الإمارات والعراق بـ"قمة دول الجوار".. تعاون لدعم استقرار المنطقة
تستضيف بغداد، اليوم السبت، قمة إقليمية بمشاركة دول جوار العراق، وعدد من الدول الخليجية والعربية والغربية الفاعلة على رأسها الإمارات.
ومن المتوقع أن تناقش القمة، ملفات حساسة ومهمة، تتعلق بموضوعات داخلية وخارجية ترتبط باستقرار العراق وتعزيز أمنه، على رأسها تعزيز التعاون الاقتصادي ومكافحة الإرهاب.
ويرى محللون أن أهداف المؤتمر تتعدى حدود مناقشة قضايا اقتصادية وأمنية إلى محاولة تخفيف التوترات في المنطقة، فيما يسعى العراق لاستعادة دوره الإقليمي والاضطلاع بدور الوسيط بالشرق الأوسط من خلال تلك الفعالية التي تهدف لـ"نزع فتيل" الأزمات في المنطقة.
ويطمح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي وصل إلى السلطة في مايو/أيار 2020 في أعقاب حراك احتجاجي مناهض للنظام في أكتوبر/تشرين الأول 2019، إلى جعل العراق نداً للعواصم الفاعلة في المنطقة.
4 دلالات
وتحمل المشاركة الإماراتية في القمة عدة دلالات، أولها أن تلك المشاركة تعد دعما وتأييدا لأهداف القمة في مجملها الساعية لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
ثاني هذه الدلالات، أن المشاركة تعد دعما لاستعادة العراق دوره العربي والإقليمي والحفاظ على سيادته.
وتؤمن الإمارات بأن العراق، الذي ظل على مدى العصور الماضية منارة للعلم وموطنا خصبا للإبداع وبيئة للتقدم والازدهار، يستحق اليوم بأن يستعيد تلك الأمجاد بالعودة إلى حضنه العربي والإسلامي.
وهو ما سبق أن أكد عليه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث قال إن الإمارات حكومة وشعبا ستكون سندا لدولة العراق الشقيقة حتى تعود إلى لعب دورها الطبيعي على الساحة العربية وتستعيد أمنها واستقرارها.
ثالث الدلالات تتمثل في كونها رسالة من الدولة المضيفة (العراق) للعالم، تؤكد فيه على أهمية وثقل الدور الإماراتي في دعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما سبق أن أكد عليه قادة العراق أيضا في أكثر من مناسبة.
رابع تلك الدلالات هي أن المشاركة الإماراتية المرتقبة في قمة بغداد تترجم وتعبر عن العلاقات الأخوية المتنامية والمزدهرة بين البلدين.
وتسلم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، دعوة من الدكتور مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق للمشاركة في قمة دول الجوار العراقي.
جاء ذلك خلال استقباله في قصر الشاطئ 15 أغسطس/آب الجاري الدكتور علي عبد الأمير علاوي وزير المالية العراقي الذي سلمه الرسالة.
علاقات نموذجية
وتأتي القمة بعد نحو 4 أشهر من زيارة الكاظمي إلى الإمارات في أبريل/نيسان الماضي، التي جاءت تتويجا للعلاقات المتنامية بين البلدين على أكثر من صعيد.
واستقبل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الكاظمي في قصره بزعبيل، حيث جرى بحث مجمل الأوضاع الإقليمية، خاصة الاقتصادية والأمنية منها، والتأكيد على تجاوز مرحلة وباء "كورونا" بمزيد من الإجراءات الاحترازية والتوعية بسبل الوقاية من هذا الفيروس المستجد.
وتطرق الجانبان إلى أهمية توسيع آفاق التعاون بين دولة الإمارات وجمهورية العراق، لاسيما على صعيد التبادل التجاري والشراكة الاستثمارية وتبادل الخبرات الفنية في مجال البنى التحتية.
وأعرب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن استعداد دولة الإمارات لمد يد المساعدة اللوجستية للعراق الشقيق في قطاع الموانئ من أجل تطوير الموانئ العراقية وتأهيلها التأهيل الذي يساعدها على تقديم أفضل الخدمات اللوجستية لمستخدميها.
فيما أعرب رئيس وزراء العراق عن رغبة حكومته بالاستفادة من تجربة دولة الإمارات في استخدام الذكاء الاصطناعي في الإدارة والاقتصاد والاستثمار والتجارة والبنية التحتية، معتبرا تجربة دبي الفريدة والنموذج في هذه المجالات مثالا يحتذى لجميع دول المنطقة.
كما قدم الكاظمي الشكر والامتنان على ما تقدمه قيادة دولة الإمارات من دعم ومساندة للشعب العراقي كي يعيد بناء ما دمرته الحرب لاسيما في إعادة تأهيل المساجد والأوابد التاريخية والكنائس وسائر المباني التاريخية التي تشهد على حضارة العراق وشعبه قديما وحديثا.
كما عقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس وزراء العراق جلسة مباحثات رسمية في قصر الوطن بأبوظبي جرى خلالها بحث العلاقات الأخوية بين البلدين وسبل تنمية التعاون بينهما في مختلف المجالات بما يحقق مصالحهما المتبادلة، إضافة إلى عدد من القضايا والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وفي كلمات معبرة، قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال اللقاء: "نحن قريبون من بعضنا البعض مسافةً وقلباً.. وزيارتك هذه ستقوي الجسر الذي يربط بين دولة الإمارات والعراق.. فعراقنا غالٍ على قلوبنا".
من جانبه أشاد رئيس وزراء العراق بمواقف المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تجاه العراق، مشيراً إلى أنه في كل مواقفه التاريخية كان مع العراقيين ولن ينسى العراق هذه المواقف.
وأكد أهمية العلاقات بين البلدين، معبراً عن شكره لدولة الإمارات لدورها في إعادة إعمار المناطق الأثرية في مدينة الموصل، ومساعداتها العراق في مواجهة فيروس "كورونا" ومواقفها النبيلة في دعم الحكومات العراقية المتتالية في الحرب على تنظيم "داعش" ولكل مواقفها ومساعداتها للعراق وشعبه، مؤكدا أن هذا ليس غريبا على الإمارات.
وأكد الكاظمي أن العراق يبحث عن أشقائه وإخوانه في العالم العربي، وأنه يعمل على إعادة العراق إلى صفه العربي.
وفي تصريحات له خلال الزيارة، أكد الدكتور مصطفى الكاظمي أن دولة الإمارات العربية المتحدة موطن النجاح والإنجاز، وثمن مواقفها المشرفة تجاه العراق وشعبه، وشدد على أن العلاقات الإماراتية – العراقية نموذج يحتذى للعلاقات الثنائية بين الأشقاء.
وأشاد بالوقفة التاريخية لدولة الإمارات مع الشعب العراقي في حربه ضد داعش ودعمها العراقيين وحرصها على المشاركة في عملية إعادة البناء منوها في هذا الصدد بمبادرتها التاريخية إعادة بناء الجامع النوري التاريخي في مدينة الموصل .
.
تعاون شامل
وأعلنت دولة الإمارات خلال الزيارة عن استثمارها مبلغ ثلاثة مليارات دولار في العراق.
وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية وخلق فرص جديدة للتعاون والشراكة ودفع عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي والتنموي لدعم الشعب العراقي.
وتأتي هذه الخطوة في إطار العلاقات الأخوية التاريخية التي تجمع البلدين وشعبيهما الشقيقين والحرص على تعزيزها وتطوير آفاقها بما يخدم مصالحهما المتبادلة.
واتفق الجانبان خلال الزيارة على أهمية تطوير وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية، وتنمية التجارة وزيادة التبادل التجاري، وتشجيع حركة الاستثمار بين البلدين، ودعوة رجال الأعمال من البلدين لتبادل الزيارات، وتأسيس مجلس الأعمال العراقي - الإماراتي، وتسهيل جميع الإجراءات التي تخدم مصلحة البلدين.
وثمّن العراق مبادرة دولة الإمارات إعادة بناء منارة الحدباء وجامع النوري وعدد من الكنائس في محافظة نينوى.
كما تطرق الجانبان إلى ضرورة التعاون الأمني والعسكري، وتبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب.
رسالة للإنسانية
وتعقد القمة الإقليمية السبت المقبل في وقت يدخل فيه مشروع إعادة إعمار الجامع النوري ومنارته الحدباء وكنيستَي الطاهرة والساعة في مدينة الموصل مرحلة جديدة تقرب المدينة من استعادة رمزيتها الحضارية والثقافية كمنارة للتسامح والتعايش الإنساني، ضمن المشروع الذي يلقى دعماً مباشرا من دولة الإمارات العربية المتحدة.
جهود إماراتية تتواصل لتعلو المنارة الحدباء للجامع النوري التاريخي مجدداً وتحلّق في أفق الموصل، كهدية إماراتية للإنسانية تعبّر على جهود دار زايد ورسالتها الحضارية في مواجهة الممارسات والأفكار المتطرفة التي ساهمت في تدمير هذه المعالم الأثرية والحفاظ على التراث الإنساني والثقافي على مستوى العالم.
وتهدّم الجامع النوري ومئذنته الشهيرة المائلة المعروفة باسم المنارة الحدباء التي يبلغ ارتفاعها 45 متراً ويزيد عمرها على 840 عاماً، عقب هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في المدينة عام 2017؛ إذ أقدم التنظيم على نسف الجامع، الذي شهد الظهور الأول لزعيمه أبوبكر البغدادي عام 2014.
وإضافة إلى إعادة إعمار الجامع النوري تتولى الإمارات أيضاً إعادة بناء كنيستي الطاهرة والساعة بالموصل في رسالة ثقافية وحضارية قوية في مواجهة الممارسات والأفكار المتطرفة التي ساهمت في تدمير هذه المعالم الأثرية بالأمس القريب.
وكنيسة الطاهرة يبلغ عمرها نحو 800 عام وتقع في منطقة ميدان بمدينة الموصل القديمة وتعد واحدة من أقدم الكنائس في المنطقة حيث يعود تاريخها إلى الألفية الأولى، فضلا عن كنيسة الساعة المعروفة أيضاً باسم كنيسة سيدة الساعة والتي تعد مثالاً حياً للأخوة بين أهل الموصل الذين تخرجوا من مؤسستها التعليمية بغض النظر عن خلفيتهم الدينية.
ووقعت دولة الإمارات ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" في أكتوبر/تشرين الأول 2019 اتفاقية تخص المشاركة الإماراتية في جهود إعادة إعمار المعالم التاريخية في مدينة الموصل عبر إعادة ترميم كنيستي الساعة والطاهرة لتصبح الإمارات من خلال هذا المشروع أول دولة في العالم تعيد إعمار كنائس العراق.
جهود تتكامل – بالتزامن مع القمة المرتقبة- لتعزز دور الإمارات في نشر رسالة الأمل والانفتاح والاعتدال مقابل ثقافة التعصب والتطرف، في وقت تشهد فيه العلاقات بين دولة الإمارات والعراق تطورا كبيرا في إطار حرص قيادتي البلدين على تعزيز آفاق التعاون ودفعها إلى مستويات عالية ترتقي إلى طموحات وإمكانات اقتصاد البلدين.