في الثاني من ديسمبر/كانون الثاني من كل عام، تعود الإمارات إلى لحظة مفصلية لم تكن مجرد إعلان دولة بل إعلان فلسفة.
لحظة قررت فيها سبع إمارات أن تصنع قدَرها بيدها، وتكتب قصة عربية مختلفة، لا تستسلم للجغرافيا ولا للقيود، بل تُعيد تعريف معنى الدولة الحديثة.
عيد الاتحاد ليس تذكاراً سياسياً، بل شهادة ميلاد مشروع حضاري تحوّل فيه الرمل إلى مدينة، والميناء إلى محور عالمي، والحلم إلى استراتيجية مكتملة.
إنه اليوم الذي نستعيد فيه صورة الشيخ زايد والرجال المؤسسين وهم يوقّعون وثيقة الاتحاد… كمن يطلقون شرارة المستقبل.
لكن ما يميّز الإمارات اليوم ليس فقط ما بنته… بل كيف بنته.
دولة جعلت الإنسان مشروعها الأول
منذ بداية الاتحاد، كان الرهان على الإنسان - المواطن قبل كل شيء - باعتباره الثروة الحقيقية. ولذلك لم يكن غريباً أن تحتل الإمارات المراتب الأولى عالمياً في مؤشرات السعادة والأمان وجودة الحياة، وأن تتحول إلى موطن اختاره ملايين المقيمين ليكون وطناً ثانياً… لا محطة عبور.
في الإمارات، لا فرق بين من وُلد فيها ومن جاء ليُشارك في صنع نجاحها؛ كلاهما يجد بنية تحتية عالمية، ورعاية صحية متقدمة، ونظاماً اجتماعياً يضمن الكرامة والفرص لكل من يعيش على أرضها. إنها دولة صاغت "رفاهية الإنسان" كقانون غير مكتوب… لكنه محسوس في كل زاوية.
إنسانية تسبق السياسة… وقوة ناعمة تصنع الاحترام
ليس من المصادفة أن ترتبط الإمارات اليوم في الوعي العالمي بمشهدين متلازمين: البناء في الداخل… والإغاثة في الخارج.
فبينما تشيّد الدولة المدن والموانئ والمفاعلات النووية والمختبرات العلمية، كانت أيضاً تمد يدها للمتضررين حول العالم، من آسيا إلى إفريقيا، ومن غزة إلى اليمن.
عملية «الفارس الشهم 3» مثال واحد فقط من سجل طويل جعل الإمارات في قلب أكبر العمليات الإنسانية المعاصرة.
هذه ليست مساعدات عابرة.. بل قوة ناعمة بنتها الإمارات عبر عقود، قوامها الثقة والاحترام والمصداقية.. قوة ناعمة جعلت العالم يرى في الإمارات دولة مسؤولية، لا دولة مصالح.
الاتحاد… منصة انطلاق لا محطة وصول
بعد أكثر من خمسة عقود على التأسيس، أصبحت الإمارات نموذجاً اقتصادياً وسياسياً يُدرّس.
اقتصاد متنوع، يعتمد على النفط كرافد لا كعكاز، واستثمارات تمتد من الفضاء إلى التكنولوجيا إلى الطاقة المتجددة. مشاريع عملاقة مثل «براكة»، و«مصدر»، و«ستارجيت» في الذكاء الاصطناعي، تؤكد أن هذه الدولة لا تعيش على الإنجاز… بل تُعيد اختراعه كل عام.
في عيد الاتحاد، لا يعود الإماراتيون إلى الماضي لتقديسه… بل لاستلهامه. لا يكتفون بجني ثمار الإنجاز… بل يزرعون ما هو أكبر. فالاتحاد ليس ذكرى، بل فلسفة حركة: إلى الأمام دائماً.
خاتمة: الإمارات… قصة مستمرة لا تُختصر
اليوم، حين ينظر العالم إلى الإمارات، يرى قصة دولة اختارت أن تكون مختلفة:
دولة تبدأ بالإنسان، وتُصدّر الإنسانية، وتبني مستقبلاً يليق بطموحها.
دولة حوّلت القوة الناعمة إلى لغة، والرفاه إلى معيار، والاتحاد إلى مشروع مستمر.
في الثاني من ديسمبر/كانون الثاني.. لا تحتفل الإمارات فحسب، بل تقول للعالم: ما زلنا نكتب الفصل الأجمل
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة