الإمارات وروسيا.. تعاون متنامٍ يعزز العلاقات التاريخية

حرص إماراتي روسي على تعزيز الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين منذ عام 2018، بما يعطي زخما إضافيا للعلاقات التاريخية.
ظهر ذلك جليا في مخرجات وأجندات مباحثات القمم المتتالية والزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين.
ضمن أحدث تلك الزيارات، يجري الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، زيارة رسمية إلى روسيا، الخميس، ويلتقي خلالها رئيسها فلاديمير بوتين.
وتتصدر أجندة مباحثات القمة، مختلف جوانب الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين وسبل تعزيزها، خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة وغيرها من المجالات التي تخدم التنمية المشتركة، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
وتعد هذه الزيارة الثانية لرئيس الإمارات خلال 10 شهور، بعد التي أجراها في أكتوبر/تشرين الأول 2024، واستبقتها زيارة للرئيس الروسي لدولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2023.
القمم التي شهدتها الزيارات الثلاث تأتي من بين 14 قمة جمعت الزعيمين خلال 14 زيارة متبادلة منذ تولي بوتين رئاسة روسيا عام 2012 (الفترة الرئاسية الثالثة)، بحسب إحصاء لـ"العين الإخبارية"، بينها 5 قمم منذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مقاليد الحكم مايو/أيار 2022.
5 قمم إماراتية روسية خلال 5 زيارات متبادلة لقادة البلدين على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، تخللتها زيارات ومباحثات ولقاءات بين مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين، لتعزيز علاقة الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين منذ عام 2018.
ومنذ إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، يتصدر تعزيز تلك الشراكة أجندة قادة البلدين في قممهم المتتالية.
تأتي القمم المتتالية بين قيادتي البلدين في سياق الحرص المشترك على التنسيق والتشاور المستمر بينهما، بما يعزز الشراكة الاستراتيجية بينهما، والارتقاء بهذه العلاقات في المجالات كافة.
ويرتقب أن تسهم الزيارة والمباحثات التي تتخللها في دفع تلك الشراكة إلى آفاق أرحب، في إطار حرص قيادتي البلدين على تطويرها ودفعها إلى الأمام بما يعود بالنفع على الشعبين الصديقين.
تعاون برلماني
تخللت قمم القادة -أيضا- زيارات متبادلة لوفود ومسؤولين رفيعي المستوى من البلدين على مدار الفترة الماضية، لتعزيز التعاون بينهم في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والإنسانية، وغيرها.
على صعيد التعاون البرلماني، تأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا، بعد شهرين من زيارة ألكسندر باباكوف نائب رئيس مجلس الدوما الروسي للإمارات.
واستقبل صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي، في مقر المجلس بأبوظبي، ألكسندر باباكوف نائب رئيس مجلس الدوما الروسي 2 يونيو/حزيران الماضي.
وجرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز علاقات التعاون والشراكة في مختلف المجالات، في ظل التطور الذي تشهده علاقات الصداقة والشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
جاءت تلك الزيارة بعد أيام من زيارة أجراها وفد المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي برئاسة غباش إلى روسيا للمشاركة في الدورة الحادية عشرة لمؤتمر نيفسكي للبيئة يومي 22 و23 مايو/أيار الماضي.
والتقى صقر غباش خلال الزيارة فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الاتحاد للجمعية الفيدرالية لروسيا، حيث تم استعراض أوجه التعاون البرلماني بين المجلسين، الذي يعكس عمق العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين، والرغبة الصادقة في تطويرها على أسس ثابتة من الصداقة والتعاون في مختلف المجالات.
وأكد الجانبان أهمية الاستمرار في تنسيق المواقف والرؤى في المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية، بما يخدم الموضوعات المشتركة من منظور برلماني، ويدعم توجهاتهما في بناء مستقبل مستدام ومزدهر، خاصة في ضوء التحديات العالمية المعاصرة التي تتطلب تنسيقاً برلمانياً على أعلى المستويات.
وأشار الجانبان إلى أن اللقاءات التي تجمع قيادتي البلدين تسهم في الدفع بمسيرة العلاقات الثنائية إلى آفاق أرحب من التعاون الإستراتيجي، وأصبحت ركيزة داعمة للعمل الثنائي، وتسهم في تعزيز الزخم الإيجابي في العلاقات البرلمانية، من خلال التواصل المؤسسي بين المجلسين على مختلف المستويات.
أوائل الشهر نفسه، استقبل صقر غباش في أبوظبي أرسن كانوكوف نائب رئيس لجنة السياسة الاقتصادية في الجمعية الفيدرالية للاتحاد الروسي، رئيس مجموعة لجنة الصداقة البرلمانية الروسية مع دولة الإمارات.
جرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز علاقات التعاون والشراكة في مختلف المجالات، والتأكيد على أهمية ترسيخ هذه العلاقات والدفع بها قدما في شتى المجالات.
تعاون أمني
على صعيد التعاون الأمني، استقبل الرئيس فلاديمير بوتين، الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، مطلع مايو/أيار الماضي.
وتبادل الجانبان الحديث حول عمق العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الصديقين، والتأكيد على دورها في دعم جهود السلم والتضامن العالمي.
كما تم استعراض عدد من المشاريع والمبادرات المشتركة بين البلدين في المجالات الأمنية والشرطية، وما تحقق من خطوات مشتركة من تفاهم وإطلاق الحوار الشرطي الإستراتيجي والتدريب المشترك في حماية الطفل، وسبل دعم هذه المبادرات المشتركة وتعزيزها بما يحقق رؤية قيادة البلدين.
وفي إطار الزيارة نفسها، التقى الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية الإماراتي، خلال زيارته للعاصمة الروسية موسكو، فلاديمير كولوكولتسيف، وزير الداخلية بروسيا 29 أبريل/نيسان الماضي.
وشهد اللقاء، الذي جرى في مقر وزارة الداخلية الروسية بموسكو، بحث العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين في المجالات الأمنية والشرطية وسبل تعزيزها.
ووقع الوزيران مذكرة تفاهم للتعاون في مجال مكافحة الجريمة، بما يفتح آفاقاً واسعة للتنسيق في تبادل المعلومات والخبرات، وتنفيذ برامج تدريبية مشتركة، والتصدي للجرائم المنظمة، وجرائم المخدرات، والاستغلال الجنسي للأطفال، إلى جانب الجرائم الإلكترونية والبيئية، وحماية الإرث الثقافي.
كما جرى إطلاق الحوار الشرطي الاستراتيجي الإماراتي الروسي، الذي يعزز التعاون الاستراتيجي القائم في جميع المجالات، لتعميق العلاقات وتوسيع آفاق الخبرات والمعارف في مجالات مكافحة الجريمة العابرة للحدود.
تبادل الخبرات
أيضا على صعيد تبادل الخبرات، أجرى وفد حكومي روسي، برئاسة سيرغي تشيريمين، وزير حكومة موسكو، رئيس إدارة العلاقات الاقتصادية الخارجية والدولية في موسكو زيارة إلى الإمارات أبريل/نيسان الماضي.
وخلال الزيارة، شهد الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم رأس الخيمة، توقيع اتفاقية بين حكومة رأس الخيمة وحكومة مدينة موسكو، تهدف إلى تعزيز التعاون بين بلديتي رأس الخيمة وموسكو، وبحث آفاق التعاون في القطاعات الرئيسية ذات الاهتمام المشترك، مع الاستفادة من أفضل الممارسات بين الجانبين في مجالات التكنولوجيا، والتجارة، والاستثمار، والثقافة، والرياضة، والتعليم.
وبعدها بنحو شهرين، أجرى وفد مكتب التبادل المعرفي في وزارة شؤون مجلس الوزراء، يونيو/حزيران الماضي زيارة رسمية إلى موسكو، بحث خلالها مع عدد من كبار المسؤولين في حكومة روسيا، سبل تعزيز التعاون الثنائي في مجالات تبادل المعرفة ومشاركة الخبرات وأفضل الممارسات في مجال العمل والإدارة الحكومية.
اهتمام القيادة
وفي إطار اهتمام القيادة -كذلك- بتطوير العلاقات، استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان فبراير/شباط الماضي، دينيس مانتوروف النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في روسيا.
وبحث الجانبان -خلال اللقاء الذي جرى في قصر الشاطئ في أبوظبي- مسار تطور العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وروسيا بما يحقق مصالحهما المشتركة، ويعود بالخير على شعبيهما، في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين.
واستقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي سيرغي شويغو سكرتير مجلس الأمن في روسيا، حيث جرى خلال اللقاء بحث مواصلة تعزيز علاقات التعاون والعمل المشترك بين البلدين.
تعزيز التعاون
الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، كان أبرز نتائجها التوصل الاتفاقيات لتعزيز التعاون على مختلف الأصعدة.
تأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا بعد 6 أسابيع من لقاء جمع الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة البيلاروسية مينسك، على هامش مشاركتهما في أعمال اجتماع المجلس الاقتصادي الأعلى للاتحاد الأوراسي 27 يونيو/حزيران الماضي، جرى خلاله بحث علاقات الصداقة الراسخة والشراكة الإستراتيجية المتينة التي تجمع البلدين.
وخلال مشاركته، في أعمال اجتماع المجلس الاقتصادي الأعلى للاتحاد الأوراسي نيابة عن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، التي شاركت فيها دولة الإمارات كضيف شرف، شهد ولي عهد أبوظبي والرئيس الروسي وقادة ورؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مراسم تبادل اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين دولة الإمارات والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، التي تعد محطة مهمة في مسار العلاقات بين دولة الإمارات ودول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وكان الرئيس الإماراتي قد كشف خلال القمة التي جمعته بالرئيس الروسي خلال زيارته لروسيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن أن بلاده تعمل للتوصل إلى اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الاتحاد الأوراسي، ستمثل خطوة مهمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع روسيا.
وقعت وزارة التربية والتعليم فبراير/شباط الماضي مذكرتي تفاهم مع وزارة التعليم في روسيا، ومؤسسة "الموهبة والنجاح" التعليمية في إقليم سيريوس الاتحادي الروسي، في إطار مساعيها المتواصلة للارتقاء بالمخرجات التعليمية الوطنية، وتعزيز التعاون الدولي في مجالات التعليم، وتبادل المعرفة والخبرات في البحث العلمي والابتكار، وتنمية المواهب الطلابية.
وقد وقعت سارة بنت يوسف الأميري، وزيرة التربية والتعليم، المذكرتين مع كلٍ من سيرغي كرافتسوف، وزير التربية والتعليم في روسيا الاتحادية، وإيلينا شميليفا، رئيسة مجلس إقليم سيريوس في روسيا الاتحادية، في مركز الشيخة فاطمة بنت مبارك للتعليم في مدرسة بريماكوف الدولية في موسكو، بحضور عدد من مسؤولي البلدين.
على صعيد التعاون في قطاع الصحة، وقعت دائرة الصحة - أبوظبي خمس مذكرات تفاهم مع مؤسسات روسية رائدة في مجالات الصحة والتكنولوجيا ضمن فعاليات أسبوع أبوظبي العالمي للصحة، أبريل/نيسان الماضي.
تهدف المذكرات إلى تعزيز التعاون البحثي عالمياً، واستقطاب الاستثمارات النوعية، ودعم تبادل الخبرات والمعرفة، إضافة إلى دفع عجلة الابتكار في مجال الصحة.
علاقات تاريخية
قمم وزيارات واتفاقيات تجسد العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدين في مختلف المجالات التي تستند على إرث تاريخي مشترك.
وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا (الاتحاد السوفياتي آنذاك) ودولة الإمارات عقب إعلان قيام دولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 1971.
وفي يناير/كانون الثاني 1972، زار وفد من الاتحاد السوفياتي، دولة الإمارات، حيث تم الاتفاق خلال الزيارة على إنشاء بعثات دبلوماسية للدولتين على مستوى السفراء.
لكن لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقيات حتى نوفمبر/تشرين الثاني 1985، عندما أعلنت موسكو وأبوظبي إقامة علاقات ثنائية على مستوى السفارتين، وتم افتتاح البعثة الدبلوماسية للاتحاد السوفياتي في مارس/آذار 1986.
وبعد عام، وتحديدا في أبريل/نيسان 1987، تم افتتاح سفارة دولة الإمارات في موسكو، فيما تم افتتاح القنصلية العامة للاتحاد الروسي في دبي عام 2002.
وشهد مسار العلاقات بين البلدين نقلة نوعية مع إعلان الشراكة الاستراتيجية بينهما في يونيو/حزيران 2018.
وتطورت أوجه التعاون الإماراتي الروسي في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك في ظل رعاية واهتمام من قيادتهما.
وتحافظ دولة الإمارات وروسيا تقليدياً على حوار سياسي مستقر وموثوق، تدعمه مجالات تعاون متعددة الأوجه على أعلى المستويات.
وتتبنى الدولتان مواقف متقاربة بشأن مجموعة واسعة من القضايا على جدول الأعمال الدولي والإقليمي.
ويرتقب أن تسهم زيارة رئيس دولة الإمارات إلى روسيا في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وفتح آفاق أرحب لتطورها في المستقبل في مختلف المجالات.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTAg جزيرة ام اند امز