أوروبا بين «شبح» روسيا و«تحوّل» أمريكا.. هل تكفي إعادة التسليح؟

بمواجهة «التهديد الروسي» والتحول في السياسة الأمريكية، تسعى أوروبا لإعادة تسليح نفسها، فهل تنجح في رهانها؟
وأمس الثلاثاء، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن "زمن الأوهام ولّى"، قائلة: "نحن بحاجة إلى زيادة سريعة جدا في القدرات الدفاعية الأوروبية. ونحن بحاجة إليها الآن".
لكن تبقى أسئلة كثيرة حول النطاق الحقيقي لهذه الخطة وقدرة الأوروبيين على تأمين هذا المبلغ المالي الكبير بسرعة.
رئيسة المفوضية الأوروبية: زمن الأوهام «ولّى».. رسالة لترامب؟
لماذا الآن؟
زادت الدول الأوروبية إنفاقها العسكري بشكل كبير منذ بدء حرب أوكرانيا في عام 2022، لكن عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعادت خلط الأوراق، وعزّزت الشعور بالحاجة الملحة إلى زيادة القدرات الدفاعية.
ويكرر ترامب تهديد الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعدم الدفاع عنها ما لم تضاعف إنفاقها العسكري، وأثار صدمة بقراره تجميد المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
ويدفع التحول المفاجئ في السياسة الأمريكية أوروبا إلى رصد استثمارات ضخمة للدفاع عن نفسها.
وقدّر معهد "بروغل" للأبحاث ومقره في بروكسل، أنه سيتعين على أوروبا إنفاق 250 مليار يورو إضافية سنويا وتعبئة نحو 300 ألف جندي إضافي، في حال كانت جادة في ردع روسيا عن مهاجمتها.
عمّ نتحدث؟
ترتكز الخطة التي كشف عنها الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي على عنصرين أساسيين.
الأول: يقضي بمنح المزيد من المرونة المالية للدول الأعضاء حتى تتمكن من إنفاق المزيد على الدفاع.
وقدرت أورسولا فون دير لاين أنه من الممكن رصد نحو 650 مليار يورو خلال السنوات الأربع المقبلة.
لكن يعتمد تحقيق هذا الهدف في المقام الأول على رغبة الدول الأعضاء وقدرتها على إنفاق المزيد، ففي حين توفر هذه المبادرة مرونة، إلا أنها لا تعني توفّر أموال إضافية.
ويتمثل الجزء الآخر من الاستراتيجية الأوروبية في توفير 150 مليار يورو في شكل قروض للدول الأعضاء لتمويل استثمارات مشتركة في صناعة الدفاع الأوروبية، في قطاعات تعتبر استراتيجية، مثل المسيّرات والمدفعية والدفاع الجوي.
وتشمل الخطة نقاطا أخرى منها استخدام أموال متوافرة لتحقيق التماسك بين مختلف أراضي الاتحاد الأوروبي.
هل ستنجح الخطة؟
اعتبر إيان ليسر من صندوق مارشال الألماني لوكالة فرانس برس، أن "العامل الرئيسي هنا هو القرار الذي ستتخذه الدول"، لأن الجزء الأكبر من الجهد المالي الذي طالبت به بروكسل يقع تأمينه على عاتق حكومات الدول.
ولفت إلى خبر سار، مؤكدا أن الوضع "تطور في الأسابيع الأخيرة وأصبحت الدول أكثر التزاما حاليا".
وفي ستراسبورغ، رحبت فون دير لاين، الثلاثاء، بالالتزام الجديد لقادة دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، لافتة إلى أنه "لم يكن من الممكن تصوره قط قبل بضعة أسابيع فقط".
ويرغب الائتلاف المقبل في ألمانيا في إظهار جديته وإنفاق 500 مليار يورو على الأقل في مجال الدفاع عن البلاد، لكن هذا المشروع سيكون رهن موافقة حزب الخضر الألماني غير المؤكدة.
وقد يشكل إصرار بعض الدول، وبينها فرنسا، على أن تُستخدم الأموال في مشتريات من مصانع أوروبية، مشكلة أخرى، بحسب ليسر.
وقال هذا الخبير: "أسرع طريقة لتعزيز قدراتنا تتمثل في شراء المعدات الأمريكية الجاهزة".
ويطرح استخدام الأسلحة الأمريكية مشكلة.
وقال عضو البرلمان الأوروبي، الفرنسي رافايل غلوكسمان في ستراسبورغ الثلاثاء: "لماذا نشتري طائرات إف-35 أمريكية إذا كنا لن نتمكن من استخدامها في المستقبل في حال عدم الحصول على موافقة من الولايات المتحدة".
هل سيكون هذا كافيا؟
بعد مرور ثلاث سنوات على بدء الحرب في أوكرانيا، يؤكد الاتحاد الأوروبي حاليا أنه أصبح يأخذ قضايا الدفاع على محمل الجد.
وقال الخبير في معهد "بروغل" غونترام وولف "إنها خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست كافية"، وهو انطباع ينتشر على نطاق واسع في أوروبا.
وستقدم أورسولا فون دير لاين مقترحات ملموسة الأسبوع المقبل في إطار خطتها "لإعادة تسليح أوروبا".
وقال دبلوماسي أوروبي: "حاليا، لدينا خطوط عريضة لفكرة". وأضاف: "نحن في انتظار التفاصيل".
وتؤيد عدة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي فكرة إطلاق قرض أوروبي، وفق آلية تم تفعيلها سابقا خلال جائحة كوفيد، لكن ترفضها هولندا ودول أخرى.
وقال غونترام وولف: "إطلاق قرض كبير مشترك لسد الفجوة مع الولايات المتحدة من شأنه أن يغيّر الوضع بشكل جذري".