قبل أسابيع دخلت في نقاش مع بعض الأصدقاء في بلدي موريتانيا حول دولة الإمارات العربية المتحدة وسياساتها فيما يتعلق بحرب غزة.
وامتد النقاش ليشمل موضوع العائلة الإبراهيمية وغير ذلك من التهم المعلبة الجاهزة، التي يتحفك بها أي شخص لا يرى ما تَرى، ويَعرف أنك مقيم في دولة الإمارات.
لكن ما أثار استغرابي هو جهل الأصدقاء وغيرهم بحقيقة هذا البلد.. أول سؤال من بعضهم كان: لماذا تقف الإمارات مع إسرائيل في حرب غزة؟ وبعد نقاش طويل اكتشفت أن الأصدقاء ليست لديهم أي فكرة عن المساعدات الإماراتية لشعب غزة.
فمثلا، لم يسمعوا بالمستشفى الميداني الإماراتي في غزة، ولم يسمعوا بمحطات تحلية المياه، ولم يسمعوا بعملية "الفارس الشهم 3" وما قدمت من مساعدات لآلاف المواطنين في غزة، وليست لديهم فكرة عن مبادرة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الخاصة باستضافة ألف طفل فلسطيني من المصابين بالسرطان ومصابي الحرب في غزة رفقة عائلاتهم للعلاج في المستشفيات الإماراتية، ولم يسمعوا بتقديم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان 20 مليون دولار مساعدات لغزة، وغيرها الكثير والكثير.
كما ليست لديهم أي فكرة عن معركة الإمارات الضارية في مجلس الأمن الدولي، والتي أشاد بها الجانب الفلسطيني قبل غيره لإصدار قرار يقضي بوقف الحرب، وعن اعتماد مجلس الأمن لقرار طرحته الإمارات لزيادة المساعدات الموجهة إلى غزة.. كل ذلك يجهلونه ويركزون على مقطع مجتزأ من كلام مسؤولة إماراتية في مجلس الأمن تدين عملية حماس البربرية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
لكن الذي لم يَظهرْ لهؤلاء أيضا وكان واضحا كالشمس أن هذا موقف إدانة لقتل المدنيين الإسرائيليين اتخذته أغلب الدول العربية، بعضها بشكل صريح، وبعضها بشكل مبطن، وهو إدانة قتل المدنيين من الجانبين.. تطور النقاش بعد تدخل أحد الشباب الذي سأل: ما حقيقة الدين الإبراهيمي الذي تدعو إليه الإمارات؟ سؤالٌ يدخل في بابِ "المُضحِكاتِ المُبكِياتِ"، فقد أضحكَني وأحزنني في الوقتِ نفسه.
بادرت بالقول مُجيبا: من هو نبي هذا الدين؟ هذه أيضا إحدى التهم المعلبة الجاهزة التي تسمعها من البعض للأسف دون أي خلفية معرفية بحثيةٍ عن الموضوع.
وما يعمق حزنك بشأن هذه القضية هو أن من يذهبونَ هذا المذهبَ التلفيقيَّ في اتهامِ الإمارات ليست لهم أيُّ دراية بموضوع العائلة الإبراهيمية، ولا برمزية بيت العائلة الإبراهيمية، ولم يكلفوا أنفسهم بعض العناء للبحث عن أصل القضية ولم يطلعوا على ما كُتب في الموضوع، وكذلك لم يقرأوا ما دبّجته أقلامُ علماء كبار تأسيسا لـ"وثيقة الأخوة الإنسانية" أو تعليقا عليها، وهي وثيقة لا تنفصل في مقاصدها السلمية والسَّمحة عن موضوع العائلة الإبراهيمية.
القضيةُ بالنسبة لهؤلاءِ قناعةٌ محسومةٌ حسْمًا تاما لا هامش فيها للتقدير النسبي الخاطئ أو المتعجِّل أو المُفتري، وأصلُ هذه القناعةِ لديهم ومصدرُها ما يُروِّجُ له أعداءُ الإمارات أو المستكثرين عليها هذا الدور دون الالتفاتِ إلى حقيقة هذه المُبادرات الإماراتية العالمية التي تسعى إلى نشر ثقافة السلم والتسامح والعيش المشترك والانفتاح على الآخر من مختلف الديانات، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الروابط الإنسانية، ويُثيرَ نوازع التعاون في النفوس مهما اختلفت ثقافاتها، ويؤدي إلى خفض منسوب خطاب الكراهية والعنف والتطرف.
أو كما قال العلامة المجدد الشيخ عبدالله بن بيه "إن المشتركات التي تصون كرامة الإنسان وترفع من شأنه، من خلال العناية بما نسمّيه في الإسلام بالكليات الخمس، وهي الدين والحياة والعقل والملكية والعائلة، تشكل أساس المشترك الديني بين كل الشرائع والملل، خاصة أديان العائلة الإبراهيمية، فجميعها جاءت بحفظها ورعايتها".
وهنا ألفت النظر إلى أن العلامة الشيخ عبدالله بن بيه كان داعيا إلى الحوار والتعايش والتسامح بين البشرية ومُتبنيا هذه الفكرةِ السامية حتى قبل أن يأتي إلى الإمارات، وأدعو الجميع إلى الرجوع إلى فتاويه وكتبه وتسجيلاته، وسيتأكدون من ذلك بالصوتِ والصورة، ولقد وجد الشيخ في دولة الإمارات سلطة سياسية مُسلِمةً يؤرقها ربطُ الإسلامِ بالإرهاب واستغلالُ الجماعات المتطرفةِ وجماعاتِ الإسلام السياسي لديننا الحنيف السمح، فاجتهد في تبيان حقيقة الإسلام ورحمته وسماحته بدعم كبير من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، التي تأسست أول ما تأسستْ على هذا النهج، وكانت مستعدة لدعمه وتحمل مسؤولياته عالميا، ثم جاءَ زمنٌ وُصم فيه الإسلام بالإرهاب، بل أصبحت تهمة الإرهاب تلاحق كل مسلم في العالم، وظهرت تنظيماتٌ إرهابية كداعش تحمل راية الإسلامِ وهو منها براء، فزادت الطين بلة، والرؤية ضبابية وتشويشا، لكن جهود العلماء المُخلصين كالعلامة المُربي الشيخ بن بيه، بدعم من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نجحت في إظهار نموذج الإسلام السمح المعتدل للآخر، حتى أصبح قادة الغرب في أمريكا وأوروبا يشيدون بجهود الشيخ بن بيه في تعزيز السلم عالميا والدور العالمي لقادة الإمارات في نشر ثقافة السلام والتسامح في العالم.
لقد عملت دولة الإمارات منذ تأسيسها على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه على الاستثمار في الإنسان بصدر متسع للحوار والتسامح وفضاء رحب لا يضيق بالآخر المختلف، وهذا ما تحصد فوائده اليوم في ظل قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رجل السلام العالمي داخليا وخارجيا.
فمن هنا كان تمتع المقيم على هذه الأرض الطيبة بجميع الحقوق والخدمات وفق أعلى المعايير العالمية، وأصبحت دولة الإمارات بلاد الفرص كما يقال، يطمح شباب العالم للعيش فيها، كما أضحت منبرا اقتصاديا وعلميا تشيد به جميع الدول الغربية.
ولهذا كان واجب الوقت على أي مواطن عربي أن يشيد ويفخر بكون دولة عربية وصلت للفضاء، وأنتجت برنامجا نوويا سلميا، وأصبحت مركزا تجاريا وماليا عالميا، وبنت جامعات ومؤسسات أكاديمية بمواصفات عالمية، وأصبحت مركزا للذكاء الاصطناعي وصناعة السلاح، وبنت جيشا قويا وفق معايير الجيوش الكُبرى، يُضاف هذا كلُّهُ إلى قوتها الناعمة التي استفاد منها العالم أجمع، إذ قدمت مساعدات لأغلب دول العالم خلال الجوائح مثل جائحة كورونا، وخلال الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات، كل ذلك وغيره الكثير حاولت بروباغندا جماعات الإسلام السياسي وداعميهم الذين لا يطربهم أي زامر عربي تغطيتَه وإخفاءه، لكنْ أنّى لراغبٍ في حجب الشمس الساطعة بالغُربالِ أن يبلغَ هدفَهُ ويصلَ مُبتغاه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة