بعض الأحداث والمظاهر السياسية في العلاقات بين الدول، تحمل داخلها دلالات أعمق وأوسع كثيرا من حدودها المباشرة وأبعادها الظاهرة.
والنموذج المثالي لذلك، تجسده زيارة السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان لدولة الإمارات العربية المتحدة.
فالزيارة في ظاهرها خطوة عادية في سياق علاقات جيدة بين دولتين شقيقتين تجمعهما أواصر التاريخ والجغرافيا، لكن بقليل من التعمق في توقيت الزيارة والسياقات المحيطة بها، نلحظ بسهولة أنها زيارة غير عادية، ولها جوانب وأبعاد متعددة المستويات والانعكاسات.
إذ تأتي زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الإمارات في توقيت شديد الأهمية والحساسية على المستوى الإقليمي، سواء في النطاق الإقليمي الأوسع، أي منطقة الشرق الأوسط، أو النطاق المباشر، أي منطقة الخليج العربي.
ففي ظل التطورات والمستجدات التي يشهدها الشرق الأوسط، مؤخرا، بات ضروريا التنسيق والتشاور بين الدول المحورية في المنطقة.
أهداف تتجاوز النطاق الثنائي
وتكمن هنا الدلالة الأولى في زيارة الدولة التي يقوم بها سلطان عُمان لدولة الإمارات، وهي أن أهداف الزيارة وأجندتها تتجاوز النطاق الثنائي المباشر بين الدولتين، وهو ما أراه في الواقع أمرا منطقيا وطبيعيا، حيث العلاقات الثنائية بين الإمارات وعُمان من القوة والمتانة والرسوخ بما لا تحتاج معه إلى لقاء قمة لتعميقها أو تعزيز روابطها.
ويدل على ذلك أمران اثنان أساسيان، هما أولا: أن التواصل السياسي رفيع المستوى قائم أصلا ومستمر بين كبار القادة والمسؤولين في البلدين.
والأمر الثاني تؤكده المظاهر العملية للتعاون الثنائي الوثيق والعميق، خصوصا في أشكالها الاقتصادية، بما فيها حجم التبادلات التجارية والاستثمارات المشتركة، فالإمارات الشريك التجاري الأول لسلطنة عُمان بنسبة 40% من وارداتها الخارجية (حوالي 2.2 مليار دولار).
إذن، التعاون الثنائي وثيق سياسيا واقتصاديا، ومن ثم، فإن قضايا الإقليم ومستجداته هي الشاغل الأساسي في هذه الزيارة المهمة، ولا شك في أن الشراكة الثنائية بذاتها كفيلة بتطوير المصالح المشتركة بين البلدين إلى شراكة أوسع وتفاهمات حول القضايا الإقليمية، بما يخدم نفس الهدف، وهو استقرار وتنمية وأمن جميع شعوب ودول المنطقة.
وفي مبادرة السلطان هيثم بن طارق بالحضور إلى دولة الإمارات واستقباله الأخوي الدافئ بواسطة الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة، تأكيد عملي على وجود إدراك مشترك لدى سموهما أن أبوظبي ومسقط على رأس العواصم العربية المنوط بها التصدي للتحديات الحالية التي تحيط بأمن واستقرار الشرق الأوسط بما فيه الخليج العربي.
وفي هذا بذاته دلالة أخرى لا تقل أهمية ورسالة لمن يهمه الأمر عربيا وإقليميا، بأن دولة الإمارات وسلطنة عُمان جديرتان بهذا الدور القيادي في المنطقة بمستوييها، الخليجي والإقليمي.
زيارة تاريخية ومردود مباشر
ومن الجدير بالتسجيل في هذا السياق، أن تعدد القضايا المُلحة في المنطقة وتنوع التحديات الراهنة، يعني أن لتلك الزيارة التاريخية ومجرياتها من مباحثات وتفاهمات بين الزعيمين والمسؤولين في البلدين، مردودا مباشرا وحيويا في إدارة المشهد الإقليمي الحالي، بما يتضمنه من ملفات حيوية لأمن واستقرار المنطقة مثل: تطورات الحرب في غزة المستمرة لأكثر من 7 أشهر، والمناوشات بين إيران وإسرائيل وما تحمله من قلق جراء توسع التداعيات الخطيرة على المنطقة، وكذلك أمن الملاحة في البحر الأحمر.
وبحكم أنها ملفات معقدة ولها أبعاد متداخلة ومتعددة الأطراف، فإن عبء التصدي لها ومعالجتها لا يقع فقط على الدول المحورية والقيادية في الخليج والمنطقة ككل، وإنما يحتاج بالضرورة إلى مشاركة جماعية وتفاهمات في أكثر من اتجاه، الأمر الذي يزيد من أهمية التنسيق والتشاور بين دولة الإمارات وسلطنة عُمان، خاصة في ضوء المكانة المتميزة للدولتين لدى دول المنطقة، وكذلك لدى القوى الكبرى في العالم، بما يجعل التوجهات والتفاهمات التي ستسفر عنها زيارة السلطان هيثم إلى الإمارات، نقطة انطلاق تدعو إلى التفاؤل بمرحلة جديدة من التحرك الإيجابي نحو نزع فتيل التوتر الإقليمي الحالي.
وبالتالي فالمنتظر أن تكون المباحثات بين الشيخ محمد بن زايد والسلطان هيثم بن طارق، بمثابة بوصلة لتحركات حثيثة وعملية تقوم بها الإمارات وعُمان في مختلف الاتجاهات ودوائر تأثير كل منهما، لتجنيب المنطقة مزيد من التوتر والاضطراب والنأي بها عن أي حروب أو مواجهات لا تفيد أحدا ولا تخدم أي طرف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة