أزمة ذكاء اصطناعي.. أكبر هيئة محاسبية في العالم تلغي الامتحانات عن بعد
لا يزال الذكاء الاصطناعي يخترق كل المجالات الحياتية، وتتكشف نتائجه يوما بعد يوم، سواء سلبا أو إيجابا. ويبدو أن الذكاء الاصطناعي بدأ يغير قواعد اللعبة في أكثر من مجال، بما في ذلك مهنة طالما اعتبرت من أكثر المهن احتراما وثباتا على المعايير.
وفي بريطانيا، أعلن اتحاد المحاسبين القانونيين المعتمدين (ACCA)، أكبر هيئة محاسبية في العالم، عن إنهاء الامتحانات عن بُعد اعتبارًا من مارس/آذار 2026، وذلك بعد ارتفاع كبير في حالات الغش التي تمكّن منها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة الغارديان، فإن هذه الخطوة تعكس الصراع المحتدم بين التطور التكنولوجي وأخلاقيات التعليم المهني.
المؤسسة البريطانية، التي تضم نحو 260000 عضو وأكثر من نصف مليون طالب حول العالم، قدّمت خيار الامتحانات عن بُعد خلال جائحة كورونا لتسهيل حصول الطلاب على مؤهلاتهم حين كانت اختبارات الحضور الشخصي مستحيلة.
لكن في السنوات التالية، بدأت الصعوبات في مراقبة الامتحانات الإلكترونية تتصاعد بما يتجاوز قدرات أنظمة الإشراف الحالية، ما دفع الهيئة لاتخاذ هذا القرار الصارم.
من جهتها، صرّحت هيلين براند، الرئيسة التنفيذية لـACCA، بأن الهيئة بذلت جهودًا مكثّفة لمكافحة الغش، لكنها في النهاية وجدت نفسها أمام واقع مفاده أن أدوات الذكاء الاصطناعي لم تعد مجرد مساعدات تعليمية، بل تحوّلت إلى أدوات تدفع حدود الاحتيال خلال الامتحانات بدرجة يصعب معها ضمان نزاهة النتائج. وقالت: «هناك من يريدون فعل الأشياء السيئة ربما يعملون بوتيرة أسرع من الإجراءات التي يمكن اتخاذها».
وتم تصميم الاختبارات للكشف عن فهم الطلاب ومهاراتهم المحاسبية، إذ تتطلب إجابات تحليلية معقدة ومعرفة عملية. ورغم ذلك، سمح الذكاء الاصطناعي لبعض الطلاب بإيجاد طرق غير مشروعة للحصول على حلول للأسئلة أو مساعدات فورية في الوقت الحقيقي، ما أثار قلق المؤسسة بشأن مصداقية النتائج.
ويأتي هذا القرار في وقت تواجه فيه مهنة المحاسبة بأكملها ضغوطًا حقيقية للحفاظ على معاييرها المهنية. ففي عام 2022، فرضت السلطات الأمريكية غرامة قياسية بقيمة 100 مليون دولار على شركة EY بعد فضيحة غش في امتحانات الأخلاقيات، بينما واجهت وحدات في مؤسسات كبرى مثل KPMG غرامات أخرى، ما أبرز هشاشة الامتحانات المهنية حتى داخل أرقى الشركات.
ومع أن هيئة المحاسبين المعتمدين في إنجلترا وويلز لا تزال تسمح ببعض الامتحانات عن بُعد، فإن ACCA ترى أن «قليلًا جدًا من الامتحانات الرفيعة المستوى تسمح الآن بالمراقبة عن بعد»، في إشارة إلى أن الاتجاه المهني العام يتجه نحو تعزيز الرقابة وتقليص الاعتماد على الإشراف الرقمي.
هذا التحوّل أثار ردود فعل متباينة بين الطلاب وأصحاب العمل. فبعض الطلاب أعربوا عن دهشتهم واستيائهم من إلغاء خيار الامتحانات من المنزل، معتبرين أنه كان يوفر لهم مرونة وتنظيمًا أفضل لأوقاتهم، لا سيما لمن يعيشون بعيدًا عن مراكز الامتحانات. بينما رأى آخرون أن هذه الخطوة «ضرورية للحفاظ على قيمة المؤهل وثقة أصحاب العمل به».
وبينما تستعد ACCA لتطبيق هذا التغيير، تشير الهيئة إلى أنها ستستثني الحالات الاستثنائية فقط عندما لا يتوفر خيار الحضور الشخصي، مع الحفاظ على ضرورة إجراء الامتحانات في مراكز معتمدة للمراقبة الفعلية.
ولا تعد الخطوة مجرد تعديل في آلية الامتحان فقط، بل تُعدّ إشارة قوية إلى القلق المتزايد في قطاع التعليم المهني بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على نزاهة التقييمات. فالهيئات المهنية تجد نفسها في مفترق طرق بين تبنّي التكنولوجيا الحديثة وتجنّب المخاطر التي قد تُفقد شهاداتها مصداقيتها في سوق العمل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA==
جزيرة ام اند امز