تعتمد العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي على ركائز ومقومات عديدة تمنحها قوة دفع متجددة.
وفي مقدمة ذلك الإرث الحضاري والقيمي والإنساني المشترك لشعوب دول مجلس التعاون الخليجي، وتقارب الرؤى ووجهات النظر حيال القضايا الإقليمية والدولية، والاحترام المتبادل والمصير المشترك القائم على الأهداف المتقاربة والمصالح المتبادلة التي تجمع شعوب ودول مجلس التعاون.
ويمثل مجلس التعاون الذي يعد أقوى مؤسسة إقليمية استطاعت الثبات والاستمرار وأداء دور فاعل في التعبير عن مصالح أعضائها، إحدى أهم ركائز العلاقات بين الأعضاء سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي.
ويمكن فهم الرؤية الاستراتيجية الإماراتية للعلاقات مع جوارها الخليجي من أعضاء مجلس التعاون في إطار أهداف وثيقة الخمسين، التي نصت على عشرة مبادئ ترسم في مجملها خطوات دولة الإمارات في سنواتها المقبلة، وتعد بمنزلة خارطة طريق سياسية واقتصادية وتنموية للمستقبل المنظور.
وبالتالي فإن فهم علاقات دولة الإمارات في محيطها الخليجي يجب أن يبدأ من قراءة دقيقة لهذه المبادئ، التي تضمنت ـ بحسب نص المبدأ الثاني من الوثيقة ـ "التركيز بشكل كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم. التنمية الاقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى.."، فإذا كان هذا هو الهدف الاستراتيجي الذي يحظى بأولوية مطلقة في تخطيط ورؤية القيادة الرشيدة، فإن من البديهي أن تأتي الوثيقة على ذكر الآليات التي تحقق هذا الهدف وهنا لابد من الإشارة إلى المبدأ الثالث بالوثيقة، والذي يكمل ما قبله وينص على أن "السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات، هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الإمارات".
وهنا تبدو الأمور واضحة حيث يؤطر هذا المبدأ لدور السياسة الخارجية الإماراتية ويضعها في خدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية، مشيراً بمنتهى الوضوح إلى أن هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد وصولاً إلى توفير "أفضل حياة" لشعب دولة الإمارات، أو الارتقاء بمؤشرات السعادة التي تعد ثمرة أو حصاداً لمجمل جهود التنمية.
وإذا كانت الوثيقة قد نصت على الأهداف والآليات فإنها تنص كذلك على أسس ومبادئ العمل من خلال التأكيد في المبدأ الخامس على أن "حسن الجوار أساس للاستقرار"، وأن "المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة يعتبر خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها.. وتطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع هذا المحيط يعتبر إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة".
ورغم أن هذا المبدأ يتماهى تماماً مع ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية التي تسير عليها دولة الاتحاد منذ تأسيسها في الثاني من ديسمبر عام 1971 على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فإن التأكيد عليه مجدداً في الوثيقة التي ترسم خارطة الطريق للخمسينية المقبلة يعد تجديداً للثوابت وتجذيراً وترسيخاً لها لأن بقية المبادئ التي تنص عليها الوثيقة تمثل في أغلبها أيضاً مزيجاً متجانساً يجمع بين المبادئ والقيم الراسخة في الوعي الجمعي وبين تطلعات المستقبل وأهدافه الطموحة، حيث التأكيد على أن تحقيق الآمال سيكون من خلال الارتكاز على قاعدة متينة من الموروث الإماراتي.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول بأن علاقات دولة الإمارات مع أشقائها في دول مجلس التعاون تقع في قمة أولويات الاهتمام حيث يبدو تحقيق الأهداف الاستراتيجية والمصالح المشتركة أقرب وأكثر فائدة لتبادل المنافع بين الشعوب الخليجية.
ورغم أن بعض الأدبيات السياسية تشير إلى حدوث تغيرات نوعية في نهج السياسة الخارجية الإماراتية وتتحدث عن تخلي الدولة عن نهجها الدبلوماسي السائد خلال مرحلة التأسيس في عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. طيب الله ثراه. واعتماد استراتيجية مغايرة تعتمد على مقاربات جديدة ونهج أكثر تفاعلية مع الأحداث والأزمات الإقليمية، فإن تحليل الشواهد بدقة يشير إلى أن دولة الإمارات بشكل عام هي دولة فتية تسري فيها الحيوية والديناميكية التي تتيح لها سرعة الاستجابة وردة الفعل والتفاعل مع ما يحيط بها من أحداث وأزمات بشكل أكثر وضوحاً لما لهذه الأزمات من تأثيرات وتبعات استراتيجية ملموسة على مصالح الإمارات وبقية الشعوب العربية، وهذا الأمر لا يعد تحولاً وتغيراً بقدر ما يعد استجابة واقعية للمتغيرات الإقليمية الطارئة، ولم يؤثر بأي شكل على تمسك الإمارات بتطوير آليات التعاون مع أشقائها من دول مجلس التعاون، ولا سيما أن تعزيز هذا التعاون يصب في مصلحة تحقق الرؤى والأهداف الاستراتيجية الإماراتية.
لذا فالإمارات لا تتردَّد في تعميق التعاون وتعزيز الروابط مع أشقائها في دول مجلس التعاون.
ويرتبط بما سبق الالتزام بأمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث تدرك دولة الإمارات أن الحفاظ على أمن واستقرار أي دولة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لا ينفصل عن أمنها واستقرارها، لأن الأمن الجماعي لدول المجلس كل لا يتجزأ، ولهذا فإنها تتضامن دوماً مع أشقائها في دول المجلس في مواجهة التحديات ومصادر التهديد المختلفة أيَّاً كان نوعها ومصدرها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة