السعودية والعراق.. محطات فارقة تتوجها "قمة بغداد"
بخطى واثقة، تمضي العلاقات بين السعودية والعراق في طريقها إلى التعاون والتكامل، تتوجها مشاركة الرياض بـ"قمة دول الجوار" ببغداد.
وتحلّ السعودية ضيفا على مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة المعروف إعلاميا بـ"قمة دول الجوار"، في تعزيز للعلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدين، والتي شهدت طفرة في السنوات الأخيرة.
وتستضيف العاصمة العراقية بغداد، اليوم السبت، قمة إقليمية بمشاركة دول جوار العراق، وعدد من الدول الخليجية والعربية والغربية الفاعلة والمؤثرة.
وتستهدف القمة تعزيز التعاون والشراكة الاقتصادية والسياسية بين الدول المشاركة، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة، ومحاولة تخفيف التوترات بين الدول المشاركة.
فيما يسعى العراق لاستعادة دوره الإقليمي والاضطلاع بدور الوسيط بالشرق الأوسط من خلال تلك الفعالية التي تهدف إلى "نزع فتيل" الأزمات في المنطقة.
زيارات متتالية
وتنطلق القمة في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية العراقية تطورا متسارعا، ظهرت ملامحه في المباحثات المهمة والاجتماعات المتواصلة والزيارات المتبادلة خلال وقت قصير.
فقبل أيام استقبل الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية السعودي في مقر الوزارة بالرياض نظيره العراقي فؤاد محمد حسين، حيث جرى خلال اللقاء استعراض أوجه العلاقات السعودية العراقية، وسبل دعمها إضافة إلى تعزيز التنسيق الثنائي المشترك وكل ما من شأنه أن يُسهم في استقرار المنطقة وحفظ الأمن والسلم الدوليين.
جاءت الزيارة بعد نحو شهر من زيارة وزير التجارة السعودي ماجد بن عبدالله القصبي للعراق في 19 يوليو/ تموز الماضي ولقائه الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
سبق ذلك بنحو شهرين فقط قيام نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، بزيارة هي الأولى من نوعها إلى بغداد، وذلك في مايو/أيار الماضي، وأجرى خلالها مباحثات مع الرئاسات العراقية الثلاث.
وأكد الأمير خالد بن سلمان، خلال الزيارة، "التزام المملكة بدعم أمن واستقرار العراق وتعزيز أواصر التعاون بين البلدين في مجالات الأمن والاقتصاد والاستثمار بما يحقق مصلحة الشعبين الشقيقين".
زيارة الأمير خالد بن سلمان سبقتها زيارة لرئيس الوزراء العراقي إلى المملكة نهاية مارس/آذار الماضي؛ وكانت الأولى من نوعها منذ تولي الأخير رئاسة الحكومة العراقية في مايو/أيار 2020، وجرى خلالها إجراء مباحثات هامة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وناقش الكاظمي وولي العهد السعودي، العديد من الملفات الهامة التي تختص بالتعاون في مجال الطاقة والأمن والاقتصاد.
3 مليارات للعراق
واتفق الجانبان في ختام الزيارة على تأسيس صندوق سعودي عراقي مشترك يقدر رأس ماله بـثلاثة مليارات دولار إسهاماً من المملكة العربية السعودية في تعزيز الاستثمار في المجالات الاقتصادية في جمهورية العراق بما يعود بالنفع على الاقتصادين السعودي والعراقي وبمشاركة القطاع الخاص من الجانبين.
كما اتفقا على التعاون في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة وتفعيل وتسريع خطة العمل المشتركة، تحت مظلة مجلس التنسيق السعودي العراقي، مع ضرورة الاستمرار في التعاون وتنسيق المواقف في المجال البترولي.
واتفق البلدان أيضا على إنجاز مشروع الربط الكهربائي لأهميته للبلدين.
على صعيد القضايا الإقليمية، اتفق الجانبان على تكثيف التعاون والتنسيق وتبادل وجهات النظر بخصوص المسائل والقضايا التي تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية ، وبما يسهم في دعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وضرورة إبعادها عن التوترات وأسبابها، والسعي المشترك لإرساء دعائم الأمن والاستقرار المستدام.
وشدد الجانبان على أمن وسلامة واستقرار المنطقة، وحث جميع دول الجوار الالتزام بمبادئ حُسن الجوار، والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
أهداف مشتركة
وتتلاقى أهداف تلك الزيارات والمباحثات التي تركزت حول تعزيز التعاون وزيادة التنسيق بين البلدين ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة وتخفيف التوتر مع أهداف قمة بغداد الإقليمية التي تنطلق اليوم السبت.
وتترجم مشاركة المملكة في القمة حرصها على وحدة الشعب العراقي والتعاون مع حكومته لتحقيق المصالح المشتركة، وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.
كما تعكس المشاركة دعم المملكة لجهود العراق في التصدي للتطرف ومكافحة الإرهاب، وضرورة احترام سيادته ووحدة أراضيه، ووقف التدخلات الخارجية.
وعلى مدى تاريخها ترى المملكة العراق عمقًا استراتيجيًا لها، وتربط أمنها بأمن العراق، ضمن وحدة عربية، حيث تشهد العلاقات بين البلدين انطلاقة جديدة تسير نحو أوجه تعاون بناءة في المجالات السياسية والاقتصادية والبرلمانية وغيرها من المجالات.سياسة حكيمة
والمتتبع لمسار العلاقات بين البلدين، يجد أنها تسير بخطى واثقة ومتسارعة نحو تعزيز التعاون.
ولا شك أن هذا التطور في العلاقات بين البلدين، هو نجاح كبير للسياسة الخارجية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود التي تبنت مبدأ التقارب مع العراق.
وفي العام الأول لتولي الملك سلمان الحكم، استأنفت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع العراق في ديسمبر/كانون الأول 2015، بعد 25 عاما من إغلاقها بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990.وبعد عقود من التوتر بدأت العلاقات في التحسن بشكل كبير، عقب زيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير حينها لبغداد في 25 فبراير/شباط 2017.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها مسؤول سعودي رفيع المستوى إلى العاصمة العراقية منذ عام 1990، ممهدا الطريق لمزيد من الزيارات بين مسؤولي البلدين.
وفي يونيو/حزيران 2017 زار رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي السعودية، وتم الاتفاق على تأسيس "مجلس تنسيقي" للارتقاء بعلاقاتهما إلى "المستوى الاستراتيجي"، وهو ما أثمر بالنتيجة تأسيس المجلس التنسيقي المشترك بين البلدين، في أكتوبر/تشرين الأول 2017 ليكون المحطة الأولى في تطور وتنامي العلاقات العراقية-السعودية.
كما تم الاتفاق بين البلدين في تلك الزيارة على استئناف الرحلات الجوية لعدد من المدن السعودية والعراقية، وحطت أول طائرة ركاب سعودية بمطار بغداد في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017 هي الأولى منذ 27 عاما.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، استقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الرئيس العراقي برهم صالح، بعد شهر واحد من توليه مهام منصبه.محطات فارقة
وفي 4 أبريل/نيسان 2019، افتتحت السعودية قنصلية في بغداد، كخطوة جديدة، في مسيرة متواصلة لتعزيز العلاقات المتنامية بين البلدين.
افتتاح القنصلية السعودية في بغداد، جاء بالتزامن مع اختتام أعمال الدورة الثانية لمجلس التنسيق المشترك بين البلدين، والذي أعلنت المملكة خلاله عن بناء مدينة رياضية لأبناء العراق هدية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وتقديم منحة من المملكة للعراق بمبلغ مليار دولار للمساهمة في تنميته لتكون المملكة شريكًا أساسيًا في نهضة هذا البلد العربي.
وافتتحت السعودية والعراق في الـ18 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 منفذ عرعر الحدودي بعد إغلاق دام نحو 3 عقود، فيما عده مراقبون للشأن السياسي والاقتصادي خطوة هامة في طريق تعزيز العلاقات بين بغداد والرياض، يسدل الستار على خلافات الماضي.
ويسعى الجانبان السعودي والعراقي الى رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، بعد فتح منفذ جديدة عرعر، لاسيما وأن لدى المملكة توجهاً نحو إنشاء وتشغيل المنطقة اللوجستية في هذا المنفذ لتكون منطقة اقتصادية خاصة، وكذلك بعد فتح الملحقية التجارية بسفارة المملكة في بغداد.
ويوجد عدد من الشركات السعودية المستثمرة في العراق، كما توجد رغبة حقيقية لعدد آخر للتوسع باستثماراتها هناك، في الوقت الذي يفوق حجم الاستثمارات السعودية في العراق (2 مليار ريال) وسط حرص من الجانب السعودي على استثمارات إضافية من المتوقع أن تصل إلى 10 مليارات ريال تقريبًا في قطاعات مختلفة.
وتدعم المملكة جهود ومشاريع إعادة إعمار العراق، وتواصل الوفاء بالتزاماتها التي قدمتها خلال مشاركتها في مؤتمر المانحين في الكويت عام 2018، مما يؤكد أن المملكة لم تتوان يوماً عن الوقوف إلى جانب العراق في مختلف الظروف.
ويعكس حرص حكومتي البلدين على تفعيل أنشطة مجلس التنسيق السعودي العراقي، وكذلك تفعيل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين الجانبين، عمق التعاون وتطور العلاقات بين المملكة والعراق بما يحقق المصالح المشتركة ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة.
خطوة دالّة
وفي خطوة ذات دلالة تزيد من أواصر البلدين الشقيقين، وتحقق عبر التواصل الثقافي ما يصبو إليه الشعبان العراقي والسعودي من مد جسور أخوية راسخة، أعلن الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي، قبل أسبوع، عن اختيار العراق ضيف شرف النسخة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب التي ستقام في شهر أكتوبر المقبل بتنظيم وإشراف هيئة الأدب والنشر والترجمة.
وقال وزير الثقافة: "إن اختيار العراق يأتي في سياق العلاقات الأخوية التي تجمع الشعبين الشقيقين السعودي والعراقي، وفي إطار الجهود المشتركة من البلدين لتعزيز التعاون في جميع المجالات التنموية، ومنها المجال الثقافي".
هي إذن خطوات سعودية خليجية متسارعة على مختلف الأصعدة تستهدف إعادة بغداد إلى حاضنتها العربية، ومساعدة العراق في استعادة دوره الاستراتيجي، كركيزة إقليمية مهمة للأمن والاستقرار، بعيدا عن المحاولات الإيرانية للسيطرة على مقدراته والتدخل في شؤونه.