان قد عقد، قبيل انطلاق أعمال اللجنة المشتركة، اجتماعا مع نظيره الهندي، جرى خلاله بحث آفاق العلاقات الاستراتيجية والشراكة الشاملة بين البلدين والفرص المتاحة لتعزيزها وتطويرها على الصعد كافة، كما تبادلا وجهات النظر تجاه عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ويعد هذا اللقاء الثاني بين وزيري خارجية البلدين خلال شهرين، بعد اللقاء الذي جمعهما في 7 يوليو/تموز الماضي وذلك على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين "G20" في جزيرة بالي بإندونيسيا، وجرى خلاله بحث سبل تعزيز العلاقات التاريحية الراسخة بين البلدين.
3 قمم في 6 شهور
تأتي تلك اللقاءات بعد 3 قمم جمعت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس وزراء الهند خلال الشهور الستة الماضية، أحدثها عقدت قبل 6 أسابيع، وشارك فيها أيضا الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وعقدت القمة الأولى عبر الاتصال المرئي 18 فبراير/شباط الماضي وتم في ختامها إطلاق" الرؤية الإماراتية - الهندية المشتركة " التي تعد خارطة طريق لشراكة مستقبلية بينهما.
كما تم خلال القمة توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين التي تستهدف رفع قيمة التجارة البينية غير النفطية بين البلدين إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة إضافة إلى تعزيز التعاون المشترك.
وتعد الهند هي أول دولة يتم عقد مثل هذه الشراكة معها ضمن برنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية الذي أطلقته حكومة دولة الإمارات في إطار مشاريع الخمسين الأمر الذي يعكس قوة الشراكة والتقارب بين البلدين.
واتفق الجانبان خلال القمة على دعم الجهود الدولية للحفاظ على السلام والأمن في المنطقة وحل النزاعات الإقليمية، بما في ذلك جهود دعم إعادة تنشيط عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط بما يتماشى مع " حل الدولتين " وعلى أساس قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، والاتفاقيات السابقة بين الطرفين.
وأعربا عن أملهما في أن يسهم الاتفاق الإبراهيمي في السلام الإقليمي وإحداث تغيير إيجابي في منطقة الشرق الأوسط.
وأكد الجانبان مجددا التزامهما المشترك بمكافحة التطرف والإرهاب، بما في ذلك الإرهاب العابر للحدود، بجميع أشكاله، على المستويين الإقليمي والدولي.
وشددا في هذا السياق على أهمية تعزيز قيم السلام والاعتدال والتعايش والتسامح بين الشعوب، وعلى ضرورة نبذ جميع أشكال الإرهاب والتطرف والعنف والكراهية والتمييز والتحريض.
القمة الثانية عقدت خلال زيارة رئيس وزراء الهند إلى الإمارات 28 يونيو/حزيران الماضي، قدم فيها مودي التهاني للشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمناسبة توليه رئاسة دولة الإمارات، وعبر عن تطلعه إلى مزيد من العمل خلال الفترة المقبلة لدفع العلاقات الثنائية إلى الأمام في مختلف المجالات.
بدوره أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين دولة الإمارات والهند والحرص المشترك على تطويرها إلى آفاق أوسع.
كما بحث الجانبان مختلف جوانب العلاقات الثنائية في ضوء الشراكة الاستراتيجية الشاملة والشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين وسبل تعزيزها لما فيه خير البلدين.
القمة الثالثة هي قمة قادة مجموعة "I2U2 "، وعقدت عن بعد في 14 يوليو/تموز الماضي، وشارك فيها إلى جانب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس وزراء الهند كلا من الرئيس الأمريكي جو بايدن ويائير لابيد رئيس وزراء إسرائيل.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال القمة أن دولة الإمارات تواصل نهجها الراسخ في دعم كل خطوة نحو تعزيز التعايش و التعاون المشترك البناء بين الدول انطلاقاً من إيمانها بحق الشعوب في السلام والاستقرار والتنمية والازدهار وتحقيق مستقبل أفضل لأجيالها.
وقال إن "الشراكات وحدها قادرة على تخطي التحديات المتداخلة التي يواجهها العالم اليوم و أهمها أمن الغذاء و الطاقة وتغير المناخ والرعاية الصحية.
وبيّن أن دولة الإمارات تؤمن بأن الاقتصاد هو السبيل الأمثل لتحقيق السلام و الأمن و التقدم خاصةً عندما تمتلك الحكومات والشعوب الإرادة لبناءِ الشراكات ومواجهة التحديات.
و أضاف أن "هذا ما تجسده المشاريع الأولى لمجموعتنا الرباعية والتي تركزت في قطاعات الغذاء والزراعة الذكية مناخياً وطاقة الشمس والرياح ووسائل تخزين الطاقة".
و أعرب عن تمنياته بأن تشكل المجموعة الرباعية نموذجا لمحبي السلام و الازدهار ودليلا على الفرصِ الكبيرة الضائعة التي تخلفها النزاعات ويبددها التطرف الأعمى على حساب الشعوب المتطلعة للحياة.
6 زيارات
وواكب تلك القمة واستبقها 6 زيارات متبادلة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الهندي، حولت علاقات البلدين من طابعها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي المميز إلى "شراكة استراتيجية شاملة".
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارتين للهند في فبراير/شباط 2016 ويناير/كانون الثاني 2017، و4 زيارات أجراها رئيس وزراء الهند لدولة الإمارات منذ توليه مهام منصبه عام 2014، آخرها في يونيو/حزيران 2022، وسبقها 3 زيارات في أغسطس/آب 2019، وفبراير/شباط 2018، وأغسطس/آب 2015.
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أول زيارة رسمية له للهند في الفترة من 10 إلى 12 فبراير/شباط 2016.
جاءت تلك الزيارة في أعقاب أول زيارة رسمية قام بها مودي للإمارات أغسطس/آب 2015 والتي اتفق خلالها البلدان على ترقية علاقات الصداقة بينهما إلى شراكة استراتيجية شاملة.
وبالفعل، شهدت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الثانية للهند في يناير/كانون الثاني 2017 توقيع البلدين على اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة".
وخلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للإمارات أغسطس/آب 2019، قلده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان "وسام زايد"، تقديرا وتثمينا لدوره في دعم علاقات الصداقة التاريخية والتعاون الاستراتيجي المشترك الذي يجمع البلدين على الصعد كافة.
علاقات تاريخية ومستقبل واعد
الزيارات المتبادلة والقمم المتواصلة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي دشنت لحقبة جديدة من التعاون ورسمت خارطة طريق لمستقبل واعد في علاقات البلدين.
عزز من نجاح تلك الزيارات استنادها على قاعدة صلبة ساهمت عوامل التاريخ والجغرافيا والمصلحة المشتركة في بنائها على مر العصور.
وتحظى الإمارات والهند بعلاقات تاريخية راسخة بدأت مع تأسيس دولة الإمارات عام 1971، فيما تم تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بافتتاح سفارة الإمارات في دلهي عام 1972، أعقبها افتتاح سفارة الهند في أبوظبي عام 1973 وزادت قوتها منذ الزيارة التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى الهند عام 1975.
وأجرى رئيس الهند الأسبق فخر الدين علي أحمد عام 1976 زيارة رسمية هي الأولى لرئيس هندي للإمارات، أعقبها زيارة لرئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي عام 1981.
لتتوالى بعدها زيارات متبادلة ساهمت في تقوية أواصر التعاون، وهو ما تم تتويجه من خلال التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للهند يناير/كانون الثاني 2017، ثم إطلاق الرؤية الإماراتية - الهندية المشتركة وتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في فبراير/شباط 2022.
ومنذ دخول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة حيز التنفيذ في الأول من مايو / آيار الماضي، شهد البلدان زيارات وفود اقتصادية متبادلة للمضي قدماً في توسيع التعاون التجاري والاستثماري في ضوء الشراكة الاقتصادية الشاملة.
وتعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات، وتستحوذ على نسبة تبلغ 9% من حجم تجارة الإمارات مع العالم، و13% من حجم الصادرات غير النفطية الإماراتية، وبلغت قيمة التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين 165 مليار درهم إماراتي في عام 2021، مسجلةً نمواً بنسبة 66% مقارنة بعام 2020.
كما أن الإمارات من أهم الدول المستثمرة في الهند حيث تستحوذ على ما نسبته 2% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى الهند وتعد الأولى عربياً والتاسعة عالمياً بقيمة تجاوزت 12 مليار دولار "44 مليار درهم" بنهاية 2021 .
ولا تقوم العلاقات بين الهند والإمارات على التعاون في المجالات الاقتصادية فحسب، وإنما تتجاوز ذلك إلى تقاسم وجهات النظر حول العديد من الملفات الساخنة في المنطقة والعالم.
وترى الإمارات في الهند صديقا وشريكا استراتيجيا يشاركها في جهود إرساء دعائم الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي عبر قيام البلدين بالتنسيق وتبادل وجهات النظر في أبرز القضايا والتطورات الجيوسياسية في المنطقة والعالم.