لم تحاول إيران، منذ عقود، تقديم مصالحها الاستراتيجية، السياسية والاقتصادية، على النظريات القديمة المتأصلة، التي نشأت منذ ظهور "الثورة الإسلامية" الإيرانية عام 1979، وتطورت لتصبح عداء وخصومة اجتماعية ثقافية دينية مع الدول العربية، خاصة دول الخليج العربي.
فاتخذت من بعض الدول العربية كالعراق وسوريا ولبنان واليمن منصات للتدخل الفكري والثقافي، الذي تحول مع الأيام إلى تدخل سياسي وعسكري يهدد الأمن القومي العربي، وحال دون قدرة الساسة الإيرانيين الحاليين إلى الاندماج أو الانخراط في جميع المبادرات والمحاولات الخليجية لرأب الصدع والمضي نحو تحقيق السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط.
ما نشهده اليوم من التغول الإيراني السياسي، في العراق تحديدًا وفي لبنان واليمن أيضًا، يزيد من صعوبة إيجاد أرضية مصالح مشتركة بين الدول الخليجية وإيران، والتي في معظمها مصالح ناضجة جاهزة لتكوين "دبلوماسية اقتصادية" قادرة على تعزيز وجود تعاون كبير في مجالات الطاقة، حسب تقرير لموقع "مؤسسة بورز آند بازار" البريطاني، صدر مؤخرًا، وهي مصالح مشتركة مستعدة أيضًا لخلق حوافز اقتصادية مضمونة يعجز الجانب الإيراني عن الاستفادة منها، في ظل أزمة طاقة عالمية، وفي ظل العزلة الإيرانية، خلال السنوات الماضية.
أصبح واضحًا، بما لا يدع مجالا للشك، أن إيران تستخدم قوتها السياسية والعسكرية في الدول العربية المستهدفة، كلما زادت وتشابكت وتعقدت علاقتها مع الولايات المتحدة، فهي تريد عودة أمريكا للاتفاق النووي، ولكنها لا تمتلك الأوراق الكافية، السياسية والدبلوماسية، التي يمكنها استخدامها للضغط على الجانب الأمريكي، فتضطر دون تخطيط إلى التصعيد في اليمن أو في العراق، ما يدفع لانهيار وتحطيم الأفكار والتصريحات والبيانات الإيرانية السابقة، الداعية إلى أهمية وضرورة بناء علاقات خليجية إيرانية قوية وثابتة وراسخة، وتدفع أيضا لنزع قيمة كل رسائل التهدئة والتطمين الإيرانية، ما يجعلها تبدو دائمًا مشوشة وغامضة.
تحظى إيران، بصورة أو بأخرى، بدعم أوروبي مبطن، ومكشوف أحيانًا، يجعل من ترسيخ علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول الخليج، يواجه صعوبة كبرى في ظل سياساتها ونظرياتها للتغلغل في النسيج العربي والسيطرة عليه.
ويبدو أن الأوروبيين أنفسهم لا يلقون بالا لذلك، أو لا يفهمونه بشكل جيد، وتلك مصيبة، أما إذا كانوا يفهمون هذا التضارب والتضاد والتشويش والتشابك، والكيل بمكيالين والازدواجية المنفرة، في طبيعة العلاقات الخليجية الإيرانية، ويريدونها كذلك، وأنها جزء من استراتيجيتهم بعيدة المدى، فالمصيبة أعظم.
التناقض المتراكم في السياسات الإيرانية تجاه دول في الخليج العربي، ليس سببه دائمًا الجذور التاريخية، أو طبيعة العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة، أو الدعم الأوروبي، بل يبدو أحيانًا أن السبب الرئيس هو وجود اختلاف حقيقي داخل البنية الإيرانية تجاه الخليج والعالم أيضا، ففي الداخل الإيراني هناك من يرى خصومة مع الخليج العربي، وهناك من يرون عكس ذلك، ويحسبون المصالح السياسية والاقتصادية وعلاقات الجيرة والتكامل الإقليمي، ويدفعون لتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي بأي ثمن ممكن.
المبررات الإيرانية القديمة، بوجود مخاوف من شن حرب على إيران، أصبحت ساذجة في ظل 4 سنوات من التصعيد الأمريكي تجاه إيران، خلال فترة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دون إطلاق طلقة واحدة، فكيف هي اليوم وقد تبين للمجتمع الدولي، بصورة قاطعة، أن الإدارة الأمريكية الحالية ليس ضمن مخططاتها أو استراتيجياتها استخدام لغة الحرب، ليس مع إيران فحسب، بل حتى مع أي دولة أخرى.
تبذل قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة جهودها السياسية والدبلوماسية كافة لاجتذاب العقول الإيرانية المنفتحة على السلام والأمن لإعادة إيران إلى منظومة الشرق الأوسط المتماسكة، من خلال رؤى سياسية واقتصادية استراتيجية، تضمن للجميع أرضية صلبة غير قابلة للكسر، تسهم في تعزيز المصالح العليا الاستراتيجية لكل دولة، وتساعد أيضًا، في مطلق الأحوال، التعاون السياسي والاقتصادي المشترك، وهو الأمل الحقيقي الوحيد، الذي يمكن التعويل عليه لمستقبل المنطقة.
خلال قراءة دقيقة للنتائج الأولية، المتعلقة بجهود دولة الإمارات الدبلوماسية في منظومة العلاقات الخليجية الإيرانية، خاصة قبيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة ثم بعد مغادرته، تفتح طريق ممهدة أمام الإدارة الإيرانية للاقتراب وتصفية الخلافات ونزع التوتر مع كل دول المنطقة، والبدء بمرحلة جديدة عنوانها الأمن والسلام والازدهار والتطور.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة