سعير الحرب في أوكرانيا يحيل الثقة بين موسكو والغرب إلى "رماد"
يوما بعد يوم تتسع الهوة بين روسيا ودول الغرب الحليفة لأوكرانيا، في وقت أصبحت الثقة بين الطرفين عدما، بشهادة وسطاء الحل أنفسهم.
الوسيط التركي قلب تفاؤله مؤخرا بالوصول إلى حل ينهي الأزمة الأوكرانية، إلى تشاؤم خلاصته أن بناء الثقة بين الغرب وموسكو بات بعيد المنال، بل يحتاج إلى سنوات قادمة.
خطوات تصعيدية من الطرفين
وفي أحدث الخطوات المؤذنة باستمرار غلق الطرق نحو الدبلوماسية، أعلنت وزارة الخارجية الروسية مساء اليوم الثلاثاء طرد 36 دبلوماسيا أوروبيا، أمهلتهم موسكو أسبوعين لترك البلاد.
وينتمي الدبلوماسيون المطرودون إلى بلجيكيا وهولندا، اللتين قامتا بخطوات مماثلة عقب العملية الروسية في أوكرانيا.
ويشمل القرار 21 دبلوماسيًا بلجيكيًا و15 دبلوماسيًا هولنديًا، بينهم 14 موظفًا بالسفارة الهولندية في موسكو وموظفًا في القنصلية العامة الهولندية في سان بطرسبرج (شمال غرب)، وفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية.
وفي خطوة أخرى تعزز القطيعة، أعرب الرئيس الأوكراني أمس الإثنين عن أمله في أن تحصل بلاده "في الأسابيع المقبلة" على وضع الدولة المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، شاكرا بروكسل على سرعة الإجراء.
وتسعى الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي إلى إبداء رأيها بشأن محاولة أوكرانيا، لكي تصير مرشحة للانضمام إلى التكتل، في يونيو/ حزيران، المقبل، مما يمهد الطريق أمام قرار محتمل من جانب القادة في نفس الشهر، بحسب ما قاله أشخاص مطلعون على الأمر.
وأفادت وكالة "بلومبرج" للأنباء اليوم الثلاثاء، بأن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، سلمت استبيان عضوية إلى الرئيس الأوكراني، عندما زارت كييف في وقت سابق من الشهر الجاري.
ومن جانبه، قال نائب رئيس وزراء أوكرانيا لشؤون التكامل الأوروبي يوم أمس الإثنين، إن أوكرانيا قدمت جولتها الأولى من الإجابات في الأسبوع التالي، وإنها تعمل بالفعل على المجموعة التالية من الأسئلة.
ولا ريب -وفق محللين- أن تؤدي الخطوة إلى تعقيد الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي، لأن روسيا كثيرا ما أشارت إلى قرار كييف المتعلق بإقامة علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) كأحد الأسباب المنطقية لغزوها لأوكرانيا.
ويشارك الرئيس الأمريكي جو بايدن اليوم الثلاثاء في اجتماع افتراضي مخّصص للحرب في أوكرانيا، سيتطرّق خلاله "مع حلفاء وشركاء" لم يُكشف عن أسمائهم إلى "الدعم المتواصل لأوكرانيا والجهود الرامية إلى ضمان مساءلة روسيا"، بحسب ما أفاد مسؤول في البيت الأبيض لوكالة "فرانس برس".
ومن المقرر أن ينضم إلى المكالمة المرتقبة، قادة من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا واليابان وحلف شمال الأطلسي والمفوضية الأوروبية.
تركيا تدخل مرحلة التشاؤم
هذه الخطوات كلها حدت بوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إلى نفض يديه من أي أمل نحو الحل في المدى المنظور؛ حيث قال إن "إعادة الثقة" بين الدول الغربية وروسيا ستحتاج إلى عقود على الأرجح.
وقال تشاووش أوغلو -في مؤتمر صحفي اليوم الثلاثاء- إن "إعادة بناء كل هذا ستستغرق وقتا. وقد يستغرق الأمر عقودا لإعادة الثقة.. نشهد بداية حرب باردة جديدة".
ومنذ بداية النزاع، تسعى تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي والتي سلمت أوكرانيا طائرات قتالية مسيرة إلى تسهيل وساطة بين موسكو وكييف ورفضت تنفيذ العقوبات الغربية التي تستهدف روسيا حرصا على الإبقاء على خط مفتوح مع الكرملين.
ولم يغلق وزير الخارجية التركي في مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيره المجري بيتر زيجارتو في أنقرة، باب الأمل، قائلا: "بالرغم من التطورات على الأرض نعتقد أنه ما زال هناك مجال للدبلوماسية... يجب اتخاذ إجراءات سريعة لوقف إطلاق النار" بين كييف وموسكو.
واستضافت تركيا جولتين من المفاوضات المباشرة بين الطرفين في العاشر من مارس/ آذار، على المستوى الوزاري في أنطاليا (جنوب) وفي 29 من الشهر ذاته، في إسطنبول.
ميدانيا أعلنت موسكو الثلاثاء أنها شنّت عشرات الضربات على الشرق الأوكراني، غداة إعلان كييف عن هجوم جديد واسع النطاق للجيش الروسي في المنطقة، وذلك بعد قرابة شهرين من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبواسطة "صواريخ عالية الدقّة"، قوّضت القوّات الجوّية الروسية "13 موقعا" للجيش الأوكراني، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، مطالبة باستسلام "كلّ العسكريين الأوكرانيين".
جحيم وممرات إنسانية
ودعت السلطات المحلّية من جانبها السكان إلى الفرار من هذا "الجحيم"، بالرغم من عدم توفّر ممرّات إنسانية، وفق كييف.
بيد أن الجيش الروسي أكد أنه فتح الثلاثاء ممرا لإجلاء الجنود الأوكرانيين الموجودين في منطقة آزوفستال الصناعية في ميناء ماريوبول الاستراتيجي، بعد ساعات قليلة من دعوتهم إلى الاستسلام.
وقالت وزارة الدفاع الروسية "نظرا للوضع الكارثي في مصنع آزوفستال للمعادن... فتحت القوات الروسية اعتبارا من الساعة 14,00 (11,00 تغ) ممرا للسماح بخروج جنود الجيش الأوكراني ومقاتلي التشكيلات القومية الذين ألقوا السلاح طوعا"، موضحة أن وقفا لإطلاق النار يسري في الموقع لتأمين عملية الإجلاء.
وفي الأسابيع الأخيرة، توجّه تركيز الحملة العسكرية الروسية التي فشلت في الاستيلاء على منطقة كييف، على حوض دونباس الخاضع جزئيا منذ 2014 لسيطرة القوّات الانفصالية الموالية لروسيا.
ومساء الإثنين، قال الرئيس الأوكراني في كلمة عبر تلجرام "يمكننا أن نؤكّد الآن أنّ القوات الروسية بدأت معركة السيطرة على دونباس التي كانت تستعدّ لها منذ وقت طويل. قسم كبير جدا من الجيش الروسي مكرّس حاليا لهذا الهجوم".
وتابع زيلينسكي "بغضّ النظر عن عدد الجنود الروس الذين تم إحضارهم إلى هنا، سنقاتل وسندافع عن أنفسنا".
واعتبر أندري ييرماك الذي يرأس مكتب الرئيس زيلينسكي أنه بات من الواضح أن "المرحلة الثانية من الحرب بدأت".
وكشفت هيئة الأركان الروسية الثلاثاء عن قصف "60 منشأة عسكرية في أوكرانيا"، من بينها ثلاثة مراكز قيادة ومستودعان لصواريخ من طراز "توتشكا-يو".
شاهد مراسلو وكالة فرانس برس حافلات تنقل عسكريين أوكرانيين تتّجه صوب كراماتورسك في دونباس، في حين دعت السلطات المحلّية المدنيين إلى إخلاء المنطقة.
وقال الحاكم الأوكراني لمنطقة لوهانسك سيرغي غايداي مساء الإثنين عبر فيسبوك "إنّه الجحيم. الهجوم الذي يُحكى عنه منذ أسابيع بدأ"، مضيفا أن معارك تدور "بلا انقطاع" في عدّة مدن.
وسقطت كريمينا التي كانت تعدّ قبل الحرب 18 ألف نسمة تقريبا والواقعة على بعد نحو خمسين كيلومترا إلى شمال شرق كراماتورسك، في أيدي الروس، بحسب مسؤول أوكراني رفيع.
لكن مستشار الرئاسة الأوكرانية أوليكسي أريستوفيتش أكّد أن "المحتلين الروس لم يتمكنوا بعد من السيطرة على كريمينا" مشيرا إلى "حرب شوارع عنيفة" تشهدها المدينة.
وفي منطقة دونيتسك المجاورة، يقصف الروس "باتّجاه ماريينكا وأوتشيريتين وأفدييفكا"، وفق ما كشف حاكم المنطقة بافلو كيريلنكو عبر تليجرام. وهو قال إن "الوضع على الجبهة صعب لكنّه تحت السيطرة".
معارك على كلّ الجبهات
وفي الشرق أيضا، نُقلت مجموعات من صواريخ الدفاع الجوّي "تور" إلى منطقة خاركيف، فضلا عن نشر نظامي الدفاع الجوّي "إس-400" و"إس-300" في منطقة بلغورود الروسية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، وفق هيئة الأركان الأوكرانية.
وأعلنت روسيا من جانبها عن سلسلة من الضربات الصاروخية على جنوب أوكرانيا حيث تدور معارك طاحنة. وحذّر الجيش الأوكراني مساء الإثنين من الخطر المتزايد لقصف منطقة ميكولاييف (الجنوب).
وقال أريستوفيتش الثلاثاء في تصريحات للتلفزيون الأوكراني إن "الكلّ كان يتوقّع هجوما يماثل في قوته هجوم 24 فبراير/ شباط، غير أن العمليات تتقدّم بحذر.
وتحاول الوحدات الروسية التقدّم. وهي تسعى إلى محاصرتنا في الجنوب، -يقول أريستوفيتش- بدأ هذا الزحف قبل أمس. وهو التكتيك عينه المعتمد من وحدات تتقدّم صوب غوليايبولي".
وتحوّلت لفيف القريبة من الحدود البولندية والتي بقيت نسبيا بمنأى عن القصف إلى "ملجأ" للمهجّرين داخل البلد ومركز للعديد من السفارات الغربية.
aXA6IDE4LjE4OS4xNzAuMjI3IA== جزيرة ام اند امز