انسحاب روسي تكتيكي.. مخاوف من معارك جديدة بأوكرانيا
لم تكن الخنادق العميقة ونقاط المراقبة التي ظهرت على حدود أوكرانيا الشمالية مع روسيا تضاهي أرتال الدبابات المنتشرة منذ بدء الحرب.
والآن وبعد أسابيع من المعركة وبتكلفة باهظة، يراقب حرس الحدود الأوكراني بحذر في منطقة تشيرنيهيف بينما يحشد الروس القوات والمعدات من جديد.
وتختلف الحرب بهذه المنطقة عن أي مكان آخر بالبلاد، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، لكونها عابرة للحدود، حيث تطلق الدبابات الروسية القذائف على القرى، ويتطاير الرصاص بمنطقة غير آهلة متوترة في معرك نارية متقطعة.
وقال سيرهي خومينكو (30 عاما)، قائد وحدة تجري دوريات على الحدود قرب القرية حيث نشأ: "لن تكون الحدود كما كانت مطلقا".
لم يعد خومينكو ومرؤوسيه يحصلون على إجازات، ويعيشون في المستنقعات والغابات التي تصطف على طول الحدود، حيث لا يقاتلون الروس فحسب، بل أيضا "بعوض بحجم عقلة الإصبع".
ومرت أسابيع منذ أن انسحب الروس من منطقة تشيرنيهيف، وانتهى الشتاء وحل الربيع وعاد عشرات الآلاف من النازحين فيما تمت استعادة الخدمات العامة والطرق.
ويقول مسؤولو الحدود إن كل شيء يحدث بسرعة، حيث يسقط ما بين قذيفتين وثماني قذائف بمنطقة تشيرنيهيف كل يوم، بحسب أولكسندر سيريدا، نائب قائد حرس الحدود بالمنطقة.
وتُجبر القوات الأوكرانية بانتظام على الرد على النيران عبر الحدود.
وأشار سيريدا إلى أنهم يستعدون لهجوم محتمل، قائلًا: "يهاجمون مواقعنا وبلداتنا. الروس ليس لديهم فكرة عن قواعد الاشتباك".
وتظهر نفس الديناميكية في منطقة سومي المجاورة، التي أخلاها الروس في نفس التوقيت مع تشيرنيهيف.
وفي خاركيف، بينما تدفع القوات الأوكرانية الروسية للتراجع إلى الحدود، قال مسؤولون محليون إنهم يتوقعون أن تتحول الحرب هناك أيضًا إلى معارك ضارية.
وكانت العلاقات بين السكان المحليين على جانبي الحدود وثيقة لكنها توترت قبل الحرب. فبالرغم من أن الروابط الثقافية والأسرية عميقة، خلق ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 بالإضافة إلى دعمها للانفصاليين في شرق أوكرانيا حالة من التوتر، حتى على بعد مئات الأميال.
وقال خومينكو: "في السابق، كان يأتي الأقارب والأصدقاء والمعارف من روسيا بنوايا طيبة"، بعد الحرب في 24 فبراير/شباط، أصبح كل هذا غير وارد.
وأضاف سيريدا: "الآن، الحدود مشبعة بأنهار من الدماء. إنها نصب تذكاري لمن ماتو. يرتبط هذا الخط الآن بالأرواح التي تمت التضحية بها."
وفي تيخونوفيتشي، القرية التي يعيش فيها حوالي 600 شخص ويفصلها عن الحدود غابة تمتد لستة أميال، قتل شابان يخدمان بحراسة الحدود خلال الأيام الأخيرة قبل انسحاب القوات الروسية.
وكان أندريه ساموسينكو وأنطون مياكي صديقين منذ الطفولة، وكانا يبلغان من العمر 30 عاما، ويعلم زملائهما كيف ماتا بالضبط، لأن الجنود الروس الذين نصبوا لهما كمينا كانوا يصورون بكاميراتهم ونشروا الفيديو عبر تليجرام.
وقال أناتولي بوندارينكو (45 عاما)، عمدة القرية: "الناس قلقون. يسمعون أن الروس عززوا قوتهم مرة أخرى".
وفي يوم الحرب في فبراير/شباط، علم بوندارينكو من قرية قريبة من الحدود أن القوات الروسية قادمة، وتواصل مع الجميع وطلب منهم الاختباء، ثم أخفى أكبر قدر ممكن من الوثائق.
وأضاف بوندارينكو: "بعد بدء الحرب، حتى من لديهم أخوة وأخوات في روسيا توقفوا عن الحديث مع بعضهم البعض".
وفي سياق متصل، نشرت "واشنطن بوست" تحليلًا يتحدث عن التقدم الروسي في شرق أوكرانيا وكيف يمثل نقطة تحول في الحرب.
وأفاد التحليل، الذي أعده الكاتب بالصحيفة إيشان ثارور، بأن الأنباء الواردة من خطوط الجبهة، بالنسبة للأوكرانيين، ليست مشجعة، موضحا أنه مع اقتراب اليوم المائة منذ شن روسيا الحرب، يبدو أن كفة المعركة تصب في صالح موسكو.
ويوم الإثنين، دخلت القوات الروسية ضواحي سيفيرودونتسك، إحدى آخر المدن ذات الأهمية الاستراتيجية بمنطقة لوهانسك التي لا تزال تسيطر عليها أوكرانيا.
وحال سقطت، ستعطي روسيا وقواتها بالوكالة سلطة على نصف منطقة دونباس.
وخلال حوار مؤخرًا مع محطة إذاعية فرنسية، أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أن الزخم الحالي كان جزءًا من الهدف الذي يركز عليه الكرملين حديثا.
وقال لافروف: "هدفنا الواضح، بالطبع، إخراج الجيش الأوكراني والكتائب الأوكرانية من منطقتي دونيتسك ولوهانسك"، وذلك وسط مخاوف متزايدة بين المسؤولين الغربيين تفيد بأن روسيا تنوي لضم الأراضي في دونباس وخيرسون.
وطبقًا لتحليل "واشنطن بوست"، اتسم التقدم الروسي بنفس وحشية ولا هوادة الهجوم السابق، ويتحدث مراقبين عن أساليب مشابهة لتلك التي تم تطبيقها في الهجوم على مدينة ماريوبول، مع أيام وليالٍ لا تنتهي من نيران المدفعية والهجمات الصاروخية التي تسحق المناطق الحضارية.
وقال سيرهي هاي داي، حاكم لوهانسك، إن الروس "يستخدمون نفس التكتيكات مرارا وتكرارا. يقصفون لعدة ساعات – لثلاث أو أربع أو خمس ساعات – متتالية ثم يهاجمون".
وأشار التحليل إلى أن "الوضع في شرق البلاد يمثل تحولا عن مرحلة مبكرة من الحرب، عندما أجبرت الدفاعات الأوكرانية القوية الانسحاب الروسي واسع النطاق في كييف ومناطق أخرى، مما زاد الثقة بين الأوكرانيين وداعميهم الغربيين حيال احتمالات النصر الشامل على قوة روسية ضعيفة التنظيم والتجهيز."
لكن بعدما أعادت القوات الروسية تنظيم صفوفها، تحرز الآن تقدما تدريجيا لكن مطردا في حملتهم بشرق البلاد، ويستخدمون بانتظام قاذفات اللهب والمدفعية طويلة المدى التي تفتقر إليها القوات الأوكرانية مما يترك كييف في وضع دفاعي.
وبالرغم من أن المقاومة الأوكرانية جعلت القتال شاقا على القوات الروسية، تقترب موسكو من تطويق أكبر معاقل أوكرانيا في منطقة دونباس.
ويبدو أن موسكو تعلمت من أخطائها الأولى، "حيث يبدو أن المكاسب الروسية على الأقل جزئيا هي نتاج النجاح الأوكراني السابق"، بحسب ما نقل التحليل عن وكالة "بلومبرج" الأمريكية.
وبينما لا يزال صحيحا أن الحرب تركت الجيش الروسي مستنفذا بشكل كبير، وفي بعض المناطق، يعاني من نقص العتاد والقوى البشرية، وتدني المعنويات، يشكو المقاتلون الأوكرانيون في الشرق من أنهم يفوقونهم عددا وتسليحا.
ورأى التحليل أن التوسع وتعزيز السيطرة الروسية على شرق أوكرانيا يمثل مرحلة جديدة من الصراع، مرحلة ستختبر قدرة الغرب وأوكرانيا على الصمود في زمن الحرب.
aXA6IDMuMTQyLjQwLjE5NSA= جزيرة ام اند امز