موطن الثورة الصناعية تودع عصر محطات الفحم بقرار «تاريخي»
إذا كنت تبحث عن حدث مميز، أو إشارة حقيقية، تشير إلى حراك البشرية نحو إبطاء تغير المناخ العالمي، فهذا الحدث من أبرز الدلائل على ذلك.
اليوم الإثنين 30 سبتمبر/أيلول يتم تطبيق قرار إغلاق آخر محطة كهرباء تعمل بالفحم في بريطانيا، ليعلن بذلك نهاية عصر الفحم في البلاد التي أشعلت الثورة الصناعية قبل 200 عام على حد ذكر "واشنطن بوست".
وفي غضون ساعات ستبرد الغلايات في محطة راتكليف أون سور للطاقة Ratcliffe-on-Soar- هذه الغلايات تتمتع بارتفاع مبنى مكون من 12 طابقا.
وستظلم إلى الأبد كرات النار من الفحم المسحوق التي خلقت البخار، وستتوقف التوربينات الأربعة التي تبلغ قوتها 500 ميغاواط عن الدوران معلنة نهاية حقبة.
وستكون بقايا جبل الفحم الشاهق الذي كان يغذي المحطة لمدة 57 عاما طبقة من الغبار جاهزة للتنظيف.
نهاية حقبة
ونقلت واشنطن بوست تصريحات لـكريس بينيت، 64 عاماً، المهندس الكهربائي الكبير في محطة راتكليف، الذي أمضى حياته في محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم.
وقال بينيت "سأحزن لرؤية نهاية الأمر، لأكون صادقاً كانت هذه الثورة الصناعية هنا، عندما كان الفحم يحكم كل شيء، لكنني سعيد للبيئة".
وبحسب "واشنطن بوست" ستستمر عملية إيقاف تشغيل المحطة خلال العامين المقبلين، ومن ثم هدمها.
وسيتم تحويل المنطقة المهجورة المتبقية للاستفادة منها في أغراض أخرى، ربما إلى "مركز تكنولوجيا وطاقة خالٍ من الكربون" بحسب التوقعات.
ولا تزال الخطط قيد الإعداد، مع العلم أن المحطة مملوكة حاليا لشركة "يونيبر"، وهي إحدى أكبر شركات الطاقة المتعددة الجنسيات في العالم، ومقرها في ألمانيا.
ورغم غلق محطة "راتكليف" ستواصل الشركة تشغيل خمس محطات كهرباء في المملكة المتحدة تعمل بالغاز الطبيعي.
وتقول "واشنطن بوست" إن تخلي بريطانيا عن الفحم كان أمراً لا يمكن تصوره بالنسبة للأجيال السابقة، والحكومات السابقة وقادة الصناعات، الذين قاموا بضخ مبالغ هائلة من رأس المال والعمالة في قطاع طاقة الفحم.
وقامت الثورة الصناعية في بريطانيا على الفحم، الذي استخرجه على مدار قرنين من الزمان ما يصل لمليون عامل منجم، واستخدم في إنتاج الطاقة الرخيصة، لتوليد الحرارة، ثم البخار، ثم الكهرباء، كما كان الفحم يدفئ المنازل، ويدير القطارات، ويصنع الفولاذ والأسمنت.
بريطانيا تنهي ما بدأته منذ 142 عاما
وتم بناء أول محطة كهرباء تعمل بالفحم في العالم في إنجلترا عام 1882، وقد صيغ مصطلح "الضباب الدخاني" من هذا المنطلق.
والآن أصبحت بريطانيا أول دولة بين الدول الغنية تتوقف عن استخدام الفحم بشكل نهائي، وتعتمد بدلا من ذلك على الغاز الطبيعي والطاقة النووية ومجموعة من مصادر الطاقة المتجددة.
وسوف تتبعها دول أخرى في مجموعة الدول السبع الكبرى في التوقيتات التالي، إيطاليا (2025)، وكندا (2030)، وألمانيا (2038).
ومن المتوقع أيضا أن تلغي ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ عددها 38 دولة طاقة الفحم بحلول عام 2030.
وتتحرك الولايات المتحدة أيضا بعيدا عن الفحم، وإن كان ذلك ببطء أكبر مما يريده دعاة المناخ.
فقبل ربع قرن من الزمان كان الفحم يولد أكثر من نصف الكهرباء في أمريكا، واليوم يشكل نحو 18% من إجمالي الكهرباء في أمريكا.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن الأمر لا يقتصر على غلق آخر محطة عاملة للفحم في بريطانيا، بل إن المملكة المتحدة بالكاد تستخرج الفحم اليوم.
وقد ألغت المحكمة العليا في بريطانيا هذا الشهر خططًا لفتح أول منجم فحم عميق في البلاد منذ أكثر من 30 عاما، للمساعدة في إنتاج الصلب وليس الكهرباء.
ويعتبر كل الفحم الذي زود محطة راتكليف بالطاقة منذ عام 2014 مستوردا، حيث جاء من الولايات المتحدة وروسيا.
ومنذ بدأت حرب أوكرانيا في عام 2022 تم استبدال الإمدادات من روسيا بالفحم من جنوب أفريقيا وأستراليا لهذه المحطة.
وعلى عكس بريطانيا، على مستوى العالم، الفحم يبقى بعيد كل البعد عن الزوال، ولا يزال من بين كبار المنتجين للفحم الصين والهند وإندونيسيا.
غير أن التحول في بريطانيا بعيدا عن الفحم كمصدر طاقة يُظهر مدى سرعة تغير الأمور، بعد أن كانت تمثل أبراج المحطة الـ8 البخارية شاهقة، رمزا للإبداع والأمن البريطاني ذات يوم، الآن لم تعد تعني شيئا ومن المقرر هدمها قريبا.