الإمارات وروسيا.. تعاون بناء يتجاوز حدود الأرض ويصل الفضاء
تعاون مثمر في مجالات الثقافة والتعليم والفضاء بين الإمارات وروسيا، يصب في صالح البلدين بشكل خاص والبشرية بشكل عام.
كان أبرز ثمار هذا التعاون إطلاق «قاموس علم النفس الإماراتي الروسي» يوليو/تموز الماضي، وهو الأول من نوعه محليا وعربيا وعالميا، ونجاح رحلة أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى محطة الفضاء الدولية في سبتمبر/أيلول 2019 في إنجاز تاريخي، ونجاح أول مهمة إماراتية لمحاكاة الفضاء عام 2022.
مركز الشيخة فاطمة بنت مبارك للتعليم
وبالتزامن مع الزيارة التي يجريها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا التي بدأت أمس الأحد، يشهد هذا التعاون دفعة قوية توجت بتحقيق نتائج بارزة.
في إطار تلك الزيارة افتتح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الإثنين "مركز الشيخة فاطمة بنت مبارك للتعليم" في مدرسة بريماكوف الدولية في العاصمة موسكو.
وشاهد الزعيمان عرضا تعريفيا تناول مناهج المركز وأهميته في تعزيز التعاون في مجالات تعليم اللغة العربية، إضافة إلى التاريخ والثقافة والفنون والعلوم، بجانب نبذة عن مدرسة بريماكوف التي تركز في مناهجها على تطوير الجوانب الفكرية والإبداعية لدى طلابها منذ سن الطفولة المبكرة مع تزويدهم بأدوات العصر من المعرفة اللازمة وتقدم المنح للطلبة الموهوبين من نحو 50 منطقة في روسيا.
وقدم الدكتور سيرجي كرافتسوف، وزير التعليم الروسي، نبذة تعريفية بشأن أهداف المدرسة في تخريج جيل من المتميزين وتطوير إمكانياتهم ومواهبهم.
من جانبه تحدث الدكتور محمد أحمد الجابر، سفير دولة الإمارات لدى روسيا الاتحادية، عن التعاون المشترك بين البلدين الصديقين والأهمية التي توليها قيادة دولة الإمارات لتعزيز هذا التعاون الطموح على مختلف المستويات خاصة في المجالات التعليمية.
وبين أن إطلاق اسم الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات" رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية على المركز، يأتي تقديراً لجهودها ومبادراتها العالمية الهادفة إلى دعم العلم والتعليم.
وأشار إلى أن افتتاح "مركز الشيخة فاطمة بنت مبارك للتعليم" في موسكو يجسد عمق العلاقات التي تجمع البلدين وشعبيهما الصديقين.
وقام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الروسي بجولة في "مركز الشيخة فاطمة" وتبادلا الأحاديث مع القائمين عليه والكوادر الإدارية والتعليمية في المدرسة، معربين عن تقديرهم لهذه المبادرة الطيبة التي تعبر عن الحرص المتبادل على تعزيز التعاون المشترك بين البلدين.
كما استمع الزعيمان خلال جولتهما في أحد فصول المركز إلى عدد من الطلبة الذين تحدثوا باللغة العربية حول أهمية الدراسة في المركز ضمن مدرسة بريماكوف، وما تقدمه من فرصة تعليمية نوعية وفق أعلى المعايير العالمية.
وقد وضعت في مرافق المدرسة لوحات تحمل أقوالا مأثورة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخرى للرئيس فلاديمير بوتين حول التعليم والمستقبل وبناء الأجيال.
مسار واعد
جاء افتتاح المركز عقب قمة إماراتية-روسية جمعت زعيمي البلدين في الكرملين اليوم الإثنين، تم التأكيد خلالها على أن تعزيز التعاون بين البلدين في مجال التعليم والثقافة يعد مسارا واعدا.
واستعرض الزعيمان، خلال القمة، مسار تطور العلاقات الإماراتية-الروسية خلال الفترة الماضية خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والفضاء والطاقة، وغيرها من الجوانب في ظل شراكة البلدين الاستراتيجية، مؤكدين حرصهما على تطوير هذه العلاقات على مختلف المستويات.
في لفتة امتنان ووفاء حرص رئيس الإمارات على توجيه الشكر لروسيا لتعاونها مع بلاده في قطاع الفضاء، عبر كلمات مؤثرة، قال فيها "من الأمور التي أثرت في قلوب الإماراتيين ونتذكرها دائما أن روسيا قدمت مساهمة كبيرة في تحقيق حلم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان المؤسس رحمه الله بالوصول إلى الفضاء".
وأضاف "فقد ذهب هزاع المنصوري، أول رائد فضاء إماراتي، إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة فضاء روسية وتدرب مع سلطان النيادي صاحب أطول مهمة عربية في الفضاء في مركز يوري جاجارين الروسي".
كان هزاع المنصوري وسلطان النيادي تلقيا مجموعة تدريبية في مركز "يوري جاجارين" لتدريب رواد الفضاء بمدينة النجوم في موسكو في سبتمبر/أيلول عام 2018، ضمن مراحل الاستعدادات قبل الانطلاق إلى محطة الفضاء الدولية، التي خضع فيها رائدا الفضاء الإماراتيان، إلى تدريبات مكثفة تكللت بالرحلة التاريخية لهزاع المنصوري لمحطة الفضاء الدولية.
الفضاء.. إنجازات تاريخية
وحققت دولة الإمارات إنجازا تاريخيا على الصعيد العربي، في 26 سبتمبر/أيلول 2019، بعد أن وصل رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية، ليكون بذلك أول إماراتي وعربي تحط قدماه على تلك المحطة منذ إنشائها في عام 1998.
نجاح جاء ثمار نتيجة تعاون إماراتي روسي بعد أن وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة في مركز محمد بن راشد للفضاء وجمهورية روسيا الاتحادية، ممثلة في وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، اتفاقية تعاون في يونيو/حزيران 2018 لإرسال أول رائد فضاء إماراتي للمشاركة في الأبحاث العلمية ضمن بعثة فضاء روسية إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة "سويوز إم إس" الفضائية الروسية.
وقضى المنصوري 8 أيام على متن محطة الفضاء الدولية، في رحلة تاريخية أجرى خلالها 16 تجربة علمية بالتعاون مع شركاء دوليين، منهم وكالة الفضاء الروسية.
وجسدت تلك الرحلة طموح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في وصول أبناء دولة الإمارات إلى الفضاء.
وخلال زيارته لدولة الإمارات في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2019، التقى الرئيس الروسي رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري وزميله البديل في المهمة سلطان النيادي اللذين حرصا على الترحيب به في دولة الإمارات وتحيته باللغة الروسية.
وأعرب بوتين حينها عن سعادته بلقائهما متمنيا لهما التوفيق في مهامهما المستقبلية في خدمة بلدهما والإسهام في تقدمه وتطوره في مجال علوم الفضاء، وهنأ دولة الإمارات بانطلاق أول رائد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
ثم جاء إنجاز سلطان النيادي "أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب" والتي استمر خلالها 6 شهور خلال عام 2023 على محطة الفضاء الدولية، ليعزز هذا الشغف ويدعم هذا الطموح، بما حققه من إنجازات غير مسبوقة خلال المهمة، من بينها المشاركة في 200 تجربة علمية، وإنجاز أول مهمة عربية للسير في الفضاء خارج محطة الفضاء الدولية.
أيضا على صعيد التعاون بين البلدين في مجال الفضاء، تحديدا في 3 يوليو/تموز 2022، أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء انتهاء "المهمة رقم واحد" من مشروع الإمارات لمحاكاة الفضاء وتحقيق أهدافها بنجاح كبير.
ونجحت أول مهمة إماراتية لمحاكاة الفضاء بخروج رائد محاكاة الفضاء الإماراتي المشارك في هذه التجربة الرائد صالح العامري من عزل خضع له على مدار 8 أشهر في المجمع التجريبي الأرضي في معهد الأبحاث الطبية والحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، أجرى خلاله 70 تجربة، ليكون أول رائد محاكاة فضاء عربي يشارك بـمهمة "سيريوس 21".
ويأتي ذلك ضمن مشروع دولة الإمارات لمحاكاة الفضاء "المهمة رقم 1"، الذي يدخل ضمن برنامج البحث العلمي الدولي في المحطة الأرضية الفريدة بموسكو "سيريوس 21".
وشارك في المهمة إلى جانب العامري رواد فضاء من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وتهدف المهمة إلى إشراك فريق بشري مختص في تجربة محاكاة العيش وسط ظروف بيئية وحياتية تحاكي تضاريس الكوكب الأحمر وبيئته القاسية مع إجراء الدراسات السلوكية المطلوبة لمتابعة النتائج العلمية والاستفادة منها في تحضيرات دوليّة لرحلات مأهولة إلى الكوكب الأحمر.
واستهدفت المهمة دراسة تأثير العزلة في مكان مغلق لفترة طويلة على الحالة النفسية والجسدية للإنسان بهدف المساعدة في التحضير لمهام استكشاف الفضاء طويلة المدى.
وستؤدي مشاركة دولة الإمارات في هذه المهمة دوراً محورياً في تطوير الإمكانات الإماراتية وستُسهم في تعزيز برنامج المريخ 2117، الذي يهدف إلى إنشاء مستوطنات بشرية على المريخ بحلول عام 2117، ويدعم مهام رواد الفضاء في رحلاتهم إليه مستقبلا.
تعاون أكاديمي
وإلى جانب التعاون في مجال الفضاء يتواصل التعاون بين البلدين في المجالات الأكاديمية والعلمية والثقافية.
وتأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا بعد نحو شهرين من توقيع جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية اتفاقية تعاون مع الجامعة الوطنية للبحوث والمدرسة العليا للاقتصاد في روسيا 4 أغسطس/آب الماضي.
تأتي هذه الخطوة في إطار سعي جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية الدائم لتحقيق رؤيتها المستقبلية في توسيع قاعدة شركائها الأكاديميين على مستوى العالم، وتبادل الخبرات والتجارب العلمية مع نظيراتها من مؤسسات التعليم العالي العريقة.
وأطلقت مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم يوليو/تموز الماضي «قاموس علم النفس الإماراتي الروسي»، الأول من نوعه محليا وعربيا وعالميا، تنفيذا لبنود الشراكة الاستراتيجية الدولية بين المؤسسة وجامعة أورال الفيدرالية-روسيا في إطار التعاون بين الجانبين الذي يشمل البحث والتطوير في مجال علم النفس والطب النفسي، ويأتي استجابة لإشباع الحاجات المعرفية، وتحقيق الأهداف المنشودة لدى المتعلمين باللغتين العربية والروسية معا.
وسبتمبر/إيلول 2023، افتتح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية "MGIMO"، قاعة "الإمارات العربية المتحدة".
وقال لافروف في كلمة ألقاها آنذاك "اليوم نحن حاضرون في حدث رمزي وهو افتتاح قاعة الإمارات العربية المتحدة في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، وهذا يعكس تماما الطبيعة المتنامية للشراكة الاستراتيجية القائمة بين بلدينا ويؤكد التعاون الوثيق المبني على الثقة المتبادلة والبحث عن توازن المصالح على مر السنين".
وفي سبتمبر/إيلول 2022، تم افتتاح المدرسة الروسية في أبوظبي، التي تعد أول مؤسسة تعليمية إماراتية تقدم المنهج الروسي في إمارة أبوظبي.
ويرتقب أن تسهم زيارة زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الحالية إلى روسيا، التي بدأت أمس الأحد، في تطوير ودعم التعاون في مجالات الفضاء والتعليم والثقافة بما يصب في صالح تطوير وازدهار البلدين وتحقيق منافع للبشرية بشكل عام.
aXA6IDMuMTQyLjIxMi4xMTkg
جزيرة ام اند امز