أوكرانيا تقترب من سيناريو العراق ويوغوسلافيا.. هل يتحول الصراع لنووي؟
بعد أشهر من إخماد جذوة التلويح بالنووي سبيلا لإنهاء الصراع في أوكرانيا، عادت التهديدات من جديد، بخطوة بريطانية، أعقبها رد روسي فوري.
وكانت نائبة وزير الدفاع البريطاني أنابيل غولدي قالت يوم الإثنين إنّ المملكة المتحدة تعتزم تزويد أوكرانيا بقذائف "تحتوي على يورانيوم منضّب"، مشيرة إلى أن "هذه الذخيرة فعّالة للغاية في تدمير الدبابات والمراكب المدرّعة الحديثة (..) هذه القذائف كانت مخصّصة للاستخدام مع دبابات تشالنغر التي تنوي لندن تسليمها أيضاً".
إلا أن تلك الخطوة البريطانية، وجدت تنديدات فورية وتحذيرات رسمية من روسيا، التي سارعت إلى الرد على لسان رئيسها فلاديمير بوتين الثلاثاء، قائلة إنّ "روسيا ستضطرّ للرد" في حال حدوث مثل هذا التسليم.
هل تتحول الأزمة لصراع نووي؟
وقال بوتين للصحفيين بعد محادثات في الكرملين مع نظيره الصيني شي جين بينغ: "لم تعلن المملكة المتحدة فقط عن إمداد أوكرانيا بالدبابات، لكن أيضًا بقذائف اليورانيوم المنضب. أود أن أشير إلى أنه إذا حدث كل هذا، فسيتعين على روسيا الرد وفقًا لذلك ... بدأ الغرب بالفعل في استخدام أسلحة ذات مكون نووي".
وبعد يوم من تصريح الرئيس الروسي، حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من أنّ تسليم لندن لأوكرانيا ذخيرة تحتوي على يورانيوم منضّب، تحدّث عنها مسؤول بريطاني مؤخراً، سيمثّل "تفاقماً خطيراً" للنزاع.
وفي مؤتمر صحفي، في سوتشي بجنوب روسيا، قال رئيس الدبلوماسية الروسية: "إنها خطوة نحو مزيد من التفاقم، تفاقم خطير" للنزاع، مشيرًا إلى أنّ استخدام مثل هذه الذخائر سيؤدي إلى عواقب خطيرة على صحّة السكان وإلى تلوّث التربة، في إشارة إلى الحروب في يوغوسلافيا في التسعينيات حيث تم استخدام هذه الذخيرة.
الوزير الروسي، أضاف: "الجميع يتذكّر كيف عانى عشرات الآلاف من المدنيين وأولئك الذين استخدموا هذه الذخائر خلال النزاع في يوغوسلافيا... كانت هناك زيادة في حالات الإصابة بمرض السرطان، وتعرّضت التربة للتلوّث".
وأضاف الوزير الروسي أنّ "استخدام ذخيرة باليورانيوم المنضّب سيقلّل بشكل كبير أو حتى يدمّر قدرة أوكرانيا على إنتاج أغذية غير ملوّثة".
وتعدّ القذائف باليورانيوم المنضّب ذخائر مخصّصة لاختراق الدروع، ويتعرّض استخدامها لانتقادات بسبب مخاطرها على صحّة الجنود الذين يستخدمونها والسكان الذين يعيشون في المناطق المستهدفة.
واليورانيوم المنضب هو منتج ثانوي لعملية التخصيب النووي المستخدمة في صنع الوقود النووي أو الأسلحة النووية؛ فهو مشع بنسبة 60% مثل اليورانيوم الطبيعي، وثقله يصلح للاستخدام في جولات خارقة للدروع، لأنه يساعدها على اختراق الفولاذ بسهولة.
ردود الأفعال
بدورها، دانت "حملة نزع السلاح النووي" وهي منظمة بريطانية مناهضة للأسلحة النووية الثلاثاء، تسليم ذخائر باليورانيوم المنضّب، معتبرة أنّه سيكون "هناك كارثة بيئية وصحية إضافية لمن يعيشون في قلب الصراع".
وقالت كاثرين هدسون الأمينة العامة لمنظمة "حملة نزع السلاح النووي"، التي تأسست عام 1957: "كما كان الحال في العراق، فإن نقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف على المدى الطويل لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة المدنيين المحاصرين في الصراع".
وأكدت هدسون: "يجب العمل على تجنب وفيات السرطان، وغيرها من الأمراض الخطيرة"، داعية حكومة المملكة المتحدة إلى وقف استخدام أسلحة اليورانيوم على الفور، وتمويل الأبحاث حول آثارها الصحية والبيئية على المدى الطويل".
هدسون أضافت: "يمكن أن يشكل غبار اليورانيوم السام والمشع، الذي يتكون عندما تنفجر القذيفة، خطرا على صحة الأشخاص الذين يستنشقونها، مما يؤدي إلى تلوث بيئي وانتشار لأمراض السرطان".
وتشير المنظمة إلى أن "استخدام الولايات المتحدة لقذائف اليورانيوم المنضب خلال حرب العراق، قد يكون مرتبطا بزيادة ملحوظة في الإصابة بأنواع معينة من السرطان في هذه المناطق".
ومساء الثلاثاء، قال متحدث باسم البنتاغون إن الولايات المتحدة لن ترسل أي ذخيرة من اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا.
حذرت السفارة الروسية في لندن حذرت من تسليم قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف، مشيرة إلى أن هذه الخطوة محفوفة بتصعيد النزاع، وسيؤثر استخدام هذه الذخيرة في أوكرانيا على صحة السكان المحليين.
السيناريو اليوغوسلافي
ووصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خطط لندن لنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف بـ"السيناريو اليوغوسلافي"، قائلة: "هذه القذائف لا تقتل فحسب، بل تصيب البيئة وتسبب الأورام، هذا يمكن أن يؤدي إلى تلوث بيئي وانتشار لأمراض السرطان، وقد حدث هذا بالفعل أثناء قصف الناتو ليوغوسلافيا".
بدوره، قال الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، إنه في حال قامت بريطانيا بإمداد أوكرانيا بقذائف اليورانيوم المنضب، فستقوم روسيا بإمداد مينسك بقذائف تحتوي على يورانيوم حقيقي.
وقال لوكاشينكو: "إذا ما زودوهم بقذائف محشوة باليورانيوم المنضب فإن روسيا لن تتأخر في تزويدنا بذخيرة محشوة بيورانيوم حقيقي. فإذا كانوا هم مجانين، فسيدفعون هذه العملية إلى الأمام، وهذا هو الأسوأ والأخطر. لذلك لا بد من التنحي قليلا بعيدا عن الجنون.. وبعد ذلك، وبمجرد أن تنفجر هذه الذخيرة، وإذا ما انفجرت في أي من مواقع القوات الروسية، فسترون أن الرد الروسي سيكون رهيبا. سيكون ذلك درسا لكوكب الأرض برمته".
حرب نووية
وكانت روسيا والصين دعتا في بيان مشترك، مساء الثلاثاء، إلى بذل الجهود "لتقليل مخاطر نشوب حرب نووية وأي نزاع مسلح بين الدول الحائزة للأسلحة النووية".
وأكد البيان، أن روسيا والصين مقتنعتان بأن الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب إطلاق العنان لها، مضيفًا: "تأكيدا على أهمية البيان المشترك الصادر عن قادة الدول الخمس الحائزة للأسلحة النووية، بشأن منع نشوب حرب نووية وسباق تسلح، أكد الجانبان مرة أخرى أنه لا يمكن أن يكون هناك منتصر في حرب نووية وأنه يجب ألا يطلق العنان لها".
وطالب الدول كافة الدول الموقعة على الاتفاقية ببذل جهود "لتقليل مخاطر نشوب حرب نووية وأي نزاع مسلح بين الدول التي تمتلك أسلحة نووية"، مضيفًا: "وسط تدهور العلاقات بين القوى النووية، يجب دمج تدابير الحد من المخاطر الاستراتيجية في الجهود العامة لخفض التوتر بين الدول، وإقامة علاقات بناءة بشكل أكبر وتقليص أسباب التناقضات في مجال الأمن إلى الحد الأدنى".
وشدد البيان على أنه "يجب على جميع القوى النووية ألا تنشر أسلحة نووية خارج أراضيها وأن تسحب جميع أسلحتها النووية الموجودة في الخارج".
وقال هاميش دي بريتون جوردون، خبير الأسلحة الكيماوية والضابط السابق بالجيش البريطاني، إن اليورانيوم المنضب "لا يمكن أن يستخدم كوقود نووي أو يتحول إلى سلاح نووي"، مشيرًا إلى أن تصريحات بوتين تشير إلى تخطيطه "للتصعيد إلى أسلحة نووية"، على حد قوله.
وأضاف دي بريتون جوردون في تصريحات لشبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية، أن "بوتين يستخدم ورقة التصعيد النووي منذ بداية الحرب لإبعاد الناتو لكنها لم تنجح. يحاول إقناع الصين بمنحه أسلحة ويعتقد أن تهديد الأسلحة النووية سيجعل قوة الناتو على طاولة المفاوضات".
ما مخاطر الخطوة البريطانية؟
ووصف برنامج الأمم المتحدة للبيئة اليورانيوم المستنفد بأنه "معدن ثقيل سام كيميائيًا وإشعاعيًا". تم استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب في النزاعات في يوغوسلافيا السابقة والعراق، وكان يشتبه في أنها سبب محتمل لـ "متلازمة حرب الخليج"، وهي مجموعة من الأعراض المنهكة التي عانى منها قدامى المحاربين في حرب 1990-1991.
واختبر باحثون من جامعة بورتسموث في المملكة المتحدة المرضى لفحص مستويات اليورانيوم المنضب المتبقي في أجسامهم ويقولون إن دراستهم لعام 2021 أثبتت "بشكل قاطع" أن أيا منهم لم يتعرض لكميات كبيرة من اليورانيوم المستنفد.
وعندما يصطدم سلاح مصنوع من طرف أو قلب من اليورانيوم المستنفد بجسم صلب، مثل جانب دبابة، فإنه يمر مباشرة من خلاله ثم ينفجر في سحابة من البخار المحترق. ويستقر البخار على شكل غبار سام وقليل النشاط الإشعاعي.
واستخدمت قذائف اليورانيوم المنضب في العراق والبلقان ، حيث ادعى البعض أنها مرتبطة بعيوب خلقية، فيما قال تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2022 إن اليورانيوم المستنفد كان مصدر قلق بيئي في أوكرانيا.
وأضافت أن "اليورانيوم المنضب والمواد السامة الموجودة في المتفجرات الشائعة يمكن أن تسبب تهيجا في الجلد والفشل الكلوي وتزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان"، مشيرة إلى أن "السمية الكيماوية لليورانيوم المستنفد تعتبر قضية أكثر أهمية من التأثيرات المحتملة لنشاطه الإشعاعي".