دوري أبطال أوروبا.. خطر يهدد إنقاذ الأرض من التغير المناخي
يترقب العالم استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة حدثا تاريخيا بعد أقل من شهر وهو مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2023 "COP28".
الحدث الذي سيقام خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل سيكون محط أنظار العالم، حتى مع زيادة رقعة الأزمات والحروب في مناطق مختلفة في كوكب الأرض، كون العالم يواجه خطرا حقيقيا يتمثل في التغير المناخي.
العالم بدأ يعاني بالفعل في السنوات الأخيرة من التغير المناخي، بدليل ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في أوروبا، فضلا عن جفاف بعض الأنهار، إلى جانب العواصف والأعاصير في مناطق لم تكن تتأثر بمثل هذه الظواهر من قبل.
الرياضة بشكل عام وكرة القدم خاصة تعد من أسباب هذا التغير المناخي، بل يمكن القول إن السياسات التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" على وجه الخصوص لا تهتم كثيرا بالتغير المناخي الذي بات يشكل تحديا للبشرية كلها.
هذه الانتقادات لليويفا، ذكرها تقرير مطول نشرته مؤخرا هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، حيث اتهم اليويفا بانتهاج سياسة جديدة تخالف تصريحات مسؤوليه بشأن التصدي بإيجابية لظاهرة التغير المناخي.
وفي هذا التقرير من "العين الرياضية"، سيتم تعريف ظاهرة التغير المناخي وأخطارها وعلاقة كرة القدم بها، فضلا عن سرد أسباب تجعل سياسات اليويفا الجديدة تعمق من أزمة التغير المناخي.
ما تعريف التغير المناخي قبل انطلاق مؤتمر COP28؟
يقصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، حسب ما ذكره الموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة.
وقد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية. ولكن منذ القرن الـ19 أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز.
ويتسبب حرق الوقود الأحفوري في انبعاثات الغازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.
فضلا عن ذلك، يمكن أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون، كما يعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسية لهذا الغاز الضار.
كيف لعبت كرة القدم دورا سلبيا في التغير المناخي؟
قد يعتقد البعض أن كرة القدم ليس لها علاقة بالتغير المناخي، ولكن ذلك الأمر ليس صحيحا، بحسب دراسة نشرتها صحيفة "غارديان" البريطانية الشهيرة.
كرة القدم لها أضرار سلبية على التغير المناخي، ومن أبرز هذه المظاهر انتقال المشجعين والفرق بكافة وسائل النقل التي تستخدم البنزين والسولار، وهو ما يترتب عليه إنتاج كثيف لثاني أوكسيد الكربون الضار بشدة بالبيئة.
وواجهت عدة أندية انتقادات قوية مؤخرا بسبب كثرة الاعتماد على السفر بالطائرات حتى مع وجود بدائل "صديقة للبيئة" خاصة في الرحلات الداخلية، ومن بين تلك الأندية ليفربول وباريس سان جيرمان.
كذلك، فإن بعض صناعات الملابس والأدوات الرياضية التي تحتاج لأنواع معينة من الوقود الأحفوري لعبت دورا سلبيا في التغير المناخي.
لماذا يهدد دوري أبطال أوروبا جهود مواجهة التغير المناخي؟
قرر اليويفا إجراء تعديلات على بطولاته للأندية انطلاقا من الموسم المقبل، حيث سيتم زيادة عدد الفرق المشاركة في دوري أبطال أوروبا، وكذلك الدوري الأوروبي ودوري المؤتمر.
وفيما يخص دوري أبطال أوروبا تحديدا، فقد قرر اليويفا، بداية من الموسم المقبل زيادة عدد الفرق المشاركة فيه، حيث سيشارك في مرحلة المجموعات 36 فريقا، بدلا من 32 كما هو النظام حاليا.
ويأتي التوسع الأوروبي للموسم المقبل على صعيد الأندية، بعد ثلاث سنوات فقط من إضافة 63 مباراة نتيجة ظهور بطولة جديدة للنور، وهي دوري المؤتمر، فضلا عن بطولة دوري الأمم الأوروبية للمنتخبات التي تقام كل عامين، وكذلك كأس أمم أوروبا والتي تجرى منافساتها كل 4 سنوات.
ومن ثم، سيشهد الموسم المقبل بشكل عام توسعًا أكبر في بطولات اليويفا للأندية، حيث ستلعب 177 مباراة إضافية في بطولات الاتحاد الأوروبي الثلاث الكبرى، وهو ما يعني مزيدا من الآثار السلبية على ظاهرة التغير المناخي، كون ذلك سيترتب عليه المزيد من المباريات، والمزيد من الرحلات الجوية.
وتشير أبحاث "بي بي سي" إلى أن قائمة المباريات المتزايدة يمكن أن تؤدي إلى سفر الفرق والمشجعين لنحو ملياري ميل جوي خلال موسم 2024-2025، بزيادة 1.5 مليار عن الموسم الحالي 2022-2023.
وبالتالي، فمن المرجح أن تكون البصمة السلبية الحقيقية للشكل الجديد لمسابقة دوري أبطال أوروبا وكذلك الدوري الأوروبي ودوري المؤتمر في العام المقبل أعلى بكثير بمجرد أخذ الانبعاثات الناتجة عن السفر لـ18 مليون مشجع في الاعتبار.
ولا يجب نسيان أيضا انبعاثات تشغيل الملاعب المستضيفة للمباريات، وسفر مسؤولي اليويفا ووسائل الإعلام، عبر استخدام أشكال من النقل أقل استدامة خاصة فيما يخص السفر الجوي مثل درجة رجال الأعمال والرحلات الجوية المستأجرة الخاصة وكذلك الرحلات الاقتصادية، ناهيك عن أي مشجعين إضافيين يسافرون من خارج أوروبا.
هذه الإحصائيات تشير بوضوح إلى أن الخطة المنتظر تطبيقها من اليويفا لتحديث دوري أبطال أوروبا وبقية بطولاته، ستعمق من أزمة التغير المناخي، وليس كما قال رئيسه السلوفيني ألكسندر تشيفرين: "كرة القدم لديها القدرة على تغيير العقليات بشكل كبير بشأن تغير المناخ".
وهنا تساءلت "بي بي سي": "كيف يتوافق ذلك مع تعهد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بخفض تأثير كل هذا على تغير المناخ؟".
ليس هذا فقط، فقد اتهم ديفيد ويلر، المتحدث باسم رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين الإنجليزية، الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "بالتقصير في أداء الواجب" الخاص به بشأن التأثير الإيجابي للحد من ظاهرة التغير المناخي.
يقول ويلر، لاعب وسط فريق وايكومب واندررز الإنجليزي: "للأسف، اليويفا لا يسهم في جهود مكافحة ظاهرة التغير المناخي، رغم أنه يفترض بأن مسؤوليه ليسوا منفصلين عن المجتمع، كل ما يفعلونه له تأثير سلبي على البيئة".
وأضاف لـ"بي بي سي": "بدلاً من أن يكونوا قوة إيجابية من أجل الخير، فإن مثل هذه القرارات تؤدي إلى تفاقم المشكلة ويدفعوننا نحو وضع خطير للغاية مع حالة طوارئ مناخية، الكل يعاني منها حول العالم".
وأردف: "يبدو أن توسيع دوري أبطال أوروبا وباقي بطولات اليويفا ليس له أي تفسير غير الجشع، تلك المنظمات والعديد من الأندية تريد جني أكبر قدر ممكن من المال، بغض النظر عن الضرر الناجم على البيئة".
من جانبه، قال لاعب خط الوسط الدنماركي صوفي يونغ بيدرسن إن تغير المناخ يجب أن يكون محور التركيز الرئيسي لليويفا نظرًا لوجود "تساؤلات حول الانبعاثات النسبية الحالية وكذلك التاريخية".
وواصل: "ليس هناك أعذار للاتحاد الأوروبي لكرة القدم فيما يخص تأخره في الانخراط بشكل قوي في مبادرات الاقتصاد الأخضر والنقل المستدام، خاصة وأن هناك الكثير من المال يضخ في صناعة كرة القدم".
وأكمل: "في رأيي، يجب على الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أن ينفق المزيد من ميزانيته على التحول للجانب الأخضر، من أجل كوكبنا والناس".
وأمام هذه الاتهامات، رد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لـ"بي بي سي"، حيث قال إن قرار توسيع مسابقاته الأوروبية جاء بعد "عملية تشاور واسعة النطاق".
واستطرد: "لقد استمعنا إلى أفكار المشجعين واللاعبين والمدربين والاتحادات الوطنية والأندية والبطولات، والنظام الجديد سيساعدنا على تحسين التوازن التنافسي وتحقيق إيرادات قوية للأندية وزيادة شعبية بطولاتنا في جميع أنحاء قارتنا".
ومع ذلك، قال المتحدث باسم اليويفا: " سنراقب عن كثب تطور المسابقات وسنحاول تنفيذ نهج تقييم شامل يأخذ في الاعتبار التأثيرات الإيجابية والسلبية الناتجة عن المسابقات الجديدة".
ما الحلول لمواجهة تأثير دوري أبطال أوروبا السلبي على التغير المناخي؟
ولمواجهة التأثيرات السلبية للشكل الجديد لدوري أبطال أوروبا، اقترح باتريك جاسر، الرئيس السابق للمسؤولية الاجتماعية في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، أن يتوقف اليويفا عن إصدار تذاكر للجماهير التي تخوض فرقها مباريات خارج أرضها في دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي ودوري المؤتمر، للمساعدة في تقليل انبعاثات الكربون.
واقترح جاسر، الذي عمل في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لمدة 22 عاما، ألا يطلب اليويفا من الأندية تقديم تذاكر للمشجعين خارج أرضهم كما يفعل حاليا، بحد أدنى 5٪ من السعة.
بل يرى جاسر أنه يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال إعادة فرض القيود على المشجعين المسافرين التي كانت موجودة خلال ذروة انتشار جائحة كوفيد 19 "فيروس كورونا"، مع استثناء المباريات النهائية من ذلك الأمر.
وأوضح: "نحن نعلم أن السفر يخلق أكبر بصمة كربونية في كرة القدم أو حولها، أعتقد أننا في حاجة إلى النظر في تغيير السلوك الأساسي وستكون هذه طريقة جيدة للبدء".
جاسر واصل حديثه "هذه الأفكار تمت مناقشتها على مستوى اللجنة التنفيذية لليويفا، لكن لم تتم الموافقة عليها أو متابعتها على حد علمي".
وأضاف "أعتقد أنه إذا كنتم جادين بشأن الاستدامة وتقديم مساهمتنا المستدامة في مكافحة تغير المناخ، فإنه يجب تنفيذ هذه الاقتراحات، حتى لو لم تسعد البعض خاصة فيما يخص تأثيرها على أجواء المباريات".
وأتم: "كمجتمع عالمي نحتاج إلى البدء في إجراء تغييرات سلوكية أساسية، لأنه إذا نظرنا إلى ما حدث في الصيف الماضي، من حرائق الغابات، والكوارث المختلفة، فقد بدأ يكون للتغير المناخي دورا سلبيا، وإذا انهار المناخ فسنعاني جميعا".
تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم هو أحد الموقعين على إطار عمل الأمم المتحدة للرياضة من أجل المناخ الذي يتطلب منه خفض الانبعاثات إلى النصف بحلول عام 2030، وتحقيق صافي الصفر بحلول 2040.
ولذلك، فإن ميشيل أوفا مدير الاستدامة في اليويفا، يقول إن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عليه أن يوازن بين الكثير من القضايا، مشددا على ضرورة عدم تحميل اليويفا فقط مسؤولية مواجهة التغير المناخي على صعيد كرة القدم، حيث ينبغي أن يكون لكل نادٍ مدير استدامة، حيث يكون الأمر وكأنه مسألة جماعية ولا تتعلق بمؤسسة واحدة فقط.
وفي نهاية المطاف، تقول "بي بي سي" في ختام تقريرها إن الكوكب لا يهتم بما إذا كانت الانبعاثات السلبية بسبب نشاط كرة القدم الأوروبية مسؤولية اليويفا أم الأندية.
وبما أن كرة القدم ستستمر في التأثر بتغير المناخ والطقس القاسي، فإن غالبية هذه التأثيرات لن تشعر بها فقط فرق كرة القدم الصغيرة، ودوريات الدرجة الأدنى، بل قد تمتد للأندية والدوريات الكبرى، إذ تقول بعض الدراسات إن ملعب تشيلسي الشهير "ستامفورد بريدج" قد يغرق بحلول عام 2050 نتيجة فيضانات جزئية أو كلية، حال استمرت الأوضاع الحالية دون وجود مواجهة حقيقية.