كير ستارمر.. «السير العمالي» يقود بريطانيا
ضمن السير كير ستارمر زعيم حزب العمال البريطاني أن يكتب اسمه بأحرف من نور في سجلات التاريخ السياسي لبلاده.
ولمَ لا وهو الذي استطاع أن يقود حزبه لانتصار تاريخي وساحق على منافسه الرئيسي حزب المحافظين لم يتحقق منذ أكثر من 100 عام.
وصباح اليوم الجمعة أقر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك زعيم حزب المحافظين بهزيمة حزبه في الانتخابات العامة التي جرت أمس الخميس.
وقال سوناك إنه اتصل بزعيم حزب العمال كير ستارمر لتهنئته بالفوز، مضيفا: "أنا آسف، وأتحمل مسؤولية نتائج الانتخابات، وهناك الكثير لنتعلمه".
وأظهرت نتائج رسمية أولية فوز حزب العمال بالأغلبية المطلقة في البرلمان المؤلف من 650 مقعدا، منهيا 14 عاما قاد فيها المحافظون الحكومة.
من هو ستارمر؟
كير ستارمر هو محام حقوقي ورئيس سابق لدائرة الادعاء الملكية، وتولى رئاسة حزب العمال في 2020، خلفا لجيرمي كوربين الذي أعلن استقالته بعد هزيمة الأخير في الانتخابات.
وعندما ظهر كير ستارمر (61 عاما) لأول مرة بداية يناير/كانون الثاني 2020 باعتباره المرشح الأوفر حظا لقيادة حزب العمال البريطاني، بدا أن أفضل شيء يمكن أن يأمل فيه هو إمضاء سنواته على مسرح السياسة، معارضا لرئيس الوزراء الأسبق المحافظ بوريس جونسون الذي فاز باكتساح في البرلمان.
ويُعرف عن ستارمر، المنحدر من الطبقة العاملة، تبنيه السياسات التي تستهدف تحسين المساواة الاجتماعية، بما في ذلك تعزيز الخدمات، واتخاذ إجراءات أقوى بشأن تغير المناخ.
وبحسب مقربين منه فإن ستارمر هو شخص يهتم بالتفاصيل؛ ولكنه يفتقر للكاريزما التي يتمتع بها توني بلير مثلا الذي قاد العمال لانتصار كبير أيضا في التسعينيات من القرن الماضي.
وبزغ نجم ستارمر عندما كان محاميا حقوقيا شابا قبل بدء مشواره المهني في السياسة، كما برز باعتباره متحدثا باسم حزب العمال لشؤون بريكست.
صوّت ستارمر لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي عام 2016، ودفع حزبه، الذي كان منقسما بشأن الانفصال عن أوروبا، للانفتاح على استفتاء ثان.
ورغم أن ستارمر، الذي يعيش في شمال لندن، يحمل لقب سير، لكن أصوله تعود إلى الطبقة العاملة، فوالدته ممرضة ووالده حرفي، كما أنه لا يفضل استخدام اللقب الشرفي.
ولد ستارمر في سبتمبر/أيلول عام 1962، ودرس القانون بجامعة ليدز وأكسفورد، قبل أن يصبح محاميا رفيع المستوى لحقوق الإنسان، وكان عضوا مؤسسا في مجموعة "دوتي ستريت تشامبرز" البريطانية للمحامين عام 1990.
كما عمل على القضاء على عقوبة الإعدام بمنطقة الكاريبي وأفريقيا، وفي تايوان. وكان مستشارا حقوقيا لمجلس الشرطة في إيرلندا الشمالية، إذ أشرف على امتثال دائرة شرطة إيرلندا الشمالية لقانون حقوق الإنسان.
وعام 2008، تم تعيينه مديرا للنيابة العامة ورئيسا لدائرة الادعاء الملكية لإنجلترا وويلز.
وفي مايو/أيار عام 2015، انتخب نائبا برلمانيا خلال الانتخابات العامة هذا العام، ولاحقا تم تعيينه وزير الداخلية بحكومة الظل قبل استقالته من هذا المنصب عام 2016، بحسب صحيفة "إيفنينغ ستاندرد" البريطانية.
لكن تم تعيينه لمنصب وزير بريكست بحكومة الظل عام 2016، وواصل استخدام منصبه لمساءلة الحكومة عن خططها فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومنذ رئاسته للحزب نجح ستارمر في إعادة سياسة حزب العمال إلى الوسط بعد فترة من قيادة جناح اليسار للحزب وإخفاقه في الانتخابات، ورسم صورة لحزبه باعتباره الحزب الذي سيحقق التغيير للناخبين الساخطين.
وقال ستارمر، في أول رسالة لحملته الانتخابية لأعضاء الحزب: «حزب العمال سيوقف الفوضى ويطوي الصفحة ويستعيد مستقبل بريطانيا»، واصفا الانتخابات بأنها «معركة حياتنا».
هل سيغير سياسة بريطانيا الخارجية؟
وتمتد براغماتية ستارمر الحذرة إلى السياسة الخارجية أيضًا، إذ يرغب في إقامة علاقة أوثق مع الاتحاد الأوروبي، كما أيد الضربات على اليمن.
وبعد أن وصف تصريحات دونالد ترامب بأنها "بغيضة" في عام 2016، يقول الآن إن حكومة حزب العمال ستعمل مع من سيفوز بالبيت الأبيض في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل التي يتنافس فيها ترامب مع الرئيس الحالي جو بايدن.
وقد تسبب موقف ستارمر المتشدد في السياسة الخارجية في مشاكل مع قاعدته الانتخابية؛ فتصريحاته بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول التي شنتها حماس، والتي أشار فيها إلى أن لإسرائيل الحق في حجب الكهرباء والمياه عن غزة، قد ألحق ضرراً بالغاً بالعلاقات مع الناخبين المسلمين والمؤيدين للفلسطينيين، إلا أنه أوضح لاحقًا تصريحاته ودعا منذ ذلك الحين إلى وقف دائم لإطلاق النار.
ورغم أن سيل المشاكل الهيكلية التي تواجه المملكة المتحدة سوف يختبر ستارمر قدرته على الموازنة بين الحذر اليوم والرؤية غداً، فإن رسالة حملته تعد بسيطة في الوقت الحالي؛ وهي أن الوقت قد حان للتغيير، بعد 14 عامًا من حكم المحافظين.
aXA6IDMuMTIuMTQ2LjEwMCA= جزيرة ام اند امز