حرب «السماء المنخفضة».. «روبيكون» الروسي يتحدى مسيّرات أوكرانيا

تدخل الحرب في أوكرانيا مرحلة جديدة، عنوانها السيطرة على المجال الجوي المنخفض، أو ما يعرف عسكريًا بالمنطقة الفاصلة بين الطائرات المأهولة والمسيرات.
وسعيا للسيطرة على هذه المنطقة تدور رحى معركة طاحنة لا تتوقف، بين أسراب من المسيّرات وأنظمة الدفاع المضادة، في صراع يُرجّح أن يحدد مسار الحرب بأكملها، بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
انقلاب الموازين
وخلال السنوات الأولى من الحرب، حققت أوكرانيا ريادة كبيرة في توظيف المسيّرات بكفاءة عالية، حيث أسهمت في إيقاع خسائر فادحة بالقوات الروسية، خاصة في جبهات دونيتسك وخيرسون. وبلغ استخدام المسيّرات في عام 2024 ذروته، إذ شكّلت ما يقرب من 80% من الإصابات الروسية في الخطوط الأمامية، مدعومة بإنتاج محلي تضاعف 19 مرة خلال عام واحد فقط.
لكن هذه الأفضلية لم تصمد طويلاً، إذ سرعان ما بدأت روسيا التكيّف، وأطلقت استراتيجيات مضادة قلبت المعادلة جزئيًا، وخاصة بعد تأسيس مركز "روبيكون" لتقنيات المسيّرات المتقدمة. هذا المركز، الذي أُنشئ بأمر من وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف، بات نواة للرد الروسي المنهجي على التفوق الأوكراني في هذا المجال.
استراتيجية دقيقة
ما يجعل لـ"روبيكون" دور محوي ليس فقط قدرته التقنية، بل منهجيته في مواجهة تفوق أوكرانيا بندًا تلو الآخر. فقد طوّر الروس مسيّرات تُوجَّه عبر كابلات ألياف ضوئية، مما يجعلها محصّنة ضد التشويش الإلكتروني - وهو سلاح استخدمته أوكرانيا بنجاح كبير في مراحل سابقة من الحرب، خاصة خلال هجماتها داخل عمق الأراضي الروسية.
وعلى مستوى التكتيك، ركّزت روسيا على ضرب منظومات المسيّرات الأوكرانية من الأساس، سواء عبر استهداف الفرق المشغّلة، أو تدمير خطوط الإمداد، أو ملاحقة المسيّرات بالمسيّرات. هذا التكتيك، وإن بدا تقنيًا، إلا أنه كانت له تداعيات مباشرة على قدرة أوكرانيا على المناورة والدفاع.
أوكرانيا ترد
وردًّا على التقدم الروسي، أنشأت كييف فرعًا عسكريًا جديدًا تحت مسمى "قوات الأنظمة غير المأهولة"، مهمته توحيد الجهود المتفرقة لوحدات المسيّرات. وقاد البريغادير جنرال روبرت بروفدي خطة إصلاحية مدتها 100 يوم تهدف إلى دمج قدرات الاستطلاع الإلكتروني، الدفاع المضاد، الرصد الراداري، والمسيّرات الاعتراضية ضمن منظومة قتالية واحدة.
ومن أبرز مبادرات كييف الحالية، برنامج "خط المسيّرات"، الذي يسعى لتحويل الدفاعات من ردود فعل منفصلة إلى شبكة مترابطة من المناطق القاتلة على بعد 10 إلى 15 كيلومترًا من الخطوط الروسية، وتديرها وحدات نخبوية متخصصة.
المعركة الحاسمة
المعركة التي تدور على ارتفاعات منخفضة، ليست مجرد مواجهة تكتيكية، بل هي معركة استراتيجية قد تحدد ما إذا كانت أوكرانيا قادرة على الحفاظ على خطوطها الدفاعية أو ستضطر للانسحاب تحت ضغط التفوق الجوي الروسي الجديد.
فإذا نجحت روسيا في فرض هيمنتها على هذا المجال، قد يؤدي ذلك إلى:
- تعطيل قدرة أوكرانيا على المناورة البرية.
- تقويض فاعلية المدفعية الأوكرانية.
- زيادة الخسائر البشرية في صفوف الجيش الأوكراني المنهك.
وترى المجلة أن حرب أوكرانيا الحالية تضع أسسًا جديدة للحروب المستقبلية. فالمفهوم السائد منذ التسعينيات، والقائم على "الضربات الدقيقة بصواريخ عالية التكلفة"، بات مهددًا بمنظومة جديدة تُعرف بـ"الكتلة الدقيقة"، أي استخدام أعداد هائلة من المسيرات الرخيصة لتحقيق نتائج قتالية فعالة.
هذه الثورة التكنولوجية قلبت موازين الكلفة العسكرية، إذ لم يعد منطقيًا استخدام مقاتلات متطورة بملايين الدولارات لاعتراض مسيّرات صغيرة لا يتعدى سعر الواحدة منها بضع مئات من الدولارات.
كما أن أنظمة الرادار الحديثة تفشل في رصد هذه المسيّرات ضمن بيئة التشويش الكثيف القريبة من الأرض.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuNSA= جزيرة ام اند امز