رسائل الإمارات بقمة النقب.. دعم القضية الفلسطينية وتعزيز السلام
رسائل ودلالات عدة حملتها زيارة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، لإسرائيل ومشاركته في قمة "النقب".
الإطار العام لتلك الرسائل والدلالات يرتكز على 4 محاور رئيسية، هي: دعم القضية الفلسطينية، وتعزيز العلاقات الإماراتية الإسرائيلية بما يسهم في تحقيق الازدهار والتنمية لشعبي البلدين، ونشر ثقافة الحوار والتسامح بما يدعم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وتعزيز التعاون مع شركاء السلام (المغرب والبحرين ومصر وأمريكا وإسرائيل)، عبر وضع خارطة طريق من أجل النهوض بمستقبل المنطقة.
وأجرى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، زيارة تاريخية لإسرائيل يومي الأحد والإثنين، شارك خلالها على مدار يومين في "قمة النقب"، بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة ومصر والبحرين والمغرب وإسرائيل.
وقبيل القمة، التقى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان نظيره الإسرائيلي يائير لابيد خلال أول زيارة رسمية يقوم بها إلى دولة إسرائيل.
جرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات ودولة إسرائيل في إطار الاتفاق الإبراهيمي للسلام الذي تم توقيعه بين البلدين منتصف سبتمبر/ أيلول 2020.
السلام والتنمية
قراءة تلك الزيارة والقمة تأتي في إطار محور تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، لا بد أن يأتي ضمن سياق التوقيت والمضمون.
فمن حيث التوقيت؛ تأتي الزيارة بعد نحو عام ونصف العام من توقيع اتفاقية إبراهيم للسلام، ومع اقتراب الذكرى الثانية لتوقيع الاتفاقية، في رسالة واضحة على نجاح الاتفاق بتحقيق أهدافه بشكل سريع.
أيضا تأتي تلك الزيارة التاريخية بعد سلسلة زيارات تاريخية من جانب مسؤولي إسرائيل للإمارات، كان أبرزها زيارة وزير الخارجية يائير لابيد للإمارات 29 يونيو/ حزيران الماضي، ثم زيارة نفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل يومي 12 و13 ديسمبر الماضي، ثم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ نهاية يناير الماضي.
زيارات أعقبها وسبقها تبادل للزيارات بين مسؤولي البلدين، قبل أن تتوج تلك المسيرة بالزيارة التاريخية لوزير الخارجية الإماراتي لإسرائيل، في رسالة واضحة على الرغبة المشتركة من البلدين في تطوير العلاقات ودفعها إلى الأمام تحقيقا لمصالح البلدين المشتركة.
وخصوصا أن تلك الزيارات توجت بتوقيع أكثر من 60 اتفاقية ومذكرة تفاهم في العديد من المجالات تشمل: تعزيز وحماية الاستثمار، والصحة والرعاية الطبية، بجانب التعاون في مجال مواجهة جائحة " كوفيد - 19" والزراعة والأمن الغذائي، والمياه، والبيئة والتغير المناخي .. إضافة إلى التكنولوجيا والأبحاث والتطوير من خلال إنشاء صندوق مشترك بـ 100 مليون دولار، فضلاً عن برنامج تبادل الطلاب بين الجامعات الإماراتية والإسرائيلية.
ودشن افتتاح سفارة دولة الإمارات في تل أبيب في يوليو/ تموز الماضي وافتتاح سفارة إسرائيل في أبوظبي يونيو/ حزيران الماضي، حقبة جديدة من التعاون والتطور والازدهار والعلاقات المتنامية بين البلدين والشعبين، فيما مثل الجناح الإسرائيلي في إكسبو 2020 دبي جسرا لتنمية العلاقات مع دول المنطقة.
وقام أكثر من 300 ألف مواطن إسرائيلي بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ توقيع الاتفاق الإبراهيمي للسلام خلال عام 2020، فيما بلغ عدد الزيارات بين المسؤولين الحكوميين في البلدين حتى يناير الماضي أكثر من 50 زيارة منها 18 على مستوى وزاري، إذ زار 6 وزراء من دولة الإمارات دولة إسرائيل، فيما قام أكثر من 12 وزيراً إسرائيلياً بزيارة الدولة لبحث تعزيز التعاون المشترك.. بينما بلغ الحجم الإجمالي للتجارة غير النفطية بين دولة الإمارات وإسرائيل أكثر من 1.3 مليار دولار خلال الفترة من أغسطس 2020 إلى يناير 2022.
ومنذ توقيع اتفاق السلام، لا يكاد يمر شهر إلا ويشهد توقيع اتفاقيات جديدة، ففي 17 مارس/ آذار الجاري، وقعت وزارة التغير المناخي والبيئة مذكرة تفاهم مع وزارة الزراعة والتنمية الريفية في إسرائيل للتعاون بالمجال الزراعي.
وقبلها بأيام وقع الأرشيف والمكتبة الوطنية الإماراتية مذكرة تفاهم مع جامعة حيفا بهدف دعم الأهداف المشتركة والعمل لمصلحة قطاع التراث الثقافي والوثائقي الدولي إضافة إلى دعم البرامج والأنشطة ذات المنفعة المتبادلة، والتعاون في الأنشطة الثقافية.
ومطلع الشهر الجاري، احتضن سوق أبوظبي العالمي، الدورة الثانية من منتدى أبوظبي - إسرائيل للأعمال كجزء من التزام أبوظبي الاقتصادي طويل الأجل لجذب الشركات والمستثمرين الجدد والاحتفاظ بهم، ولتعزيز علاقات التعاون بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة إسرائيل بعد توقيع اتفاقية أبراهام التاريخية للسلام في العام 2020.
تلك الاتفاقات والأرقام الكبيرة خلال تلك الفترة القصيرة، تثبت بوضوح أن لدى البلدين رؤية استراتيجية وخارطة طريق واضحة لتوسيع آفاق الشراكة والتعاون على مختلف الأصعدة .
كما أن ثمار الاتفاقات التي تم توقيعها أو الجاري التباحث بشأنها تنبئ بمزيد من التعاون والتنمية والازدهار، وعلى رأسها اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الجاري التباحث بشأنها، والتي تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين البلدين.
وفي 16 نوفمبر الماضي تم إطلاق محادثات ثنائية بين دولة الإمارات ودولة إسرائيل للتوصل إلى اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة لتعميق العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين تحت مظلة الاتفاق الإبراهيمي للسلام.
يأتي إطلاق محادثات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في إطار "مشاريع الخمسين" لتوسيع آفاق شراكات الإمارات الاقتصادية مع ثمانية أسواق عالمية مؤثرة ضمن استراتيجيتها الطموحة للخمسين عاماً المقبلة.
محطات وإنجازات تتوج جهودا متسارعة لتطبيق اتفاق السلام التاريخي على أرض الواقع، وتعكس رغبة صادقة في أن يسهم التعاون بين الجانبين في النهوض بالمنطقة عبر إطلاق مرحلة جديدة للعلاقات والتعاون بين الدول في منطقة الشرق الأوسط، تقود لترسيخ الأمن والسلام والاستقرار.
إنجازات تكشف عن أن السلام هو جوهر التنمية، وتبرز حجم الفرص الذي يوفرها الاتفاق الإبراهيمي لشعوب المنطقة من الشباب والأجيال القادمة لتحقيق حياة آمنة بعيدا عن الصراعات، وخلق فرصا للتعاون في مجالات التنمية.
دعم فلسطين.. التزام أبدي
أما قراءة الزيارة والقمة في إطار محور دعم القضية الفلسطينية، فقد أغلق الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان الباب أمام أية محاولة للصيد في الماء العكر، وأكد بشكل واضح خلال "قمة النقب" على التزام دولة الإمارات بدعم الشعب الفلسطيني، ولحقوقه المشروعة وفي مقدمتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وجدد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان التزام دولة الإمارات بمساعدة الشعب الفلسطيني بما في ذلك من خلال دعم وكالات الأمم المتحدة ذات العلاقة.
التزام أكدت عليه دولة الإمارات مرارا وتكرارا، قولا وفعلا، قبل وبعد وخلال توقيع اتفاق السلام التاريخي مع إسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول 2020، وتؤكد عليه مجددا في أول زيارة رسمية لوزير خارجية الإمارات لإسرائيل.
يأتي ذلك استمرارا لسياسة دولة الإمارات، منذ تأسيسها، في وضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية، في نهج أسس له المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتسير على خطاه القيادة الرشيدة التي تكرس الجهود كافة لإحلال قيم العدالة والسلام.
كما يأتي ترجمة لرؤية الإمارات ورسالتها التي عبرت عنها عمليا منذ توقيع اتفاقية السلام التاريخية وتحملت في سبيل إيمانها برؤيتها الكثير من حملات الإساءات والافتراءات، وهي أن نشر السلام ودعم القضية الفلسطينية مساران يتكاملان ولا يتقاطعان.
رسائل تؤكد رغبة إماراتية في أن يجني الفلسطينيون ثمار اتفاق السلام، بما يدعم قضتيهم، ضمن مقاربة منطقية تستند على استراتيجية داعمة ومشجعة للسلام، وقائمة على ترسيخ مفاهيم التعايش والتسامح ودعم القيم الإنسانية، دون أن يعني ذلك تفريط في الثوابت والحقوق.
ومنذ خطوتها التي وصفها مراقبون ومسؤولون بالشجاعة والجريئة بشأن توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ما فتئت دولة الإمارات تؤكد أن المعاهدة لن تكون على حساب القضية الفلسطينية، وإنما تدعمها لتحقيق أمنيات الشعب الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي في إقامة دولة فلسطينية انطلاقا من رؤيتها حول إمكانية نجاح لغة الحوار في تحقيق ما لم تحققه عقود الجفاء والمقاطعة.
ولا يخلو أي خطاب سياسي لدولة الإمارات في أي محفل دولي أو إقليمي أو من خلال لقاءات ثنائية أو أي مباحثات مشتركة من التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية للإمارات والأمة العربية والإسلامية، والتحذير من مغبة عدم التوصل لحل عادل لتلك القضية، و التأكيد على الالتزام الثابت بدعم القضية الفلسطينية.
ومرارا أكدت دولة الإمارات التزامها ودعمها لعملية السلام في الشرق الأوسط، حيث تعتبرها الوسيلة الوحيدة لتحقيق استقرار وأمن المنطقة، وأن ذلك لا يكون إلا من خلال الحوار الساعي لتحقيق سلام عادل وشامل، حسب القرارات الدولية ذات الصلة، ومرجعيات مؤتمر مدريد، ومبادرة السلام العربية، وغيرها من المرجعيات الدولية المتفق عليها.
التزام تجاوز الآفاق السياسية إلى الأطر الإنسانية، إذ ساهمت الإمارات بأكثر من 883 مليون دولار أمريكي، منذ عام 2013 وحتى 2021، لتمويل القطاعات الحيوية ودعم جهود التنمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ووكالة الأونروا.
كما أرسلت 60 ألف جرعة من لقاح كوفيد-19، وأكثر من 36.6 طن من المساعدات الطبية العاجلة لآلاف العائلات الفلسطينية في قطاع غزة، لتمكينهم من التصدي للجائحة.
أرقم وتصريحات ورسائل تؤكد أن الاتفاق الإبراهيمي للسلام جاء في إطار دعم جهود السلام العادل والشامل والمستدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس حل الدولتين، وهذا الاتفاق تم إيمانا بأنه سيكون قاعدة للبناء عليها ولإعطاء دفعة لعملية السلام المجمدة منذ عقود.
نشر السلام
أيضا من أبرز رسائل ودلالات تلك الزيارة هو حرص الإمارات على نشر السلام في العالم، من خلال كتابة تاريخ جديد للمنطقة، قوامه التسامح والتعاون.
وهو ما عبر عنه الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد "قمة النقب"، قائلا إن "اجتماعات قمة النقب تعد لحظة تاريخية"، فمنذ 43 عاما عندما قامت مصر وإسرائيل بإبرام معاهدة السلام، مع الأسف خسرنا على مدار هذه الأعوام معرفة بعضنا البعض بشكل أفضل والعمل معا، وتغيير السردية القائلة بأن العديد من الأجيال من إسرائيل والعرب كانوا يعيشون في عداوة".
وأضاف: "ما نحاول تحقيقه اليوم هو تغيير هذه السردية وخلق مستقبل مختلف والبناء على أمل أفضل بالنسبة لنا وأولادنا والأجيال المقبلة".
وبين "أن إسرائيل جزء من هذه المنطقة منذ وقت طويل وحان الوقت لنعرف بعضنا البعض".
وأكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن دولة الإمارات تدعم وتساند كافة الجهود العالمية المبذولة من أجل تحقيق السلم والأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم بأسره.
وشدد على أهمية العمل المشترك من أجل إرساء قيم السلام والتعايش والتسامح في العالم أجمع، تلك القيم التي تشكل الركيزة الأساسية لتحقيق تطلعات الشعوب وبناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
وتحولت الإمارات إلى مصدر إلهام داعمي السلام حول العالم، فمنذ خطوتها الشجاعة بشأن توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل 15 سبتمبر/أيلول الماضي، انضمت 3 دول عربية أخرى لركب السلام هي البحرين والسودان والمغرب.
دور الإمارات الهام في نشر السلام، كان محل تقدير دولي، عبر عنه العالم بانتخاب أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة 11 يونيو/ حزيران الماضي دولة الإمارات لعضوية مجلس الأمن للفترة 2022-2023، في خطوة تعكس مكانة دبلوماسية الإمارات القائمة على نشر السلام والمحبة بين جميع شعوب الأرض، والتقدير الدولي لها.
وتسعى الإمارات حاليا من خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي خلال عامي 2022-2023، العمل بشكل حثيث لتعزيز الأمن والسلم الدوليين، وتعزيز التعاون مع الأصدقاء والشركاء لمواجهة التحديات العالمية الحالية.
زيارة تاريخية تقدم من خلالها الإمارات نموذجا عمليا على أهمية العمل الجماعي في خفض التوترات بين الدول، وأن التواصل والحوار والطرق الدبلوماسية والسياسية، هي الطرق الوحيدة التي يجب أن تتبع لحل الإشكالات والنزاعات بين الدول.
أما المحور الرابع لتلك الزيارة هو أهمية التعاون بين شركاء السلام (الإمارات والمغرب والبحرين ومصر وأمريكا وإسرائيل)، لوضع خارطة طريق تقود لبيئة أمنية إقليمية مستقرة، تكون داعمة للحوار ونشر السلام من أجل النهوض بمستقبل المنطقة.
وفي هذا الصدد أجمع وزراء خارجية دولة الإمارات ومصر والمغرب والبحرين والولايات المتحدة وإسرائيل، في ختام قمة النقب على نبذ الإرهاب، وتعزيز السلام.
aXA6IDMuMTQ3LjEwNC4xOCA= جزيرة ام اند امز