الرواية الإماراتية.. قفزات نوعية وغزارة في الإنتاج
"بوابة العين" تستطلع الآراء لقياس مستوى تطور الرواية الإماراتية، بهدف معرفة مدى تعمّقها والتصاقها بقضايا المجتمع.
3 عقود ونيف مرت على الانطلاقة الأولى للرواية الإماراتية، التي جاءت على وقع رواية "شاهندة" لراشد عبد الله النعيمي، والصادرة في بداية السبعينيات.
وتعيش الرواية الإماراتية منذ ذلك الحين وحتى اليوم، لحظات مد وجزر، عكست بمجملها مسيرة تطور الرواية وتحقيقها لقفزات نوعية، أصبحت معها أكثر انفتاحا على العالم، وارتباطا بالمجتمع وتعمقا بقضاياه، ليغلب عليها بعد 3 عقود صفة التنوع الأدبي، فتحررت من حدود المجتمع التقليدي، لتبحر في فضاء أوسع، منحها مكانة جيدة بين الروايات العربية. ذلك ما اتفقت عليه الآراء التي استطلعتها "بوابة العين" لقياس مستوى تطور الرواية الإماراتية، وبهدف معرفة مدى تعمقها والتصاقها بقضايا المجتمع، في ظل غزارة الإنتاج الأدبي، التي استطاعت أن تبقي عجلة دور النشر في حالة دوران دائمة، على مدار العام.
البداية كانت مع الروائي علي أبو الريش، الذي يُعَد من جيل الرواد، فقال إن الرواية الإماراتية استطاعت خلال عقودها الـ3، تحقيق قفزات نوعية. وأضاف: "الرواية في الإمارات قطعت شوطا كبيرا خلالها، وتمكنت من أن تتبوأ مكانها ليس فقط على المستوى المحلي والخليجي، وإنما العربي أيضا، وتحديدا الرواية النسائية، حيث شهدنا في الفترة الأخيرة كثافة في إنتاجها؛ ما أثبت وجودها، وحققت المرأة من خلالها إنجازا واضحا على المستوى الفني، وهذا بلا شك أمر يبشر بمستقبل أفضل". وواصل: "العالم الآن أصبح مفتوحا، وبالتالي أصبح هناك إمكانية لتلاقح الأفكار ونموها، وذلك فتح المجال أمام الجميع للاستفادة من تجارب الآخرين التي أصبحت متاحة أمام الجميع".
تعميق الفكر
أبو الريش الذي أبدى تفاؤلا واضحا حيال الرواية المحلية ومستقبلها، أكد أن الرواية الإماراتية استطاعت الخروج من جلبابها التقليدي. وقال: "في الواقع كانت بدايات الرواية بسيطة، وكانت جزءا من الواقع، وفضاؤها كان محدودا جدا لا يتجاوز حدود البحر والصحراء، لكن الأمر أصبح مختلفا الآن؛ فقد أسهم الانفتاح في تعميق فكر الروائي الذي أصبح يتناول العديد من القضايا المجتمعية، وهو ما جعل الرواية الإماراتية تتماشى مع الواقع بشكل عام، لا سيما أنه أصبح لدى الروائي مساحات واسعة لأن يقطعها ويعمل بها، في ظل التغيرات المجتمعية والاقتصادية والسياسية التي نشهدها حاليا، وهذا بلا شك يعد عاملا مهما في تطور الرواية، وفيه دليل آخر على نجاح الرواية الإماراتية في التعمق بالمجتمع المحلي وقضاياه المعاصرة".
من جانبها أكدت الروائية فتحية النمر، أن الرواية الإماراتية شهدت تطورا لافتا خلال مسيرتها. وقالت: "تطورت الرواية الإماراتية كثيرا مع مرور الزمن، وأصبحت تتناول قضايا مختلفة تماما عما دأبت عليه سابقا؛ حيث واكبت في ذلك تطور المجتمع نفسه، ولكن ذلك لا يعني أن التطور أصاب كل الروايات الإماراتية". وتابعت: "أعتقد أن الروايات التي وضعت لها هدفا منذ البداية وعملت على تقديم النقد للمجتمع وممارساته المختلفة، وتعيد ترتيب الأمور بطريقة جديدة، استطاعت أن تحقق قفزة نوعية، في المقابل، هناك روايات ضاعت هويتها تماما؛ لأنها لم تحدد الهدف الذي تسعى إليه". وأشارت إلى أن بعض كتاب الرواية الإماراتية استطاعوا معالجة مشاكل المرأة وعلاقتها بالرجل ومشكلة الخدم والعمالة والتشظي النفسي للإنسان، والخوف والفوضى، وغيرها. وقالت:"أنا قمت من خلال أعمالي بمعالجة مثل هذه القضايا، ولذلك أعتبر أن الرواية في هذا الإطار تصبح مؤثرة".
تعزيز الإنتاج
رأي الكاتب الدكتور حمد الحمادي، صاحب رواية "ريتاج" التي اقتبس منها مسلسل "خيانة وطن" الذي عرض في رمضان الماضي، جاء مساندا للآراء الأخرى، من حيث تطور الرواية الإماراتية. وقال: "إذا عدنا للوراء قليلا؛ سنجد أن عدد الروائيين في الإمارات كان بسيطا جدا، وكذلك الإنتاج الأدبي بشكل عام كان أيضا محدودا، بسبب ظروف النشر وصعوبتها في ذلك الوقت بحكم عدم وجود دور نشر إماراتية؛ الأمر الذي كان يفرض على أي كاتب إماراتي التوجه نحو الخارج لنشر إنتاجه وكتبه". وأضاف: "الوضع الحالي أصبح مختلفا مع انتشار دور النشر في الإمارات؛ حيث شكّل ذلك حافزا لتعزيز الإنتاج الأدبي، خاصة من قبل الفئة الشابة، وهذا زاد من تنوع الرواية الإماراتية، وأصبحت تتطرق إلى مواضيع جديدة ومختلفة، لم يسبق أن تطرقت إليه من قبل".
وأشار إلى أن هذا التنوع انعكس على عملية تطور الرواية نفسها، وهناك الكثير من التجارب الناجحة على الساحة. وقال: "أعتقد أنه لا يوجد هناك شرط محدد يفرض على الرواية الإماراتية أن تتعامل مع قضايا مجتمعها فقط؛ لأن المجال مفتوح أمامها، ويمكن للراوي أن يتناول أي قضية حتى وإن كانت في مجتمع آخر". وبيّن أن بعض الروايات الإماراتية تطرقت إلى جوانب مختلفة من قضايا المجتمع. وقال: "أنا مثلا أتطرق في رواياتي إلى الجوانب الأمنية والإرهاب، في حين أن هناك من يتطرق إلى مجالات أخرى مثل الرياضة والخيال العلمي وأخرى تتحدث عن القضايا الشرطية وغيرها، وهذا يبيّن لنا مدى تنوع الرواية والذي جاء نتيجة مباشرة لكثرة عدد الرواة".